في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ الصيفي بشكل سيئ هذا العام 2015، تعج الشوارع بالمشردين من كبار السن والأطفال كذلك، وفي الوقت الذي يهرب فيه الناس داخل بيوتهم من قيظ الشمس يحتمون بهواء التكييف البارد أو حتى بالمراوح و يستحمون ويتناولون مشروبات باردة، فإن هؤلاء يستظلون في الشوارع الغير حانية عليهم بالحر المميت ويتجرعون ويلات العوز والمرض وقلة السوائل دون أي التفاتة لهم من قبل الجهات المعنية بالدولة. من جانبها أصدرت وزارة الصحة بيانًا أول أمس رفعت فيه حالات الوفاة الناتجة من ارتفاع حرارة الجو ليتحرك الرقم من 40 إلى 60 حالة قابلة للزيادة يومًا تلو الآخر وقد بررت الوزارة أسباب الوفاة بالإجهاد الحراري الناجم عن التعرض المباشر للشمس. كما نصحت الوزارة في بيانها الناس بعدم التعرض المباشر للشمس والاحتماء منها بقبعات للرأس حتى لا يصابون بضربتها، والزيادة من شرب السوائل الباردة، والسؤال الذي تطرحه "بوابة الأهرام" إذا كانت تلك نصائح تم توجيهها لمن يسكنون بيوتًا لها سقف وبها وسائل الراحة فما بال ساكني الأرصفة والشوارع من المشردين؟. المشردون يواصلون حياتهم اليومية بالشارع ليلًا ونهارًا يتعرضون لكافة الأذى النفسي والبدني، يلقى لهم المارة بالطعام والماء والمال القليل، وتغض الدولة البصر عن هؤلاء دون دراسة حالاتهم وتوفير أدنى حياة آدمية لهم كمسكن ومأوى وغذاء وملبس كما يكفل لهم الدستور. التقطت عدسة"بوابة الأهرام" عددًا من الصور لمشردين بالشارع اتخذوا الرصيف مأوى لهم. على حسان (64سنة) أحد هؤلاء المشردين بأحد الشوارع الجانبية بوسط البلد اقتربت منه "بوابة الأهرام" لتتعرف على حالته عن قرب كانت شفتاه بيضاء من العطش وجسده هزيل للغاية وملابسه رثة وممزقة، قال بصوت ضعيف بينما كان يسعل :أنه يجلس بالشارع منذ أربعة أعوام، وليس له عائل أو أحد يسأل عنه، وقد جاء هائمًا على وجهه من محافظة المنيا، بعد أن طردته زوجة ابنه بعد أن استولت على بيته الذي كان يعيش فيه. وتابع حسان، كل ما أتمناه أن أجد مأوى لي حتى ولو غرفة من الخشب، مشيرًا إلى أنه لولا عطف أهل الخير عليه من المارة لكان قد مات منذ فترة طويلة. وأكد أن المسئولين في الدولة في "التكييف" في إشارة منه إلى أنهم يجلسون فى مكاتب مكيفة مستطردًا، ويشربون"الساقع"، فكيف سيشعرون بنا؟. كمال الشريف المتحدث الرسمي باسم وزارة التضامن الاجتماعي يقول ل"بوابة الأهرام"،أن الوزارة ليست لديها ضبطية قضائية للوصول لهؤلاء المشردين ودراسة حالاتهم ومحاولة إسكانهم في دور أيتام. ويشير إلى أن هناك حالات تم الإبلاغ عنها من قبل مواطنين وكانت إحداهما سيدة مشردة، ولما ذهبنا لها صرخت وهلعت وقام المارة بضرب موظفي الوزارة، فى إشارة منه إلى عدم وجود مساعدة من قبل الجمهور للوقوف على إيجاد حل لهذه الحالات ومعاونة الوزارة في مهام عملها. ويؤكد المتحدث الرسمي لوزارة التضامن الاجتماعي، أنه بمجرد الإمساك بتلك الحالات المشردة يتم تسكينها بدور أيتام تابعة للوزارة، أو إيداعها مستشفى أمراض عقلية هذا إذا ثبت مرضها العقلي، مشيرًا إلى أن الشرطة هي التي تقوم بضبط هؤلاء المشردين ومن ثم تخاطب الوزارة للوقوف على حالتهم. اجتهدت مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على بعض هؤلاء المشردين، ولكن الصورة دائمًا ما ينقصها الفعل من قبل الدولة والتي ترفع أيديها عنهم إلا من رحم ربي وحرك مشاعر المسئولين كحال سيدة الإسكندرية ليلى صالح أحمد والتي كانت تعمل مصممة أزياء وعاشت بالشارع 8 سنوات تواجه الحر والبرد والحيوانات الضالة، وبمجرد نشر صورها أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي محافظ الإسكندرية هاني المسيرى بتوفير مسكن لها. يرى البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل بشكل بديل لمنظمات المجتمع المدني والمنوطين بالمشاركة المجتمعية خصوصًا في ظل الكوارث المناخية، وكان أقوى دليل على ذلك التفنيد ما قامت به مجموعات من الشباب بتوفير بطاطين في الشتاء الماضي لهؤلاء المشردين، ولكنهم فى الصيف لا يملكون سوى توفير صور للمشردين بالشارع بصفحاتهم الشخصية على "الفيسبوك" عل المسئولين ينظرون إليها بعين من الرحمة. من تلك الصور التي انتشرت بكثافة لمشردين في الشارع أو بائعي مناديل أو غزل البنات أو ما إلى ذلك ، كانت صور مؤلمة لأطفال ينامون بجوار بضائعهم المتواضعة يستظلون بالشمس المحرقة. أحمد راغب مدير مركز هشام مبارك للقانون والمهموم بحقوق الإنسان، قال ل"بوابة الأهرام"إن كبار السن والأطفال المشردين بالشوارع كفل لهم القانون والدستور حقوق من قبل الجهات المعنية بالدولة توفير مأوى وغذاء وعلاج، كما يمكن عدة جهات ومنظمات مجتمع مدني معنية بذلك. ويتابع راغب، ولكن في ظل تزايد أعداد هؤلاء المشردين، وتقييد حركة منظمات المجتمع المدني من قبل الدولة فإن المشكلة تتفاقم وتصبح أكثر تعقيدًا. واقترح راغب أنه على الدولة إذا لم تستطع توفر لهؤلاء مأوى فأنها يمكن أن توفر مظلات لهم بالحدائق العامة والأماكن المفتوحة على الأقل حتى تنجلي درجات الحرارة المرتفعة هذه الفترة. ومن جانبه يقول الدكتور مجدي عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، أن مشكلة المشردين بمصر معقدة، وأساسها الفقر وغياب العدالة الاجتماعية. وتابع عبد الحميد، أن معاش الضمان الاجتماعي من المحاور الهامة في أي دولة بالعالم هو الأمر الذي يكفل لهؤلاء الغير قادرين أو المشردين في الشارع بعض الحياة، مشيرًا إلى أن هذا المعاش بمصر لا يكفى لكل هذا العدد من المشردين وعلى الدولة أن تبحث زيادة الأموال المنفقة فى هذا الشأن بالإضافة إلى زيادة دور الأيتام في الفترة المقبلة، خصوصًا أن مشكلة كبار السن من المشردين تحديدًا مرتبطة بالدولة.