حينما يكتب أحدنا عن مواجع الغربة، يتبادر إلى أذهاننا البعد عن الوطن، لكن ما يحدث أن أحدنا قد يشعر بالغربة وهو داخل دائرة وطنه، وهنا نسميه اغترابًا عن الذات، الأهل، معظم ما يحيط بنا.. الشجن يتسلل إلينا، ونفتقد تلك الألفة بالمكان الذى نشأنا وترعرعنا فيه، لا أحد يستطيع أن يعيش بمفرده، يصبح مثل نبتة صبار وحيدة، يؤلمها شوك الروح أكثر مما يؤلم غيرها.. غير أن هذا لا يمنعنا من اعتبار أن الغربة التي نكون فيها عن الوطن، تنوء بحملها الثقيلة قلوبنا المتعبة. نتخفف من أعباء الغربة بالكتابة عنها، الشاعر أحمد سماحة يقول في الغربة: معلق في حبل غربتي بين الذهاب والإياب عمر يتبدد غدي بعيد.. بعيد والحروف لاتضيء لي بينما يتحدث الشاعر أحمد يحيى عن الخلاص وإحساسه بالغربة داخل مدينته، إذ يقول في نصه "عربيد": الحقيقة أن مدينتنا تهتم جدًا بالنظافة، هذا بلا شكٍ من حسن حظك، الشوارع كلها مقلب كبير للقمامة، اختر ما شئت منها لكن احذر الكلاب، الكلاب لا تهادن في قوتها أبدا، إذا نهشتك الكلاب فسينتهي بك المطاف إلى مشفى المدينة، وإذا لم تنهشك فمصيرك لا محالة للعسس، الحقيقة كلها أنك خالصٌ خالص. فلا تحزن.. طوبى للخالصين، والأرض يرثها المُخَلِصُون. يوافقه أيضا الشاعر منصور البحيرى، إذ يقول في قصيدته "ماتت الأحلام في وطن نكد": فمَدِينتكْ فيها الْمَفاسِدُ قد عَلتْ. وتزَيَّنَتْ بالحُمْقِ حُبّا في الكَذِبْ ورجالها.. إمّا كَسيحٌ قد تَجَمّلَ بالعَرَجْ أو مُفتَئِتْ.. أعمَى.. كفيفٌ مدّعٍ الاغتراب يسيطر على الواقع، لا أحد ينجو من سيطرته، ومن هنا نفتقد لمعنى الوطن، الوطن بداخلنا، نحمله حتى ونحن بعيدون عنه. أقسى ما يمكن فعله في الإنسان أن يختار نفى نفسه خارج الوطن في سبيل لقمة عيش كريمة أو لإحساسه العبثى بعدم جدواه داخل وطنه. ربما يعتقد حينها أن تحقق الذات خارج الوطن يمنحه امتيازا عند العودة، يفقد سنوات عمره وتضيع حتى يكون جديرا بالانتساب تحت لواء الوطن، لذلك يجاهد الحياة ليرمح، ولعل الشاعر صالح الغازىفي في قصيدته "قدم مغروزة في الأسفلت" يعبر عن تلك الرؤية: لو تجينى فرصة أرمح بموتوسيكلى المليون حصان أخطف غزالي قدامى وننط كل الحواجز.. ناخد ف وشنا! الميدان وشه جاب برتقانى ده بيتهز عالبطيء فجأه يغمض لو تسلفوني خطوتين أرتاح ف ضل العمارة كام نتيجة اتعلقت ع الحيط وأنا أقع وأقوم؟