معلوم أن الإرهاب هو عمل تآمري, صفته السرية, وأن الأوامر تصل من القمة من أمراء الحرب إلي القاعدة, جيل التائهين والمضللين, وهي غير خاضعة للسؤال أو للمناقشة, وذلك ما يجعل المواجهة مع الإرهاب عملية صعبة. وما يجعل الالتزام بفكر الإرهاب مهمة سهلة, هو وجوده في مجتمعات منغلقة, تجرم التنوع واحترام الرأي الآخر. إن فكر الإرهاب يتطلب خضوعا كاملا, وتغييبا للعقل, وجمودا في تفسير النصوص, واتهاما لمن يؤمن بالحوار بالهرطقة إن لم يكن بالخيانة, وتقسيم العالم إلي فسطاطين, فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر. وعندما يتعلق الأمر بموضوع الحوار, فإن قوي التطرف تقف علي الضفة الأخري منه ولا تقبل به, ولذلك فلا جدوي من تبني الحوار معها. فالحوار يتم أساسا بين أطراف تقبل الاختلاف, ودلالته المعرفية هي إمكانية الاستفادة المتبادلة من خبرات وآراء المتحاورين. ويعني منهجيا, استحالة استحواذ فرد أو فئة سياسية أو اجتماعية علي مجمل القول, دون إتاحة الفرصة للإسهامات الفكرية والآراء الأخري. إن الحوار في أساسه تسليم بنسبية الحقائق وإمكانية تغيرها, بما يسهم في إثراء المعرفة بحاجات المجتمع وطرق نموه وتطوره... إنه بمعني آخر, عمل يهدف إلي تكامل الخبرات, بين مكونات المجتمع, ويؤهل لمزيد من التبلور والنضج والانفتاح علي المستجدات. غير أن معظم الكتابات التي حاولت دراسة ظاهرة الإرهاب,ركزت علي النهج التكفيري فقط, وتناست قضايا كثيرة لا تقل أهمية. إن نهج الإقصاء, ليس فقط حاصل جمود في تفسير النص, واحتكام إلي الخرافة وتسفيه للعلم فحسب, بل هو أيضا حاصل بنية اجتماعية هشة, تسببت عوامل عديدة, ليس أقلها التدخلات الخارجية. وليس ببعيد عن الأذهان ما آلت اليه الأوضاع في وطننا العربي, خصوصا وأن هناك ملفات متشابكة وشائكة ومتداخلة دوليا وإقليميا وعربيا تحكمها وتتحكم فيها مصالح الدول الكبري,وثمة خريطة عالمية جديدة ستبزغ,وإذا لم تبزغ عبر التفاوض والحل السياسي,فهناك جراحات عسكرية, قد تقود الي صراعات طاحنة علي شكل حروب إقليمية,ولربما شرارتها ونتائجها قد تشعل حربا عالمية, فامريكا والغرب الاستعماري نجحوا عربيا, وبعد ما يسمي بالثورات العربية أو بالتوصيف الأمريكي والغربي الربيع العربي في السيطرة علي مناطق إستراتيجية كمصر وتونس وليبيا واليمن وكذلك مشيخات النفط والغاز الخليجية العربية الواقعة تحت هيمنتها وسيطرتها منذ ولادتها. وهذا بحد ذاته يشكل خطرا جديا علي المصالح الروسية والصينية في المنطقة, والتي باتت تشعر بأن ما حصل في ليبيا, يجب أن يضيء ويشعل لها ضوءا احمر, حيث أوروبا الغربية وأمريكا سيطروا علي النفط والغاز الليبي, والآن يريدون السيطرة علي سوريا,من أجل أن يتحكموا في خطوط النفط والغاز الروسي, ولذلك كانت معركة القصير الإستراتيجية ليس فقط للنظام السوري وحلفائه حزب الله وايران, بل لروسيا بالدرجة الأولي,فالقصير تتحكم في حركة أنابيب النفط والغاز الي روسيا وتركيا وايران والعراق والأردن والخليج العربي. ولذلك اصيبت الولاياتالمتحدة بالذعر من نتائج هذه المعركة,فتوجهت الي مجلس الأمن الدولي مع بعض الدول العربية من أجل استصدار قرار يدين سوريا وحزب الله, ويدعو حزب الله الي سحب قواته من القصير,لأن ذلك يشكل انتهاكا للسيادة السورية, حسب ادعائهم,وكأن إدخال امريكا والغرب الاستعماري وتركيا ومشيخات النفط العربي لأكثر من مائة الف مقاتل الي سوريا وما قاموا به من اعمال القتل والتدمير والتخريب في سوريا,بما فيها عصابات القاعدة وجبهة النصرة لا يعد انتهاكا لسيادة سوريا وتدخلا سافرا في شئونها الداخلية,ناهيك عن غرف العمليات المتعددة المقامة علي الأراضي السورية او علي الحدود التي تخطط وتوجه وتراقب وتعطي الأوامر والتعليمات مشروعة ويحق لها العمل فوق الأراضي السورية. والواقع أن تجارب التاريخ في غير موضع, أثبتت باستمرار دعم الإدارة الأمريكية وحلفائها لأفكار ومنظمات التكفير والظلام والإرهاب, وكونهم الداعمين لها بغية استخدامها كأدوات عمياء في بث الذعر وتمزيق الأوطان وتحطيم إرادة شعوب المنطقة وآمالها في مستقبلها, ونشر الكراهية وإشعال الحروب الأهلية بين أبنائها علي أسس دينية وطائفية, وأنهم في كل التجارب كانوا يكيلون الأمور بمكيالين ووفقا لما يرونه من رؤي وما يتحركون علي أساسه من مصالحهم, وتشهد تجربتهم في فلسطين والانحياز للعدو الصهيوني, وفي العراق كيف ترك العراقيون, وكأنهم يعاقبون علي كفاحهم ضد الطغيان وتطلعهم للحرية والديمقراطية, والأمر الذي لا شك فيه أن الإدارة الأمريكية أشد القوي ظلامية وتشجيعا علي الحروب في العالم وأكبر دولة داعمة للعدو الصهيوني وأكبر دولة داعمة للأنظمة الرجعية والمستبدة. لكن ذلك لا يعني الوقوف إلي جانب الاستبداد ومصادرة الحريات والانصراف عن دعم حقوق الجماهير في الحياة الحرة الكريمة, وإقامة الحكومات علي أسس دستورية وديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وختاما أعتقد أنه في مواجهة فكر الإرهاب, لا بد من مقاربة ثقافية دقيقة تلغي الاغتراب في المكان والزمان, فلا تغوص بعيدا في أعماق الزمن طلبا للأمان, ولا يتيه بعيدا عن مواطئ أقدامها, ومحط أفئدتها. الأوطان هي حاضنة الجميع, والدفاع عنها وعن ثوابتها فوق كل الاعتبارات. وعندها يهزم الارهاب, وتبدل ثقافة بثقافة, ونهجا بنهج, حيث تحل ثقافة التسامح بديلا عن ثقافة التكفير والضيق بالرأي الآخر. وهذا الدرس لن نتعلمه من الاخوان لأنه درس خسة وعمالة وتآمر. وكم كنت أتمني أن نتعلم هذا الدرس من الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا. رابط دائم :