استوب.. قالها لخامس مرة... ليتوقف التصوير... للمشهد الذي يقوم بآدائه... وجه جديد شاب أمام نجم مخضرم كبير.. ويحاول المخرج أن يبعد الإحراج الذي يعيش فيه الوجه الجديد الذي يتسبب في الخطأ كل مرة... ويضيع منه الكلام... ويصمت أمام النجم المخضرم الذي يقف أمامه بحواره السليم... ويطلب المخرج عمل بروفة ثانية للمشهد مع الوجه الجديد.. والنجم المخضرم.. وفي البروفة كله تمام.. والحوار مظبوط ولا تلعثم... ولانسيان لجملة أو لفظ.. تمام.. حانصور.. وتدور الكاميرا ويبدأ الحوار.. والجميع يترقب بقلق وخوف من تكرار الخطأ.. وعند جملة معينة يقولها النجم المخضرم بقوة ونظرة من عينيه ثاقبة مركزة في عيون الوجه الجديد.. ولحظتها.. يضيع الكلام من الوجه الجديد.. ويتلعثم ويقف مصلوبا أمام الكاميرا.. لا ينطق.. استوب.. يقولها المخرج للمرة السادسة.. ويتوقف التصوير.. إيه الحكاية.. فيه إيه.. ما الذي يجعلك لاتسترسل في حوارك.. مع أنك حافظ, حافظ الحوار تماما... وقلته أكثر من مرة.. في كل بروفة نعملها بعد التوقف. الكلام موجه من المخرج إلي الوجه الجديد.. محاولا المخرج أن يظهر غضبه الشديد من التوقفات التي تحدث.. ومحاولة مراعاة إخفاء غضبه حتي لا يزيد توتر الوجه الجديد.. وفي الوقت نفسه يحاول تهدئة النجم المخضرم الذي بدأ عليه الغضب من تكرار خطأ الوجه الجديد الذي قدم مشاهد قوية مع زملائه الآخرين المشاركين في الفيلم.. وكان يشهدها النجم المخضرم.. واشترك في تصفيق كل من كان موجودا في أثناء هذه المشاهد التي يصورها الوجه الجديد!! وهنا طلب المخرج.. الاستعداد لمشهد جديد.. آخر ليس فيه الوجه الجديد... حتي يهدأ.. ويعود إلي حالته المبهرة التي كان عليها طوال التصوير في المشاهد السابقة التي ليس فيها هذا النجم المخضرم!! وتحرك الوجه الجديد خجلا.. وأنزوي في ركن من البلاتوه.. بعيدا عن الكاميرا.. ومكان التصوير.. وجلس بجواري!! وبعد لحظات.. التي تمر حتي يتم الاستعداد بمشهد جديد.. بدأت الحديث مع الوجه الجديد.. والذي قدمت معه مشاهد عديد في الفيلم وكان مبهرا.. وحدثت بيني وبينه.. علاقة ود.. وعشرة عمل.. طوال مدة التصوير للمشاهد التي كانت بيني.. وبينه.. وتشجيعي الدائم له في الهدوء والسيطرة علي أعصابه.. وهو يواجه.. نجوم ونجمات الفيلم.. وقلت له.. لا تضطرب.. ولا تخجل.. ولا تجعل قواك العقلية تهرب منك.. فقد مررت أنا شخصيا بهذه التجربة في بداية مشواري السينمائي... والفني عموما.. واكتشفت كثيرا من أسرار التمثيل الذي ليس علي الورق.. وليس في تدريس أساتذة معهد التمثيل.. أو أكاديمية السينما.. ولكن هذه الأسرار تكشفها التجارب الفنية.. والحياة العملية في هذا المجال الصعب.. الساحر.. الجميل. اكتشفت.. أن هناك من النجوم المخضرمين من لهم قدرة خارقة.. وتظهر في عيونهم أثناء الاندماج الكامل في تمثيل الشخصية التي يقدمها.. بعد أن يدخل في أعماقها.. وهذه العيون لها تأثير كبير في نفسية الممثل الجديد الذي يواجهها لأول مرة.. وهذه العيون تحتوي علي نوع من التأثير المغناطيسي غير مقصود.. ولكن بها هذا الإشعاع المخيف الذي يصدر من العيون.. في حالة الاندماج الكامل في الشخصية التي يؤديها الممثل المخضرم ويؤثر بقوة بهذا الإشعاع المغناطيسي الصادر من عيون إلي من يقف أمامه وينظر إلي عينيه.. فيضيع منه الكلام... ويصاب بعدم القدرة علي تذكر الحوار.. وتتوقف آلة الاستقبال.. والإرسال عند من ينظر إلي عيون مثل هذا النجم المخضرم.. الموهوب من عند الله تعالي.. بهذه القدرة الرائعة.. ويشتهر بها في مجال عالم السينما.. وفروع الفن.... وحتي في تعامله في الحياة العادية.. ويخشي كثير من الناس العاديين النظر إلي عينيه في أثناء الحديث معه.. أو لقاء بلا حديث.. فالنظرة عنده مخيفة علي الرغم من طيبته الشديدة في تعامله مع الناس!! وأمام هذه النوعية من العيون.. علي الوجه الجديد أن يراعي هذه الحالة.. وأن يبتعد بنظراته عن عيون أمثال هذا النجم وعيونه في اللقطات والمشاهد التي تجمعه مع هذا النجم.. وعلي النجم الجديد أن يوجه نظرته.. إلي مناطق أخري في وجهه غير عيونه.. حتي يأتي الوقت الذي يستطيع فيه مبارزة هذه العيون.. والوقوف أمامها بقوة ليصد إشعاعها المخيف.. بإشعاع مضاد.. وليس بالبريق بالعيون فقط كما يحدث من عديد من الوجوه الجديدة ويستمر نجاحهم بعيون لها بريق فقط ليس مؤثرا.. وبلا معني.. غير البريق.. فهناك أسباب وجدانية.. في وسائل التعبير.. بإبداع.. عندما يعيش الممثل في إيهاب الشخصية التي يقدمها.. ويكون لها العيون ونظرتها الرائعة الثاقبة التي وهب الله له هذه القدرة النادرة.. ويعرف من يحصل عليها وكيف يحافظ عليها بإيمان كبير بالذي وهبها له.. سبحانه!! وابتسم الشاب.. الوجه الجديد الجالس بجواري بعد هذا الحديث.. وجاء موعد تصوير المشهد مرة أخري.. وابتسمت إليه.. وتلاقت نظراتنا وكان يقول بحركة شفاه.. وهو يقف أمام الكاميرا.. لا تخف لقد وعيت الدرس.. ودارت الكاميرا.. وبدأ الحوار.. ونفذ الوجه الجديد.. كل ما قلناه.. ولم يتوقف في الحوار.. ولم تستطع نظرات عيون النجم المخضرم أن تصيب عيون الوجه الجديد.. الذي حاوره.. بنظراته الجديدة إلي مناطق وجهه القريبة من نظراته هو.... ولم يستطع النجم المخضرم اصطياد عيون الوجه الجديد.. وانتهي المشهد كاملا... وبإتقان أظهر قدرة الوجه الجديد علي بداية مبارزة النجم المخضرم.. وانطلق تصفيق كل من في الاستوديو ومعهم النجم المخضرم ترحيبا بأداء الوجه الجديد.. وصاح المخرج مبروك.. ياأستاذ.. موجه كلامه إلي الوجه الجديد.. ومد النجم المخضرم يده بالسلام علي الوجه الجديد. وصاح المخرج.. فركش!! يعني إنتهي التصوير!! رابط دائم :