توزيع حقائب مدرسية وأدوات مكتبية على الأيتام والأسر غير القادرة بمطروح    ضبط المتهمين بالتشاجر وإصابة 5 أشخاص فى منشاة القناطر    مدرب بيراميدز السابق: أتمنى تدريب الأهلي وهو أصعب فريق واجهته في مصر    وائل القباني: حسام عبد المجيد رافض التجديد للزمالك.. وما الأزمة من انتقاله للأهلي؟    منال عوض تلتقي ممثلى الجهات المنظمة لإحتفالية الإفتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير    «ديجافو» من ما تراه ليس كما يبدو تتصدر المشاهدة على المنصات بعد عرض أولى حلقاتها    محافظ المنيا: "100 يوم صحة" تواصل تقديم خدماتها الطبية لأكثر من 284 ألف مواطن    حتى المساء.. أمطار غزيرة على هذه المناطق في السعودية    زعماء الدول العربية والإسلامية يبحثون غدا بالدوحة التطورات الأخيرة بالمنطقة    كوريا الشمالية تحذر أمريكا: التفاخر بالقوة في المكان الخطأ سيجلب عواقب وخيمة    وفاة الإعلامي السعودي سعود العتيبي    وكيل تعليم الجيزة: لا تهاون في صيانة المدارس.. وسد العجز قبل الدراسة    جامعة قناة السويس تُكرم فريق المتطوعين بمركز خدمات الطلاب ذوي الإعاقة    برنامج علاجي لسيف جعفر في الزمالك    تعرف على مواجهات الدور التمهيدى الثانى لكأس مصر بعد سحب القرعة    انطلاق مبادرة «يوم الخير» بمراكز شباب الشرقية    وزيرة التضامن تفتتح أحدث حضانة مجهزة بدورات مياه لذوي الهمم بالعاشر من رمضان    «الداخلية» تطرح أدوات مدرسية بأسعار مخفضة تصل إلى 40%.. فيديو    ضبط عاطل تعدى على سائق بعصا خشبية في العجوزة    ضبط كيان غير مرخص لإنتاج الأدوية والمكملات الغذائية بمدينة السادات    مصرع شخص على قضبان السكة الحديد في السويس    إصابة شخص بطلق ناري في أسوان.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    النائب العام ووزير المالية.. شراكة مؤسسية لدعم الاقتصاد الوطني وصون المال    وائل جسار وريهام عبد الحكيم يتألقان في حفلهما بمهرجان مراسي    تامر فرج: قدمت دورًا مختلفًا في «أزمة ثقة» ومشهد ضربي لملك زاهر بجد    نور النبوي يستعد لتصوير «كان يا مكان».. ويواصل صعوده نحو نجومية مختلفة    نجوم الفن حاضرون في جنازة أرملة سيد مكاوي.. إسعاد يونس ونادية مصطفى أبرزهم    رسالة صادمة من ريهام سعيد لمنتقديها.. اعرف التفاصيل    متحدث الوزراء: افتتاح المتحف المصري الكبير نوفمبر القادم والتجهيزات تسير وفق الجدول الزمني    "معلومات الوزراء": الذكاء الاصطناعي أصبح جاهزًا لإحداث ثورة في مجال السياحة العالمية    بالمجان.. علاج 1374 مواطنا خلال قافلة طبية بإحدى قرى الشرقية    مستقبل وطن بالإسماعيلية يدعم مستشفى القصاصين التخصصي    البنك الأهلي يساهم ب60 مليون جنيه لصالح وحدة الإيكمو    مطروح: توزيع حقائب وكتب وزي مدرسي على 2000 من طلاب المدارس من الأولى بالرعاية    للنباتيين.. أطعمة ومصادر غذائية ضرورة لصحة العظام    خلاف مالى يتحول إلى معركة بالأسلحة البيضاء بين 11 شخصاً فى الغربية.. فيديو    الخشت يفرق بين فلسفة الدين وعلم الكلام: الأول نقدى شامل والثانى دفاعى تقليدى    وزير الزراعة يفتتح الدورة ال37 من معرض ومؤتمر "صحاري 2025"    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيامه    هل يجوز أن أنهى مُصليًا عَن الكلام أثناء الخُطبة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    حشود بالآلاف واشتباكات عنيفة مع الشرطة.. أكبر مسيرة