مابين سقوط جماعة الإخوان وعزل الرئيس السابق محمد مرسي, وحتي كتابة هذه السطور, لم يجد كالمعتاد أي جديد..وزارة الدكتور حازم الببلاوي مازالت ثابتة في محلها, والملفات الأساسية وتشمل: الأمن الاقتصاد التعليم والعدالة الاجتماعية, لم تبرح بعد مكانها, والأخطر من هذا, اضطراب الرؤي, وتصادم الأفكار, واختلاط المعايير, بدرجة قد تفوق في أخطارها اختلاط الأنساب. ولأن الناس علي دين ملوكهم, فقد مارس كثيرون هوايتهم في مداهنة السلطة,مجاراة الراكبين علي أمل أن يظفروا بما يرضيهم, أو علي الأقل, ينوبهم من الحب جانب..بينما بقي آخرون علي استكانتهم, وعزوفهم عن إبداء أي موقف, مفضلين الصمت, باعتباره أسلم الحلول, وأبعدها عن أي أضرار, قد تطالهم من قريب أو بعيد, لخوفهم من أن كلامهم يمكن أن يحسب عليهم, وعليه قد يحرمون فرصة, ربما حلموا بها, أو تمنوا لو أنهم سعوا إليها, أو هرولوا وراءها, لمن من دون أن يبذلوا الكثير من الجهد والوقت. أتصور أن القضية أكبر وأعظم من الترحم علي الماضي القريب, الذي كنت من أشد المعارضين له..أو إظهار التأييد للحاضر الآني, الذي بدا وكأنه كان ثورجيا متأهبا, ثم انتهي فيما أري متأرجحا مستسلما..وللتوضيح أقول: إن قطاعا عريضا من المصريين, تفاءلوا بما تخيلوا أنه نهاية أبدية لفكر الإقصاء والهيمنة والسيطرة, والتصالح مع مراكز القوي وأصحاب الحظوة, غير أن هؤلاء غير مسرورين حاليا, في ظل مايرونه من مساع لإعادة إنتاج نظام,لايرحبون مطلقا بالعودة إليه, أو استنساخه مرة أخري..استنادا إلي أن الحالة الثورية لجموع المصريين تتحدي أي ارتداد, أو افتكاس علي مقاس مجرد نفر من الناس. وفي تقديري أن ذاكرة الحاضر, ما فتأت عدستها تسلط مرآتها علي المشاهد القديمة وبالتالي تبقي النظرة الموسوعية شبه غائبة, والمنهج الإصلاحي غير حاضر, وإرادة التغيير ليست ظاهرة, وكل هذا يمثل بالنسبة لي وربما لكثير من المثقفين لغزا هو بطبيعته محير..فإدا كانت الأمور قد تبدلت, والأحوال استقرت, علي النحو الذي كان ينشده كثير من المواطنين, فما الذي يعطل الآن عجلة التغيير, ومن له مصلحة في هذا الجمود الذي يشبه حالة اللاسلم واللاحرب؟!! ومابين ما أسماه البعض ب الأخونة وتحجج جماعة الإخوان دائما بأنه لا داع للتسرع, حتي لايأكل الشعب طعاما غير ناضج, أصيب كل شيء في البلد بحالة رهيبة من الجمود, إلي أن انتهت الأمور الي ماصارت إليه, ومع هذا لم يستفد الثائرون الجدد من التجربة, ولايبدو, بحسب تقديري, أنهم استوعبوا الدرس..ومن هذا المنطلق, تبدو المسيرة الجديدة, كما لو كانت تحبو بسرعة السلحفاة والأنكي أنهم عندما يتظاهرون بأنهم سيتخلون عن كسلهم, ويزيدون من سرعتهم, تأتي كثير من اختياراتهم وتكليفاتهم, لشاغلي الوظائف والمراكز القيادية علي وجه التحديد, لتكرر الأخطاء نفسها, وتعكس القصور ذاته. في الميدان الصحفي بصفة خاصة ولاحظوا هنا أنني أتكلم عن الصحافة التي يفترض أنها سلطة رابعة, وأنها قاطرة التنوير وأداة مهمة من أدوات التغيير في المجتمع بات الباب مفتحا لكل الاحتمالات, فهناك منتمون للحزب الوطني المنحل, بكل سلبياته وحماقاته, يراودهم الأمل الآن أكثر من أي وقت مضي, بأنهم قادمون, بطرق وآليات الفساد الغابرة نفسها, فقد قيل إن بعضهم شرع فعليا في جمع توقيعات, وآخرون يلجأون لسلاح المجاملات الاجتماعية والزيارات المكتبية, وفريق ثالث يلوذ بالمتنفذين في الوزارات والجهات, ذات العلاقة بهذا الشأن! أخشي أن تنتعش من جديد, عقول أصحاب الفكر التبريري والتخديري والرجعي, وتبعث الروح في صدورهم المتعفنة, ما يعيدنا إلي ماض مقيت, ويصيبنا باليأس والإحباط, ومن ثم تهيئة بيئة ملائمة, وتمهيد تربة مواتية لبذور من الكراهية, لن يكون حصادها طيبا بأي حال, ولن يجني الجميع من ورائها سوي الأشواك والصبار.. فقد يستطيع بعض الناس كما يقول الدكتور علي شريعتي أن يحرموا البعض الآخر بالقوة, ويحصلوا علي امتيازات حقوقية واقتصادية واجتماعية, غير أنهم لا يستطيعون المحافظة علي هذه الامتيازات بمنطق القوة.. إننا نري الأقوياء يحصلون دائما علي هذه الامتيازات في التاريخ, ولكنهم يخفقون في المحافظة عليها. إن تكريس وتثبيت أوضاع وقفنا ضدها وثرنا عليها, أمر يتنافي مع العقل, ويتناقض مع المنطق.. منطق التغيير والصيرورة, وبزوغ فجر جديد, وأمل حقيقي في غد أفضل.. إن المرحلة الراهنة تستدعي حراكا ثوريا ومنهاجا ابتكاريا, لاستبدال الأوضاع القديمة, بأخري شبه مثالية ومعيارية, من أجل تحرير المجتمع برمته من أسر الفساد, وجمود التخلف, وإخصاء أصحاب الأهلية والجدارة المهنية والأخلاقية, من الوطنيين الحقيقيين! انني أسيء الظن بأي فصيل, ولا أتهم تيارا في حد ذاته.. ولكني أكرر التأكيد علي ضرورة تجاوز الأخطاء, والاحتكام إلي الصواب, والعمل علي تحقيق العدالة, ومكافحة الفساد, بمنتهي الجدية والإخلاص. وأخيرا: أختم بأبيات للشاعر المتميز عبد الرحمن الشيخ: مبقيتش عارف إيه اللي صح** في البلد دي وإيه غلط ما بين مؤيد أو معارض** مشكلة وحالة لغط والمكلمة ف إعلامنا سخنة** بالرزانة وبالعبط وكلام سواعي يقنعك** وكلام مبالغ في الشطط ومصر هية الأضحية** والعقد منها بيتفرط أنا خوفي للهو الخفي** يخليها مرتع للقطط الصح فين والرأي إيه** الأمر عندي بيختلط شايف بلاوي متلتلة** ما لم نلم ونرتبط رابط دائم :