عندما يظهر تقرير التنافسية العالمية تجد تراجع إنتاجية العامل المصري إلي المرتبة ال 130 علي المستوي العالمي وهو المركز قبل الأخير فإن الأمر يمثل جرس إنذار يصم الآذان ويدعونا إلي الانتباه سريعا لإنقاذ ما تبقي من مواردنا الاقتصادية. وبقراءة سريعة للتقرير نجد أن متوسط إنتاجية العامل المصري يبلغ 20 دقيقة يوميا من إجمالي عدد ساعات العمل والمقدرة ب 8 ساعات وهو ما يعني نسبة 2.4% تقريبا وذلك مقابل 85% للعامل الأوروبي و74% للعامل الأمريكي. يزداد الأمر مرارة عندما يذكر تقرير للجامعة الأمريكية في بيروت أن تكلفة البطالة في العالم العربي تقدر بحوالي 25 مليار دولار سنويا وأن الدول العربية تتحمل هذه التكلفة والتي هي في حقيقة توصيفها تصب في خانة الخسائر حيث تتصدر المغرب القائمة بخسائر 7.7 مليار دولار تليها الجزائر 6.5 مليار دولار ثم مصر 6.4 مليار دولار سنويا. وبنظرة إلي مصر فإن أحد العوامل الرئيسية لانخفاض إنتاجية العامل المصري يعود إلي عدد الموظفين بالجهاز الحكومي والذين يقدر عددهم بحوالي 7.5 مليون موظف كثير منهم بلا عمل حقيقي والشيء المضحك أن تقارير الأداء لمعظمهم هي الامتياز. أي ملهاة تلك التي نعيشها؟. المشكلة في حقيقة الأمر لا يمكن التعامل معها من منطق التعميم فالعامل المصري في أية دولة خارجية هو نموذج للالتزام والكفاءة ولكن النظرة الموضوعية لهيكل العمالة المصرية يمكن أن تحمل بين ثناياه خطوطا عريضة للأسباب التي أدت إلي تراجع إنتاجية العامل المصري إلي هذه المرتبة المتدنية ووفقا لهذا الهيكل فإن العاملين بالجهاز الحكومي وكذلك بالشركات الخاضعة لقطاع الأعمال يمثلون سببا رئيساً لهذا الوضع. وهنا فإننا يجب ألا نغفل عدم مسئولية هؤلاء العاملين عن عدم عملهم بالصورة المطلوبة فسياسة التوظيف الحكومي منذ ثورة يوليو لم تراع البعد الاقتصادي في توظيف العاملين حيث كانت الأهداف الاجتماعية هي العنصر الحاكم وعلي المنوال فإن توقف العديد من الشركات التابعة لقطاع الأعمال عن العمل أو تشغيلها بأقل من نصف طاقاتها الإنتاجية بسبب نقص التمويل أو تهالك الآلات ليس مسئولية العمال أيضا والمثال الواضح علي ذلك يمكن ملاحظته في شركات الغزل والنسيج وشركات استصلاح الأراضي. إن ما سبق لا يعني التبرئة الكاملة للعمال عن هذا الوضع فهم أيضا يتحملون قدرا من المسئولية لأنهم عندما يتوقفون عن العمل للضغط علي الإدارة لتحقيق مطالب فئوية لهم فهم شركاء في المسئولية وعندما يتحدثون عن أرباح كبيرة يحققها أصحاب المصانع والشركات الخاصة وضرورة حصولهم علي نسبة منها هم أيضا يجافون قواعد المنطق والتشغيل الاقتصادي. أقول إن جرس الإنذار السابق لا يجب أن يجعلنا ندور في فلك إبعاد المسئولية عن كل منا ولكنه يجب النظر إليه علي أنه بمثابة الإنذار للمسئولين ليضعوا في تخطيطهم علاج هذه الإشكالية بطريقة عملية ودعونا لمرة واحدة نتعامل مع مثل هذه المشكلات بشكل اقتصادي وعلي سبيل المثال فإنني لا أجد مبررا لاستسلام الحكومة لمنطق تدبير الأموال لصرف مرتبات عاملين في شركات أو مصانع لا تعمل بسبب نقص التمويل إن هذا الاستسلام يعني أننا نهدر من مواردنا اليوم وغدا أضعاف ما يمكن أن نتحمله سريعا في تدبير التمويل اللازم لتشغيل هذه المصانع والشركات بالمعدلات الاقتصادية ففي هذه الحالة ما يتم إنفاقه هو استثمار سوف يدر عائداً بينما الحالة الأولي لا تعدو كمن يرمي المياه في الصحراء دون غرس البذور والنتيجة نفاد الماء دون حصاد. أعتقد أن الحكومة مطالبة بالإسراع في تدبير الاعتمادات المالية اللازمة لشراء المواد الخام للمصانع التابعة لها وكذلك إسناد مشروعات الاستصلاح وشق الطرق إلي شركاتها شريطة تدبير الأموال اللازمة لذلك وكذلك الإسراع في ضخ الأموال التي أعلنت عنها لتعويم المصانع الخاصة المتعثرة ،وبالنسبة للجهاز الحكومي فليتم سن القوانين التي تلزم المسئولين بعدم تعيين ما لا يتجاوز 10% من عدد الذين يخرجون علي المعاش سنويا. وقبل كل ما سبق دعونا نمتلك الشجاعة لربط مناهجنا التعليمية باحتياجات سوق العمل المتوقعة ولنكسر تابلوهات الأعداد المقرر قبولها بالكليات النظرية دون استناد ذلك لأي دراسة حقيقية عن الأسواق وحيث أن الشيء بالشيء يذكر فإنه يجب وقف مهزلة التعليم المفتوح التي مثلت الباب الشيطاني لتدمير قوتنا الإنتاجية عن طريق فتح باب الدراسة النظرية دون العملية والتي ترتب عليها تحول نسبة كبيرة جدا من العمالة المنتجة إلي موظفين وإداريين وانظروا إلي شركات البترول المصرية التي اشتكي جميع رؤسائها من هذه المشكلة والتي كادت أن تؤدي إلي توقف عمليات البحث عن البترول وإنتاجه بسبب تحول العمالة الفنية إلي العمل الإداري ولولا لجوء هذه الشركات إلي الحل المر بالموافقة علي تعديل المؤهل شريطة الاستمرار في تأدية العمل الذي كان يقوم به العامل قبل حصوله علي المؤهل لتوقف العمل بالعديد من هذه الشركات. وفي النهاية يبقي أن اقتحام المشكلات وتحمل فاتورة الإصلاح أفضل كثيرا من تأجيلها وليس عيبا أن نعترف أننا جميعا في حاجة إلي إعادة ترتيب أولوياتنا وإذا كانت ثورة يناير قد رفعت شعارات العيش بكرامة فإن تحقيق ذلك لن يتم إلا بأن نأكل من حصاد عملنا. فهل نحن فاعلون؟. رابط دائم :