من بين أكثر مأثوراتنا تداولا دعوة( اللهم اجعله خير) كلما مرت لحظات سعادة علي الواحد منا أو ضحك من قلبه ضحكة صفاء أورضا,وكأننا نستكثرها علي أنفسنا أو كأن ماصاغته حضارتنا الفرعونية عن الوجدان قد صار بالتقادم ضمن تركيبتنا الجينية,ورغم أن عباءة الأحزان لاتزال تحتوي جسد الأمة منذ أن أصبحت التفجيرات والبلطجة ومشاهد الدم وغيرها مفردا من مفردات حياتنا بعدما أصبحنا نعيش في مصرالتي لانعرفها, إلا أن ثمة أشعة من أمل باتت تشرق من شمس المعاناة بين الحين والحين نتقبلها برضا المغلوب علي أمره أو من يسعد بأقل القليل طمعا فيما هو أعلي وأدوم بيد أن طائر الشؤم كان يطل من بين جنباتها بنعيقه تارة وبنواحه تارات أخري ليفسد علينا بعض هدأتنا ومثار فرحتنا. وأول هذه الأمثلة علي كثرتها استبشارنا خيرا بقرب انتهاء أعمال لجنة الخمسين أملا في أن يجد الاستقرار سبيله لبر المحروسة ونبدأ في إعادة تأسيس مؤسساتنا لتعود للدولة عافيتها وشبابها وقدراتها المناعية, فإذا( بعين وصابتها!!) بعدما أصبحت المحاصصة سمة المطالب الأساسية حيث بات كل فريق يخشي من الشيطان الكامن في تفصيلات المواد لتتعثر النهايات أمام التمسك الفئوي أو المهني أو العقيدي,ولتتكسر علي صخرة اليأس أولي موجات الفرح الذي سوف يأتينا حتما ولكن بشكل منقوص أو مجتزأ. وثانية الأفراح جاءت مع عودة أولي حلقات( البرنامج) في موسمه الجديد لتصيب البعض بغصة في حين استقبلها البعض بمزيد من الترحاب والسعادة, حيث أضفت عليهم ابتسامة من نوع خاص قوامها أنه لم يكن برنامج مرحلة وإنما برنامج رحلة في مشوار هذا الوطن قد يستريح في ظلها البعض مبتسما وقد يلفظها البعض الآخر أو يسأمها البعض الثالث. وبينما يتحلق الجميع في الموعد المحدد يخرج بيان القناة كالماء البارد الذي أشعل من سخونة الموقف في مفارقة لم يستحسنها أشد المعارضين,لكون الابتسامة المرجوة لم تكن وليدة مايعرضه البرنامج بل سببا لإشعار الناس بسير الأمور مسارا ديمقراطيا حتي ولو عبرت عنه الكوميديا السوداء. ليغتال البيان بذلك ضحكة وطن يتلمس أبناؤه التبسم بعد إقفار من أي مصدر حتي ولو كان المصدر( باسم),وهم الذين عرفوا دوما أنهم( ولاد نكتة) فإذا بهم يصبحون مع الأحداث( ولاد نكبة) وثالثة الأثافي ماصاحب فوز النادي الأهلي بالبطولة الإفريقية للعام الثاني علي التوالي ضاربا المثل بشباب مصر ونجاحاته في مجالات عدة ليس فقط كما يقال إذا أتيحت له الظروف بل بقدرته علي صياغة الإتاحة لهذه الظروف ففي الوقت الذي كانت تهتز فيه المدرجات بصخب الفرحة بهدف الاطمئنان, إذا بالعدسات الراصدة تتجه راصدة حركة لاعبين باتت حديث المدينة لتتواري خلفهما سعادة الجمهور لتتحول لمادة خلافية ماكنا بحاجة إليها فالأولي قد خرجت عن المقرر دوليا والمستوجب للعقاب رسميا وأعني به إقحام السياسة في النشاط الرياضي والثانية جاءت من ذات الرافد مجافية للأعراف والبروتوكولات الخاصة بتنصيب الفائز لتدهب الأفراح أدراج الرياح ويصبح الأمر متعلقا بعقوبة هنا أو تبرير هناك وكأن الفائز بات مهزوما يستحق اللوم والمجازاة,وإن دل الأمر برمته علي عدم الاهتمام بتثقيف طليعة الشباب الممثلين لأنديتهم أو بلادهم الثقافة السياسية الواجبة التي لاتقل في رأيي في الأندية الكبري عن الجرعات التدريبية لما لهؤلاء النجوم من حضور مؤثر علي الناشئة. والرابعة مثالا لاميدانا بالطبع تتمثل في حادث زينة طفلة بورسعيد والذي كان يمكن أن يصبح حادثا عاديا في سياقات الأحداث المجتمعية ونماذجها البشرية الشائهة, بيد أن المأساة فيه علي المستوي القومي فيما نري أنه في الوقت الذي بدأ الفرح يتسلل إلي جنبات حياتنا بعودة المدينة الباسلة إلي حضن الوطن الأم بعدما شهدته من أحداث دراماتيكية ومحاكمات ومقاطعات دفع فيها إخوتنا أبناء( أبو العربي) من مقدرات حياتهم الشيء الكثير إذا بهذه الجريمة الشنعاء تأتي لتنكأ الجراح وتغلف سماء المدينة حزنا علي زهرة من ملائكة الرحمن وأسفا علي النحس الملاحق لابتعاث الروح من جديد حتي ولو كان هذه المرة تعاطفا وتراما حيث وأد الفرحة للمدينة جمعاء هي الخسارة لكبري. أما آخر الأمثلة رصدا في سجل الأفراح هو مهرجان الموسيقي العربية الذي ربما يري فيه البعض محدودية جماهيرية تتفق ومساحة المسارح, إلا أن الاستمساك باستمرارية الآداء الفني في هذا الصرح أي الأوبرا التي سيكون لنا معها حديثا منفردا قد أعطي رسالة قوية ترتبط بقيمة الاستقرار ورغبة الناس في الإقبال تعبيرا عن رغبة جياشة في عودة الحياة لطبيعتها في مصرنا الغالية. بيد أنه ما كدنا نفيق من اغتيال الضابط مبروك رحمه الله إلا وتعاجلنا اليد الآثمة بسيل من القتلي شهداء سيناء لتتشح مصر بالسواد ويعلن الحداد رسميا ورغم محدودية تأثير القرار علي مجريات المهرجان حال الإلغاء فإن رد الفعل جاء غاية في حسن التقدير ليتحول البرنامج المتبقي إلي تظاهرة وطنية بقدر ما كانت حدادا من نوع خاص إلا أنها إستدعت المشاعر الفياضة تجاه الوطن وأجناده. وختاما هذا غيض من فيض لأقول من خلاله لكل صاحب نفس مغرضة أو وجدان شائه إن هذا الوطن قد إنتحب كثيرا, أليس منكم رجل رشيد يحقن دماء الطهر ويقمع خنجر الغدر..نأمل في ذلك..و(عسي أن يكون قريبا). (إشرافات السعدي22) علي الذين يدمنون الأحلام أن يطيروا معها في السماء لا أن يحلقوا بها في الفضاء, فالفشل في الأولي يمكنهم من الهبوط الاضطراري ليعاودوا من جديد, أما في الثانية فإما أن يستمروا في الدوران إلي ما لا نهاية أو ينفجر بهم المكوك( الحلم) بلا رجعة في الفضاء الفسيح. رابط دائم :