وضع قادة الحركة الصهيونية, ومنذ مرحلة ما قبل قيام الدولة, القوة المجردة في مقدمة أدوات التعامل مع العرب, بنوا تصورهم علي أن العرب لا يفهمون سوي' لغة القوة' ومن ثم لابد من استخدام القوة المفرطة في عملية إنشاء دولة عبر ارتكاب مجازر بحق المدنيين لإلقاء الرعب في قلوبهم ومن ثم دفعهم إلي الفرار. وبعد مرحلة إنشاء الدولة احتلت القوة مكونا رئيسيا في فكر قادة الدولة من مختلف الانتماءات السياسية, فالنخبة السياسية الإسرائيلية تري إسرائيل' دولة ديمقراطية غربية متقدمة في بيئة إقليمية متخلفة, مستقبلها يعتمد علي التحصن ضد هذه البيئة', وأن التحصن يأتي لمنع تسرب الأمراض من هذه البيئة أو التأثير علي طبيعة الدولة باعتبارها دولة' يهودية'. وفي هذا السياق بنت إسرائيل رؤيتها علي أساس التفوق النوعي علي جميع الدول العربية. وضمن هذه الرؤية لا تؤمن القيادة السياسية الإسرائيلية بتسويات تعاقدية تستند إلي قرارات الشرعية الدولية, بل تعمل من أجل فرض تسويات تتوافق ورؤيتها علي الأطراف العربية. المؤكد أن ما ترتكبه القوات الإسرائيلية بحق المدنيين في فلسطين و لبنان من أعمال قتل وتخريب وتدمير, وما قامت به ضد قوافل المساعدات الإنسانية إلي قطاع غزة, الجريمة التي ارتكبتها ضد أسطول الحرية والقرصنة علي السفينة الإيرلندية, كل ذلك يندرج في إطار الجرائم بحق الإنسانية وجرائم الحرب وغيرها من الجرائم التي شكلت من أجلها محكمتين خاصتين لمحاكمة مجرمي الحرب من رواندا ويوجوسلافيا, وأدت إلي تحرك المجتمع الدولي من أجل تشكيل محكمة دائمة لجرائم الحرب, وهي المحكمة التي جري توقيع ميثاقها في روما عام1998. وعلي الرغم من هذه التطورات فإن إسرائيل كانت تعتبر نفسها دوما غير معنية بها, فالفيتو الأمريكي سيتكفل بمنع أي إدانة لإسرائيل وسيجهض أي محاولة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية. وفي هذا الإطار يمكن القول أنه ربما لم يشهد صراع في العالم جدلا حول دور الأمموالمتحدة وخلافا حول تفسير منطوق قرارات صدرت عن المنظمة الدولية مثل الصراع العربي الإسرائيلي وتحديدا علي مساره الفلسطيني, ثم فيما يخص سياسات إسرائيل تجاه الدول العربية الأخري. فالمنظمة الدولية كانت حاضرة بقوة علي مدار تاريخ الصراع, صحيح أن الصراع بدأ قبل تشكيل أول منظمة دولية, وهي عصبة الأمم التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولي عام1919, ولكن الصحيح أيضا أن الأممالمتحدة التي تشكلت في نهاية الحرب العملية الثانية عام1945 من قبل الدول المنتصرة في الحرب, وهي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ومعهما فرنسا وبريطانيا, هذه المنظمة الدولية هي التي أصدرت قرارا من جمعيتها العامة, القرار رقم181 لعام1947, بإعلان إقامة دولة إسرائيل علي أكثر من نصف مساحة فلسطين, وتحديدا علي نحو53% من المساحة التي تبلغ نحو ستة وعشرين ألف كيلو مترا مربعا. فقبل صدور هذا القرار لم تكن هناك دولة إسرائيلية, أي أن القرار أوجد دولة من' العدم', فلم تكن هناك دولة إسرائيلية تم احتلالها وصدر قرار من الأممالمتحدة بحصولها علي استقلالها, بل إن القرار نص علي تقسيم أرض فلسطين بين العرب واليهود. وعلي مدار عمر الصراع العربي الإسرائيلي لعبت الأممالمتحدة دورا فاعلا في إدارة الصراع وضبط تطوراته, وقد تجلي ذلك بوضوح في قراري مجلس الأمن الدولي رقمي242 بعد حرب يونيو1967, و338 بعد حرب أكتوبر1973, وهما القراران المحوريان في كل محاولات التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي علي مختلف المسارات. وبدا واضحا أن إسرائيل ومعها القوي الدولية الداعمة, كانت تتطلع إلي دعم مكانتها عبر الحصول علي اعتراف دولي, ثم إقليمي, ومن ثم فقد عملت في البداية علي إظهار التوافق مع المنظمة الدولية واحترام ما تصدر من قرارات رغم ما كان لدي قادة الدولة العبرية من تطلع إلي تجاوز هذه القرارات, ولعل أبلغ مثال علي ذلك ما دار في مداولات قادة المنظمات الصهيونية بعد صدور قرار التقسيم من الأممالمتحدة, فالاتجاه الغالب في المناقشات كان يرفض القرار علي أساس أنه لم يمنح اليهود كامل ارض إسرائيل, ومنحهم جزءا منها فقط, ورغم ذلك فالقرار يعطي لليهود الحق في دولة مستقلة علي أكثر من نصف أرض فلسطين, كما أنه يحظي بدعم ومساندة القوي الكبري في النظام الدولي. وقد خلص قادة المنظمات الصهيونية إلي استنتاج مؤداه أنه رغم أن قرار التقسيم لا يلبي طموحات اليهود في إقامة الدولة علي كامل' أرض إسرائيل' إلا أنه ينبغي القبول به لاعتبارات عديدة أولها أن القرار صادر عن المنظمة الدولية وبدعم من القوي الكبري في النظام الدولي, وثانيها أن القرار ينص علي قيام دولة يهودية ومن ثم فقبوله يعني امتلاك الدولة, وثالثها أن الاتجاه الغالب لدي الجانب العربي هو رفض القرار, ومن ثم يكون قبول المنظمات الصهيونية بالقرار فرصة مثالية لاستثمار الرفض العربي وترسيخ أركان الدولة الوليدة وتوسيع حدودها بعد ذلك لتشمل' كامل أرض إسرائيل'. وبالفعل رفض العرب قرار التقسيم, فأعلن قادة المنظمات الصهيونية قبولهم له, واستثمروا حالة التنافس التي كانت تسود سياسات نظم الحكم العربية في ذلك الوقت وتمكنوا من بسط سيطرتهم علي نحو نصف المساحة التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية ولم يتبق للفلسطينيين سوي نحو22% من أرض بلادهم, والتي احتلتها إسرائيل في عدوان يونيو1967, وصدر بشأنها القرار242 الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من' الأراضي' التي احتلت في النزاع الأخير, حسب النص الفرنسي, وبدون أداة التعريف' ال' لتصبح' أراضي' حسب الصياغة الإنجليزية, والتي كانت متعمدة كي تسمح لإسرائيل بالاجتهاد في تقديم التفسيرات التي تمكنها من ضم أجزاء من الأراضي التي احتلتها وهي الضفة الغربية وقطاع غزة, أو ما تبقي من أرض فلسطين, وشبه جزيرة سيناء من مصر, ومرتفعات الجولان من سوريا, إضافة إلي أراض من لبنان والأردن.