لليمين المتطرف فى لندن    تعطيل العمل بالقسم القنصلي للسفارة المصرية بالدوحة    «مدرسة فايلر ويشبه كولر».. شوبير يكشف آخر تطورات مدرب الأهلي الجديد    السيسي يؤكد أهمية تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير فرص العمل في قطاع الطاقة الجديدة    وزارة الداخلية ترفع شعار "الخدمة حق للجميع".. الأحوال المدنية تقدم خدمات سريعة وإنسانية فى قلب الجمهورية الجديدة.. استخرج بطاقة الرقم القومى من بيتك.. وقوافل ومأموريات ومراكز نموذجية لكبار السن وذوى الهمم.. صور    طولان: أنا مدرب منتخب مصر بالصدفة    خبير في شئون الجماعات الإرهابية: أكاذيب الإخوان تستهدف الاقتصاد عبر التضليل الرقمي    الرئيس السيسى يهنئ رئيس جواتيمالا بمناسبة ذكرى يوم الاستقلال    وزير الخارجية الأمريكية: قطر شريك مهم ومفيد على عدة جبهات    «الإفتاء» تواصل عقد مجالسها الإفتائية في المحافظات حول «صلاة الجماعة.. فضائل وأحكام»    الهلال الأحمر يدفع ب3200 طن مساعدات إغاثية عبر قافلة زاد العزة ال36 إلى غزة    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول ضد بيرنلي والقنوات الناقلة    صحيفة نمساوية: بولندا باتت تدرك حقيقة قدرات الناتو بعد حادثة الطائرات المسيرة    خطوات استخراج البطاقة الشخصية 2025 ب 5 طرق أبرزها عبر الإنترنت    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الأحد 14-9-2025    الجيش الصيني يحذر الفلبين ويدعوها لوقف التصعيد في بحر الصين الجنوبي    ارتفاع قياسي عالمي.. أسعار الذهب اليوم الأحد 14 سبتمبر بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضواء نفسية علي الصراع العربي- الصهيوني«2-4»
نشر في الأهالي يوم 24 - 03 - 2010

يتصور البعض أن الحديث عن دور لعلم النفس في تناول مثل تلك القضايا، إنما يعني أننا بصدد الدعوة إلي اختزالها إلي مجرد صراعات نفسية، ومن ثم فإن حلها لا يتطلب سوي استخدام تلك الآليات التي يعرفها المتخصصون في علم النفس في تعاملهم مع ظواهر الصراع النفسي. وحقيقة الأمر أن ثمة تفرقة واضحة بين الصراعات ذات المنشأ النفسي والتي قد تترتب عليها نتائج مادية.
وتلك الصراعات ذات المنشأ المادي الاجتماعي التاريخي السياسي والتي قد تترتب عليها نتائج نفسية، وتختلف تبعًا لذلك مواقف علماء النفس من تصنيف الصراع العربي الصهيوني تبعا لمواقفهم الفكرية السياسية. وقد انتميت دوما وما زلت لأولئك الذين يرون في صراعنا مع الصهيونية صراعا ماديا تاريخيا سياسيا فكريا، استثمرت في إدارته معطيات ونتائج بحوث علم النفس وترتبت علي مجرياته العديد من النتائج النفسية، ولكنه في النهاية يظل صراعا علي الأرض، أرض فلسطين.
الصهيونية منظومة فكرية حديثة تبلورت مع نهايات القرن التاسع عشر تقوم علي التسليم بأن ثمة مشكلة يهودية أزلية لا حل لها إلا بإقامة دولة لليهود، وسرعان ما تحول الفكر الصهيوني إلي تنظيم حركي سياسي صدرت عنه سلسلة من الممارسات العملية التي انتهت إلي قيام دولة إسرائيل في حوالي منتصف القرن العشرين. وقد حرص قادة الصهيونية ودعاتها علي اصطناع نشأة للصهيونية ترجع بها إلي تاريخ موغل في القدم يمتد إلي نشأة الديانة اليهودية أو علي وجه الدقة إلي تاريخ الشتات اليهودي، ومن ثم يصر قادة إسرائيل حتي يومنا هذا علي أنه لا فرق بين الصهيونية، واليهودية، والإسرائيلية، بل ويجرمون من يزعم أن هناك تفرقة بأي شكل بين الصهاينة واليهود والإسرائيليين.
