وقفت مترددة بجوار المشرفة بباب حجرة المديرة التي بسطت أساريرها مطمئنة في حنان كبير وهي تهز رأسها مشجعة ولكن الفتاة تسمرت بالأرض وهي تمسح الحجرة بعينيها وكأنها تدخل إلي غرفة تحقيقات وما أن وقعت عيناها علي حتي عبست ملامحها وقطبت حاجبيها والتصقت أكثر بالمشرفة التي همست في أذنيها بالتأكيد علي أني لا أحمل لها أي سوء ونطقت نظرتها بأنه هيهات أن تعرف الطمأنينة, وبعد فترة احتضنتها المديرة وهي تمسك كفها ثم ربتت عليه, وشيئا فشيئا بدأت تنفرج الأسارير المتداخلة وتلين الملامح المتحجرة, وتحركت بثقة وهرب التوحش والريبة بعد عبارة مديرة الدار التي رفعت صوتها وهي تقول: عندما سمعت حكايتك أمس لم أملك نفسي من البكاء. التفتت الفتاة إلي واتسعت عيناها وهي تقول: ضعيت نفسي وأنهيت حياتي بيدي ولا أعرف كيف ستسير الحياة بي ومأساتي أمام عيني ليل نهار, وتجمعت الدموع بمقلتيها وشهقت بصوت مرتفع. وتدلت ذراعيها وانكمشت علي نفسها ونظرت إلي الأرض في خزي واضح وخرجت الكلمات منها بطيئة من دون أن تنظر إلي احد قائلة اسمي ميادة طالبة في الشهادة الإعدادية واقيم داخل مؤسسات الرعاية امتحنت الترم الأخير في شهر مايو الماضي, ومنذ سنوات أعاني من المعاملة السيئة من أمي ولاتلتفت لي وأي شئ يخصني اخاطبها فيه كان ردها ثابت بعدين نتكلم في الموضوع, إلي أن عرف الجميع داخل مدرستي معاناتي مع أسرتي وتشتت بين أبي الموظف باحدي الشركات متعددة الفروع بالمحافظات ويغيب اسابيع عديدة عن البيت مما أتاح الفرصة لأمي ان تمتهن الرقص وكنت أراها في غيبة أبي ترتدي بدل الراقصات وتقف أمام المرأة ونادرا ما كنت أجدها بجواري وشيئا فشيا كانت زميلاتي يتوددن إلي بالعطف وكلمات الحنان حتي أسهبت في الحديث ذات مرة مع شيرين.. وسكتت ميادة وتجمعت الدموع من جديد علي وجنتيها. وخرجت الكلمات منها بسرعة وهي تقول: كانت شيرين شيطانة وكنت اغبي بنت في العالم.. وكانت تتعمد الانفراد بي وسؤالي عن أمي وأحوالي معها وأبي وعدد المرات التي أراه فيها كل شهر.. وحتي ملابسي كانت تسألني من أين اشتريها حتي وصل الأمر أن تمنيت أعيش معها إلي الأبد. وفي إحدي المرات ألقت في صدري أوراق نقدية فصرخت في فزع وفوجئت بضحكتها الساخرة وبردها الغريب دلعي نفسك فقفزت معترضة ولكنها همست في أذني أنها تعمل في كافتيريا ساعات محدودة وتعرف كيف تسير أمورها.. وأخذت النقود وكانوا600 جنيه مثل المسحورة وتكررت عطاياها مرتين بحوالي400 جنيه ثم500 جنيه وبدأت أتنزه وأتأخر عن منزلي وتوقعت أن تبدا معارك مع أمي ولكنها لم تهتم. وفي إحدي المرات اعطتني رقم هاتف محمول وهمست في أذني انه يخص أحمد الذي رآني معها في احد المرات وفتن بي ولايتمني إلا سماع صوتي في الهاتف فقط فرفضت بشدة ولكنها ألحت علي مؤكدة انه لن يصيبني ادني مكروه وبدأت سلسلة من المكالمات شعرت منذ اللحظة الأولي ان الشاب يبالغ في كل عباراته وما يريد ايصاله إلي لاني لم أكن جميلة الجميلات وهناك من هم أفضل بكثير مني والتهبت عباراته خلال5 أيام فقط بتأكيده أنه يحبني بجنون ويحلم بالزواج مني بالرغم من أني لم اتجاوز السادسة عشر, وداعبت الأفكار الموصوفة علي لسانه رأسي, وبدأت شيرين تحاصرني باكتئابها الذي ظهر عليها فجأة وبرغبتها في الطفشان من البيت. وظلت معي في احد المرات ببيتنا6 ساعات من الحكي وضرورة الاعتماد علي انفسنا لنصنع حياتنا ومستقبلنا واصرت ان اسهر معها في الكافتيريا التي تعمل بها ووضعت لي الماكياج بيديها وركبنا سويا التاكسي واتجهنا إلي ملهاة زرقاء لايعلم عنها احد شيئا.. وهناك جلست منزوية وحدي في ركن قصي, وانشغلت بمراقبة السيدات والرجال الداخلين إلي المكان لشرب الخمور وغيرها وفجأة ظهرت لي شيرين وهي