من يتمني لليهود داهية تنزل علي رءوسهم, فما عليه الا أن يتمني أن تظل دولة إسرائيل في فلسطين محافظة علي تعنتها وتزمتها وتعصبها, ذلك لأنها سوف تسوم اليهود كلهم لا الصهانية فحسب عذابا كبيرا, وسوف تؤدي آخر الأمر. باعتبارها شركا محكما من أشراك الفئران, إلي إبادة الإسرائيليين الكاملة وتصور الدكتور فرانتس شايدل هذا في كتابه إسرائيل أمة مفتعلة يشاطره فيه الكثير من المفكرين, نقتصر منهم علي كلام جوستاف لوبون في كتابه اليهود في تاريخ الحضارات الأولي : أن اليهود مجموعة من الناس, أثارت الكره الشديد والاحتقار في كل بلاد العالم وفي كل عصور التاريخ. وسنعتبر العصر الروماني نموذجا. نظرا للقواسم المشتركة بين العهدين الروماني والأمريكي. فغير خاف علي أحد, ما قامت به إسرائيل من استخفاف بالقرارات الأمريكية بخصوص حل الدولتين وتجميد الاستيطان, مما أضر بهيبة أمريكا عامة, وهيبة الرئيس( أوباما) بوجه خاص, وكم كان ذا معني ومغزي, نجاح إسرائيل في إبعاد الدور الأوروبي عن المحادثات المباشرة التي جرت في أمريكا أخيرا. وهذا يذكرنا بما حدث أيام الرومان. فالبرغم من التسامح الذي أظهره حكام الرومان نحو اليهود. أخذوا يبثون بغض الحكم الروماني لأولادهم منذ الصغر, وكان تيار العداء للرومان يخف ويقوي حسب مقتضي الأحوال, ولما تمادي اليهود في إظهار بغضهم وعداوتهم للرومان, فاض الكيل واضطر ولاة الرومان أن يعاملوهم بالمثل. وكانت صدمة من نوع آخر. وقعت في بداية ذلك العهد.. إذ لم يقم اليهود الذين ادعوا بأنهم شعب الله المختار بالواجب المفروض عليهم. بل تمادوا في غيهم ومقاومتهم للأنبياء, حتي جاء المسيح الذي أراد أن يعلمهم ويدعوهم إلي رسالة المحبة والخلاص. ولكنهم رفضوه ومما تنبأ به لهم قوله: يقعون في فم السيف, ويسبون إلي جميع الأمم. وتكون أورشليم مدروسة من الأمم, حتي تكتمل أزمنة الأمم. ولقد تحققت نبوءة المسيح, فلم ينقض علي هذا التبكيت لليهود أكثر من39 عاما, حتي انتهز اليهود شأنهم دائما فرصة عدم وجود حامية رومانية كافية في البلاد, فأعلنوا ثورتهم, وباشر متعصبوهم في مهاجمة حاميات الرومان, فأعد الرومان للأمر عدته, واجتاح فلسطين القائد تيتوس الذي كان في جيشه فرقة من العرب, يقودها ملك الأنباط( مالك الثاني). وبدأ هذا القائد في حصار أورشليم عام70 م. ورفض اليهود كل العروض التي قدمها لهم. بالاتفاق فيما بينهم, بدلا من إراقه الدماء, وبالنتيجة, لم يجد مفرا من تدمير مدينتهم وتحطيم هيكلهم, لكي يشل نشاط هذا الدين. كما صمم تيتوس علي انهاء الوجود اليهودي في فلسطين, فشتتهم بالأقطار. لكنهم لم يألوا جهدا في سبيل التسلل إلي فلسطين, وقد تسللت معهم شرورهم وأحقادهم وتنامت. ولم يوضع حد لها إلا في عهد( هادريانوس) الذي شغل منصب مفوض الإمبراطورية في سوريا قبل تنصيبه إمبراطورا. وكان من أقدر الرجال الذين شغلوا هذا المنصب علي مر التاريخ. ومما يؤثر عنه, أنه لم يكن يطمح في توسيع الإمبراطورية. بل في تدعيم أركانها من خلال نشر السلام في شتي أرجائها, كما يؤثر عنه حبه للشرق عامة وفلسطين علي وجه الخصوص. وقد زارها عدة مرات, أضف إلي ذلك كراهيته الجارفة لما كان يكتنف اليهودية في أيامه من عنصرية بدائية, تحول دون تحقيق ما كان يصبو إليه من السلام العالمي. ومن ثم عقد العزم علي تنفيذ مثله الأعلي, ولو اقتضي