وغني عن البيان أن الفكر الصهيوني يقوم علي التسليم بأن اليهود علي خلاف كل الجماعات البشرية قد حافظوا تماما علي تمايزهم عن غيرهم عبر التاريخ، ومن ثم فإن يهود اليوم هم امتداد مباشر غير منفصل لليهود القدامي، أي يهود التوراة، وهم - وفقا لهذا المفهوم - يمثلون كيانا حضاريا ممتدا لم يتأثر جوهره بما طرأ أو يطرأ علي العالم المحيط به من تغيرات، وأن كل ما قد يبدو من اختلاف بين يهود اليوم، ويهود الأزمان الغابرة، إنما هو قشور لا تتجاوز السطح إلي الجوهر، وأن إسرائيل التي قامت عام 1948 إنما تمثل يهود العالم منذ كانت اليهودية، وأنها سوف تظل كذلك إلي الأبد، وأنها -أي إسرائيل- تمثل أيضا يهود عالم اليوم بل والغد ، وأنها -أي إسرائيل- ترث بهذه الصفة مستحقات اليهود لدي البشرية جمعاء، سواء كانت تعويضات مالية مقابل اضطهاد جدود الجدود لأسلاف أسلاف يهود اليوم، أو كانت تعويضات أدبية تتمثل في اعتذار عن اتهامات ألصقت باليهود الغابرين وعلي رأسها الإقدام علي قتل السيد المسيح.
ثبات الخصائص
ويخلص الفكر الصهيوني من هذا التصور إلي تأكيد أن لليهود خصائصهم التي ظلت قائمة عصية علي التغيير عبر الزمان وعبر المكان. ولعله مما يستلفت النظر أن هذه الفكرة بالذات -أعني فكرة ثبات خصائص اليهود- علي ما هي عليه من إغراق في مجافاة حقائق العلم والتاريخ قد وجدت لها مكانا في الفكر العربي، وهو الأمر الذي قد نحاول أن نجد له تفسيرا فيما بعد.
قامت الصهيونية منذ البداية وما زالت علي تبني خطاب يجعل منها كما لو كانت استثناء من جميع القوانين العلمية التي تحكم نشأة وتطور الأفكار، فليس من فكرة عرفها البشر ظلت علي حالها دون تغيير ودون أن تختلف بل وتتناقض حولها التفسيرات والتأويلات، ونظرة إلي تاريخ الفكر الصهيوني كفيلة بتأكيد ذلك.
لقد جري علي الصهيونية عبر تاريخها ما جري ويجري علي غيرها من الأفكار والعقائد الإيديولوجية. ويكفي أن نشير علي سبيل المثال فحسب إلي أن الصهيونية لم تختلف كثيرا عن أية إيديولوجية أخري من حيث تواري الالتزام الأيديولوجي للقائد أمام ما تفرضه مقتضيات الواقع العملية. هكذا حدث في البداية عندما قبل هرتسل مبدئيا بالخيار الأوغندي البراجماتي بديلا لخيار أرض الميعاد الإيديولوجي، وكررها دافيد بن جورين بقبوله لقرار تقسيم فلسطين فور صدوره، وكررها مناحم بيجن حين تولي رئاسة وزراء إسرائيل فوقع اتفاقية كامب دافيد موافقا علي انسحاب كامل من سيناء، بما فيها من مستوطنات، وكررها شامير رئيس وزراء إسرائيل حين اضطر للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والقبول بمبدأ الأرض مقابل السلام. ويتكرر الموقف بالنسبة لشارون وقد أصبح رئيسا للوزراء إذ يعلن عن عزمه الانسحاب من غزة وتفكيك بعض مستوطناتها.
قوانين التطور
إذا كانت قوانين التطور والتغير قد سرت علي الصهيونية فإنها قد سرت كذلك علي اليهود كجماعة بشرية، ويحفل التاريخ بوقائع تحول جماعات بشرية بكاملها إلي اليهودية أو عنها إلي غيرها من المعتقدات والعقائد ولننظر إلي يهود اليوم لنجدهم -شأنهم شأن أتباع العقائد جميعا- يتباينون في قراءتهم لعقيدتهم، ويتباينون في أنماط سلوكهم وأفكارهم بتباين تواريخهم الاجتماعية الثقافية السياسية بل والشخصية أيضا؛ فمنهم العلماني والمتدين؛ ومنهم المتطرف والمتشدد والوسطي؛ ومنهم المسالم والمحارب؛ ومنهم الصهيوني والمعادي للصهيونية. إن أحدا لا يستطيع أن يضع جميع من ينتسبون لدين معين في سلة واحدة، حتي لو كان ذلك الدين هو الدين اليهودي.
