حمى وطيس المعركة القضائية بين الوزير والقاضى، في أزمة خرج فيها القضاء عن النص، وتحطمت أعرافه في وأد خلافاته بأروقة المجلس الأعلى للقضاء بسرية وخصوصية، كما كان سابق العهد، وأصبح السلاح الأكثر تأثيرًا في أزمة وزير العدل المستشار أحمد الزند، ورئيس محكمة قنا الجزئية المستشار محمد عبدالمنعم السحيمى، هو حرب الوثائق المسربة من دار القضاء العالي. ولعل تسريب مذكرة مجلس القضاء الأعلى عشية أمس، بشأن القرار الصادر فى يوليو الماضى، برفض تظلم القاضي السحيمى على عقوبة التنبيه الموجهة إليه من رئيس التفتيش القضائي، لوسائل الإعلام هو خير دليل على أن الأزمة تتفاقم، والوثائق هي السلاح الأبرز. أزمة الزند والسحيمي توشك أن تدخل النفق المظلم، خاصة عقب رفض وزير العدل بالأمس تسلم استقالة السحيمي المرسلة مع محاميه، بدعوى أنه لم يحضرها بنفسه، ويقول قانون السلطة القضائية إن وزارة العدل هي الجهة الأصيلة التى يتقدم القاضي لها باستقالته فقط، ولا حرج عليه أن يفعلها بشخصه أو من ينوب عنه. واشترط القانون قبول استقالة القاضى بشكل عاجل، ولكن بشرط ألا تكون "معلقة" ومرهونة بسبب وهو الشرط الذي أفقد استقالة السحيمي صفة الاستعجال في القبول وخضوعها للفحص أمام مجلس القضاء، فيما تناولته الاستقالة من أنه "عرضة للاضطهاد والظلم" من قبل الوزير الذي أتاح له القانون التدخل في العمل الفني لقاضي الجنح، دون صميم عمل القاضي. وكشفت المصطلحات البليغة والكلمات المنتقاة في استقالة السحيمي التي تقدم بها لمجلس القضاء الأعلى، عن التسلسل الزمني للواقعة، وحاول القاضي مجتهدًا أن يسرد أزمته بمفردات جاءت معبرة فى أحيان كثيرة وعن قصد، وأظهرت معانيها تفاصيل كامنة حاول القاضي أن يحتفظ بها لحين إشعار آخر وفضحتها السطور. " فأسرَّها في نفسه حتى إذا اعتلىٰ وزارتَه عاود الخصومة من ديوانها، فأضحى صوتُنا سوطًا علينا"، هكذا سطرها القاضي السحيمي في متن استقالته وتناقلها رواد التواصل الاجتماعي، ولعلها -أي تلك العبارة-، مرادها الكشف عن بداية لأزمة تفجرت في ديسمبر قبل الماضي. ففى عشية ليلة الجمعة الموافق التاسع عشر من نوفمبر لعام 2014، وتحديدًا داخل نادي القضاة، والذي كان يترأسه "الزند" في ذاك التوقيت، وكانت تجرى انتخابات التجديد الثلثي، وطلب السحيمي من رئيس النادي أن يطلعه على الميزانية، فكان الجواب بغير المتوقع قائلًا له "ميزانية إيه يلا.. خرجوه بره"، حسبما قال القاضي، وحتى لا يخرج هذا المشهد من أروقة نادي القضاة، قرر "الزند" إخراج جميع الصحفيين من النادى". وتنص اللائحة الداخلية لنادي القضاة على أنه يجب إعلام أعضاء الجمعية العمومية بالميزانية بخطاب مسجل بعلم الوصول قبل انعقاد الجمعية ب15 يومًا. ثم يسرد السحيمي "إذا كان الوزير لا يحفظ عهد أبي، وقد رافقه لسنواتٍ يعبران عن ضمير القضاء في أحلك ما مرَّتْ به بلادنا، فهانت عندَه عظامُه إذ بَلَتْ"، فى إشارة منه إلى أن وجود والده على قيد الحياة كان بمثابة صمام الأمان له من الدخول في الصدام المرتقب مع المستشار "الزند"، ولكن تبدل الحال عقب 8 يناير الماضي، حسب ظنه، هذا التاريخ الذى توفي فيه والد السحيمي، رئيس نادي قضاة طنطا، وعضو محكمة القيم العليا السابق، وبدى الصراع على أشده. وتابع "السحيمي"، "إن القاضي الجزئي بمحكمة قنا لا قِبَل له بوزير العدل، لا يملك سوى نفسه، ويملك الوزيرُ نفوسَ رجال"، ثم أراد رئيس محكمة قنا الجزئية وصف ما يرى أنه ظلم وقع عليه من وزير العدل فى ممارسات الوزير، والتى حصرها السحيمي فى "قرار نقله لمحكمة قنا الجزئية والتنبيه عليه لتعطيل ترقيته، وإحالة عدد كبير من القضايا له لنظرها، وقال إنه بلغ عدد الجنح المنظورة أمامه بجلسة 25 نوفمبر الحالي وصل إلى 1700 جنحة، غير التفتيش المبالغ فيه على عمله، ما استشعر معه سوء النية فى الخلاص منه". وما زالت الصورة ضبابية فى تلك الأزمة حتى الآن، والتساؤلات مطروحة حول مصير استقالة السحيمي، وكم من الوقت ستستغرق الأزمة؟ وما هي الطريقة التي ستحسم بها؟.