يعد شهر رمضان الكريم الموسم الأكبر لصناعة الإعلان في مصر وتعتبره الوكالات الإعلانية فرصة جيدة لزيادة أرباحها وتعويض خسائر البعض طوال العام على حساب العمل الدرامي والمشاهد الذي وقع ضحية هذا العام لصراعات وكالات الإعلانات، حتى أصبح يشاهد إعلانات يتخللها عمل درامي وليس عملا دراميا يتخلله إعلانات!. وذلك كما جاء فى تحقيق لجريدة "الأهرام" اليوم الأحد. صناعة الإعلان على مستوى العالم لها ضوابط ومعايير يجب الالتزام بها وليست عرضة لأهواء أصحاب الوكالات ومنها ألا يزيد المحتوى الإعلاني على 10% إلى 15% عن المحتوى الإعلامي ولكن جميع المعايير لم يلتزم بها أحد وتضاعفت معدلات الإعلانات إلى أكثر من 7 مرات عن معدلها الطبيعي. قال الدكتور سامي عبد العزيز، عميد كلية الإعلام الأسبق، إن هناك خللًا كبيرًا فى المنظومة الإعلامية، معتبرًا «أننا أمام غابة من الإعلانات تتخللها فقرات درامية». وأضاف: أن كثرة الإعلانات تصيب المشاهد بالملل، وستدفعه إلى البعد عن هذه القنوات ومتابعة العمل الذى يحبه ويرغب فى متابعته على الانترنت الذى يتيح للمستخدم مشاهدة أى عمل دون وجود أى إعلانات أو فواصل طويلة لا معنى لها. وتابع عبدالعزيز الجميع خاسر خلال شهر رمضان هذا العام فالأعمال الدرامية تم تشويهها لعدم قدرة المشاهد على المتابعة والتركيز من كثرة الإعلانات، كما أن الرسالة التى يريد توصيلها العمل الدرامي لم تغادر صناع العمل بسبب تشتيت المشاهد بين إعلانات الشيبسى والجمعيات الخيرية والمنتجعات السياحية والمستشفيات ، وأشار إلى أنه ينبغى ألا يزيد حجم المحتوى الإعلاني على 10% إلى 15% من المحتوى الإعلامي. وتقول الدكتورة فاطمة أبو الحسن «مدرس الإنتاج الإعلامي بالأكاديمية الإعلامية بالشروق» إن ما تعرضه الفضائيات من زخم مبالغ فيه فى طرح المواد الإعلانية، والتي لا تحكمها أى ضوابط تتعلق باحترام حق المشاهد فى المتابعة ، يكشف أن المسألة برمتها أصبح يحكمها دوافع تجارية بحتة. مشيرة إلى أنه كان فى الماضي تظهر خلال الأعمال الدرامية إعلانات تنويهية فى أسفل الشاشة عن المنتجات ، لبضع ثوان، وبالرغم من ذلك لاقى هذا الأمر هجوماً كبيراً من قبل المهتمين بالمجال الإعلامي والفني، حيث اعتبروه تجاوزاً فى حق المشاهد وتشتيتاً له. وأضافت: أما ما يحدث الآن من الإفراط الترويجي فيكشف عن النظرة التجارية التى فرضت نفسها وظهرت جلياً فى نهم القنوات لتحقيق أكبر قدر من المكاسب . وأشارت إلى أن هذا الإفراط الترويجى لم يأت بالنتائج التى يتوقعها المعلنون والفضائيات ، وذلك لأن الإفراط فى هذه المواد الإعلانية أصاب المشاهد بالملل وجعله يلجأ إلى متابعة قنوات أخرى أقل نسبياً فى عرض الإعلانات كما أفقدته رغبته فى متابعة الأعمال الدرامية نفسها. وتابعت: إنه لا يمكن إنكار حقيقة أن المواد الإعلانية تمثل محور ارتكاز أساسي ومهم للترويج لأى سلعة، ولكن فى المقابل لابد أن يحكم وجودها قواعد أساسية ليكون الإعلان إضافة ممتعة خلال مشاهدة الدراما ,مؤكدة أنه إذا تحقق ذلك فستكون بداية حقيقية لتجاوز هذه الإشكالية والتى يمثل المشاهد أهم المتضررين فيها. الخبير الإعلامي وأستاذ الإعلان الدكتور صفوت العالم، قال إن كل الدول تضع ضوابط للإعلان فيما عدا مصر لا توجد فيها ضوابط صارمة وواضحة للإعلان بخلاف ما يتضمَّنه ميثاق الشرف الإعلامي المتعارف عليه، فعلى سبيل المثال لا يسمح فى دول العالم بالإعلان عن سلعة لها تأثير دوائي بخلاف ما هو موجود فى مصر، حيث تمتلئ قنوات الإعلام بإعلانات عن الأدوية. ويؤكد أن التصدى للإعلانات التى تحتوى على مشاهد وإيحاءات غير أخلاقية أو التى تحض على العنف هو مسئولية جهاز حماية المستهلك، مؤكدًا أن لجوء المنتج لمثل هذه الطرق من الإعلان يعطى آثارًا سلبية للمستهلك عن السلعة المعلن عنها، فضلاً عن انعكاس ذلك على سلوكيات الجمهور، خاصة الأطفال والمراهقين، حيث يكسبهم سلوكيات غير سليمة جراء تفاعلهم مع المضمون الإعلاني. وفى سياق متصل، يؤكد الخبير الإعلامي الدكتور محمد شومان إن الشاشات تمتلئ بالعديد من الإعلانات التى تحتاج للمنع، خاصة خلال شهر رمضان الكريم والتى يركز فيه صانعو الإعلانات فى الإثارة وجذب أكبر عدد ممكن من الجمهور، الأمر الذى دفعه للمطالبة بوضع قواعد ضابطة ومعلنة يلتزم بها صناع الإعلان والوكالات الإعلانية فى ظل الفوضى الإعلانية التى تشهدها مصر مع افتقارها إلى القواعد والتشريعات المنظمة للإعلانات. وأكد أن هناك العديد من الإعلانات التى تحتاج مصادرة وإعادة نظر من جهاز حماية المستهلك وضرورة تشكيل لجنة من المتخصصين فى علم النفس والتربية وعلم الاجتماع بالإضافة إلى علماء من الأزهر الشريف تكون مهمتهم مراقبة المضمون الإعلاني المقدم وضمان صلاحيته من حيث توافقه مع تقاليد المجتمع وأخلاقياته وضمانه سلامة الجمهور. وطالب شومان بسرعة الانتهاء من إنشاء المجلس الوطنى للإعلام والذى تكون مهمته الأولى الإشراف على الإعلانات، حتى تكون غير محرضة على العنف والكراهية ولا تحتوى على إثارة أو إيحاءات جنسية أو ازدراء للأديان، حيث إنه ليس من المناسب أن يقوم جهاز حماية المستهلك بهذا الدور.