ذلك استخدام القوة, وتم ذلك بالفعل عام131 م. حين أصدر عدة مراسيم, بغية حملهم علي التخلي عن عنصريتهم والاندماج في مشروعه, مما أثار حقد اليهود عليه, حتي أكثر الربانيين اعتدالا في موقفه, رأي أنه قد أصبح من المحتوم خوض حرب جديدة ضد الرومان, فقاموا بحركة عصيان شاملة. قادها يهودي مجهول الأصل اسمه الحقيقي( سيمون) توفرت فيه صفات اللص والقاتل, وادعي هذا المأفون أنه المسيح المنتظر وأطلق علي نفسه اسم( باركوخبا) أي ابن الكوكب الذي تنبأت به التوراة في سفر العدد, ولقد نال هذا الدجال دعم الحاخام الأكبر, واجتمع تحت لوائه مائتا ألف يهودي, ومن لم ينمكنوا من الالتحاق بعصاباته, أرسلوا إليه بأموالهم, وتمكن الدجال من احتلال القدس وطرد الرومان منها. ودام العصيان ثلاث سنين, ويستحيل علينا أن نلم بمجريات أحداث هذا الصراع, مهما أوجزنا في هذا الإلمام, وحسبنا التركيز علي النتائج وأهمها, أسر باركوخبا وأتباعه, والتنكيل بهم جزاء ما اقترفته أيديهم, فتنكر اليهود لمسيحهم هذا واسموه باركوزيبا ومعناه ابن الكذب ويقول جونز في كتابه مدن الشام الرومانية تدل الروايات اليسيرة التي لدينا عن تلك الواقعة, أنها كانت فيما يبدو أشد مرارة وشراسة من الحرب التي اشتعلت عام70 م, إنها تمخضت عن إقفار اليهودية والاستئصال الفعلي لسكانها اليهود. وهكذا منذ العام الذي انتهت فيه هذه المعركة135 م. حكم علي اليهود بالتشتيت, لأنهم ارتكبوا جرما كبيرا في حق الامبراطورية الرومانية. لقد تشتتوا لأنهم أجرموا في حق مجتمعهم العربي الذي عاشوا علي أرضه ولم يخلصوا له, فمن استطاع منهم الإفلات من أيدي الرمان هرب إلي مصر وشمالي إفريقيا وأسبانيا, أما من أسرهم الرومان, فقد باعوهم بأبخس الأثمان. وبعثوا بأعداد وفيرة منهم إلي مدينة غزة, حيث قتلوا في حلقات المصارعة فيها. لقد صمم هادريانوس الذي عرف ببغضه لليهود, أن يضع حدا لشرهم ويقضي علي بذوره وكل إمكانية لبزوغة ثانية, فأمر بدك ما تبقي من حصون أورشليم وبيوتها, وتقويض أساساتها, ثم أمر بأن تزال الحجارة ويمهد المكان وتحرث الأرض تماما, وكأنه أراد أن يمحو كل أثر لهم من المدينة العربية وفور الانتهاء من هذه الأعمال بني الامبراطور مدينة القدسالرومانية علي نطاق واسع وفن جميل. وسماها ايليا كابيتولينا وقد حرم علي اليهود دخولها أو الإقتراب منها, وقد كان التحريم صارما أيام هادريانوس, حتي أن اليهود الذين تحولوا إلي المسيحية, لم يسمح لهم بالدخول إلي المدينة, أما الوثنيون والمسيحيون. فكانوا أحرارا في الدخول إليها. ومن هذه الزاوية وعلي هذا الأساس يقول لوبون: وحيرت لهجة الشعب اليهودي الفارغة دولة روما العظمي نفسها, فاقتصرت علي احتقاره. مع أنها كانت تعلم قدرتها علي سحق وكر المتعصبين المشاغبين, ذلك عند الضرورة, ولم تحتم فوضي ذلك الشعب الصغير المزعج وفساده وضوضاؤه, أن استنفد صبر تلك الدولة العظمي. فعزمت علي إبادته, لكي لاتسمع حديثا عنه.. ولعل خير ما وصف به إقامة اليهود الطارئة في فلسطين. ما قاله عنهم ه. ج ويلز في كتابه مختصر تاريخ العالم إنهم كانوا اشبه بشخص أصر علي أن يقيم في طريق مزدحم, مهما احتاط أو صاح. فلابد أن تطأه العربات والأقدام المسرعة, ومن المبدأ إلي النهاية, لم تكن مملكتهم في فلسطين, سوي حادث طارئ في تاريخ فلسطين ومصر وسوريا وأشور وفينيقية.