إن أحدا لا يستطيع أن يضع باروخ جولدشتاين المستوطن اليهودي الإسرائيلي الصهيوني الذي ارتكب مجزرة المسجد الأقصي في 25 فبراير 1994، في سلة واحدة مع ريتشيل كوري الفتاة اليهودية الأمريكية التي سحقتها الجرافات الإسرائيلية في 17 مارس 2003، وأن يضع في نفس السلة تالي فحيمة اليهودية الإسرائيلية عضو الليكود السابقة والتي اعتقلت في أغسطس 2004 بتهمة التعاون مع كتائب الأقصي.
و لا يقتصر الأمر علي أمثلة ونماذج فردية، بل ثمة جماعات يهودية كاملة ترفض الصهيونية من منطلقات يهودية، ولنكتفي بالإشارة إلي مثالين فحسب من الجماعات اليهودية المنظمة المناهضة للصهيونية: "جماعة الناطوراه كارتا"، و"المجلس الأمريكي اليهودي".
لقد نجحت الحركة الصهيونية في إقامة دولة اسمها إسرائيل، ولكن هل يمكن اعتبار إسرائيل هذه تجسيدا واقعيا للأحلام الصهيونية القديمة المتجددة؟
لقد تجسدت تلك الأحلام الصهيونية في ستة أهداف بالغة التحديد:
1. أن تتحقق صهيونية كل اليهود، بانتهاء ظاهرة الرفض اليهودي للصهيونية.
2. أن تضم دولة إسرائيل جميع اليهود، بانتهاء ظاهرة يهود الشتات.
3. أن يتحقق النقاء السكاني للدولة اليهودية، بإنهاء الوجود البشري الفلسطيني.
4. أن يتحقق الانسجام السكاني اليهودي داخل الدولة بانتهاء التمايز العرقي بين اليهود.
5. أن يتحقق النقاء الروحي للدولة اليهودية، بسيادة الطابع الديني اليهودي عليها.
6. أن تتطابق الخريطة الدينية مع الخريطة السياسية للدولة اليهودية، بتحقق مقولة امتداد أرض الميعاد من النيل إلي الفرات.
إن نظرة سريعة لمسار تلك الأهداف كفيلة بتأكيد أنه لا مجال لاستثناء من حتمية القوانين العلمية الحاكمة لنشأة وتطور الجماعات البشرية: ما زالت جماعات يهودية ترفض الصهيونية، وما زالت غالبية يهود العالم يعيشون خارج دولة إسرائيل، وما زالت إسرائيل بكل ممارساتها الوحشية عاجزة عن إنهاء الوجود البشري الفلسطيني حتي داخل حدودها السياسية، وما زالت إسرائيل عاجزة عن تحقيق حلم الانسجام السكاني بين يهودها حيث الصراع الطبيعي بين أبناء القوميات المختلفة قائم ومستمر، وما زالت إسرائيل عاجزة عن تحقيق الحلم الصهيوني القديم بسيادة الطابع الديني اليهودي علي "دولة اليهود" حيث الصراع بين الصهاينة المتدينين والصهاينة العلمانيين قائم ومستمر، وهاهي إسرائيل تري حدود سيطرتها العسكرية آخذة في الانكماش بعد أن كانت قد بلغت أقصاها عشية يونيو 1967.
دور العرب
و هنا ينبغي أن نحذر ونحذر. إن تلك الحقائق الموضوعية لا تعني بحال دعوة إلي طمأنينة متفائلة، فثمة حقيقتان منهجيتان ينبغي ألا تغيبا عن الأنظار:
الحقيقة الأولي: إن تعثر الحلم الصهيوني، أو حتي إخفاقه لا يعني تلقائيا تحقق الأمل العربي. الحلم الصهيوني يتعثر أساسا لأنه يسبح ضد حركة التاريخ متحديا قوانينه العلمية، وثمة احتمال يظل قائمًا منطقيا؛ أن يستمر ذلك التعثر طويلا وأن يتراوح بين صعود وهبوط، وهناك احتمال أيضا وهو أن يتعثر الحلم الصهيوني والأمل العربي معًا علي حد سواء لحساب طموح قوة أخري ذات حلم أو أمل مختلف.
الحقيقة الثانية: إن تعثر الحلم الصهيوني، أو حتي إخفاقه في مرحلة معينة لا يعني انتهاءه تمامًا بأي حال، فالجهد الصهيوني يمكن أن يستمر لإحياء الحلم وتنشيطه، أو علي الأقل للحفاظ علي حياة ما بقي منه.
الأمر يتوقف في النهاية علي طبيعة الفعل العربي، ونوعية الخطاب السياسي العربي.
*أستاذ علم النفس - جامعة عين شمس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.