تضع هاتفها المحمول علي أذني وتغمز بعينها اليسري أن حبيبك علي التليفون وقبل أن أفهم شيئا سمعت صوت أحمد يغرقني بكلمات الغزل ويوعدني أنه قادم ليجلس تحت قدمي ينظر إلي عيني فقط, وأغلق الهاتف ومرت نصف ساعة وحضر أحمد وجلس معي حتي منتصف الليل ثم اصطحبني مع شيرين وأوصلنا إلي البيت وفي اليوم التالي فوجئت بشيرين تطرق باب شقتنا وعادت ميادة للصمت من جديد وغطت وجهها بكفيها في حسرة. وخرج وصوتها به بحة ندم وخيبة قائلا: جائتني شيرين وفي يديها حقيبة قماش وقالت بصوت خفيف أنها جمعت ملابسها وطفشت من بيتها, وقررت ان تطفش معي ونعيش سويا.. فشعرت بالخوف وترددت فذكرتني بقسوة أمي وبعدها علي وزجرها لي في استفسار يخصني وطمأنتني اننا سنبيت في المحل الذي تعمل فيه بتقديم زجاجات الخمر للزبائن وفتحها لهم, وبعد دقائق من كلامها كانت يدها تمسك يدي ولم افكر حتي في النظر إلي عمارتنا من الخارج قبل ان اهرب.. ورن اتصال من أمي فألقيت الهاتف في النيل وفي محل الكافتيريا كان أحمد قابلني وشعرت بصدقة انه تفاجأ بوجودي مبكرا وعاجلني بتوسله إلي بضرورة ذهابي معه إلي منزله ليتعرف علي أمه وأخته الوحيدة وبعد الحاح شيرين خاصة بتأكيدها بعبارة علي ضمانتي اقل من ساعة كنت اقف أمام أمه وشقيقته التي كانت تتفحصني بغرابة, وقبلت أمه رأسي واحتضنتي وألحت أن اعيش بينهم وكنت اتحرك وأتكلم مثل المنومة مغناطيسيا, وبعد ساعة من شرب كوب شاي وليمون دخلت أمه علي غرفة الصالون وقالت لي جملة لم أنسها انت بتحبي ابني فرددت أنه مثل أخي فقالت مفيش حب زي الأخوات لازم تتجوزي ابني ودلوقتي واحنا ناسك وأهلك وهنجهزك انتي مالكيش أهل..؟! وانفرط الدمع الحبيس بغزارة واجهشت بالبكاء الشديد.. وسكتت الفتاة واحترمنا صمتها واعتقدنا انها لن تتحدث من جديد, وجففت ميادة دموعها ورفعت وجهها إلي الجميع وكأنها تذيع أخطر بيان وبدت نظرتها منكسرة ولسانها يقول: لا ورق ولا شئ المهم تحبوا بعض هكذا نطقت ام احمد وامسكت بي بقسوة وخلال دقائق اصبحت زوجة لأحمد وخرجت هي وابنتها من الحجرة وصراخي يملأ الأركان يرد عليه ضحكات الشيطانة وابنها وابنتها وفوجئت بها تغمز بعينها لعدد من الفتيات انتبهت لهم لأول مرة وكنت أعتقد انهن من الأقارب. وعقب اغتصابي بيومين جمعت أعصابي وتمكنت من الهرب واجريت اتصالا بالشيطانة شيرين التي زلزلني ردها وهي تقول مبروك أصبحت مدام فسببتها ولعنتها وتوعدتها أني لن أترك جريمتهم تمر بسهولة فردت في شماتة بعد الفاس ما وقعت في الرأس, ولأني لم أعرف لأي مكان اتجه تذكرت أن لي صديقة في نفس المنطقة بالزاوية الحمراء ولاحظت رجل يقف بمدخل احد الشوارع ويرتكن علي الحائط ويدخن سيجارا ووقفت امامه اسأله عن الشارع الذي تقطن به صديقتي, ففوجئت بسيارة شرطة تصرخ اطاراتها علي الأرض وهي تقف بجواري ويقفز منها ضابط ورجال شرطة ويلقون القبض علي مع الرجل الذي علمت بعد ذلك انه مراقب من قبلهم وتحرير محضر ضدي بالتحريض علي الفسق وبعد تداولات امام النيابة وتم حبسي4 ايام ثم15 يوما ثم رق لحالي وكيل النيابة واستمع إلي قصتي منذ تركي البيت بايعاز من سليلة ابليس شيرين وعصابتها امر بالقبض علي كل الفتيات بالشقة والكافتيريا وحبسهن جميعا وتقابلت مع بعضهن وعلمت انهن مررن جميعا بما حدث معي وان مهمة شيرين اصطياد من تمر بأزمة نفسية وتمر بها علي أحمد الذي تستحل امه دماء العذاري وتقف بجواره تحثه علي انجاز فعله لكسرهن واجبارهن علي امتهان أحقر مهنة في التاريخ.. وسقطت دموع المديرة هذه المرة وعادت تحتضن ميادة من جديد واختلطت دموعهما. وقالت الفتاة خايفة أرجع لأسرتي بعد فقدي أعز ما أملك وأتقطع كل دقيقة كلما تذكرت أني عندما هربت من بيتي ضيعت نفسي. رابط دائم :