ثلاثة أيام مرت على امتحانات الثانوية العامة، استطاعت خلالها وزارة التربية والتعليم، ممثلة في الغرفة المركزية لعمليات الثانوية العامة، من منع جميع محاولات الغش الإلكتروني، ونشر الامتحان على شبكات التواصل الاجتماعي، فيما نجح بعض الطلاب في مادة واحدة، بتمرير الهواتف المحمولة إلى اللجان وتصوير الامتحان وبثه على صفحات الغش ب"فيسبوك"، "تويتر". لكن كثيرون اعتبروا أن نشر الامتحان على الإنترنت، بعد مرور نحو ساعة من الزمن الأصلى للامتحان، بمثابة الفشل الذريع لوزارة التعليم، متهمين إياها بعدم اتخاذ إجراءات صارمة، تحول دون تمرير الهواتف المحمولة، إلى اللجان، فيما اتهمها آخرون بالتقصير المتعمد في منع الغش داخل اللجان. غير أن الواقع - الذي عايشته بوابة الأهرام على مدى ستة أشهر كاملة- يثبت أن الوزارة اتخذت من إجراءات وآليات تحول دون الغش، بأكثر ما تخيل البعض، ولكن هناك من تناسى الحقيقة التي ربما رفضت الوزارة الإفصاح العلني عنها، بحكم المسئولية الواقعة عليها. تلك الحقيقة التي تكشفها "بوابة الأهرام" للرأي العام. لم يكن الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة، التي يرأسها محمد سعد، بالأمر الهين، ولكن تم اتخاذ عشرات القرارات والإجراءات، من تغليظ للعقوبات على الملاحظين الذين يسمحون بالغش أو يغفلون عن الهواتف المحمولة، بتوقيع جزاء عليهم يصل إلى شهرين وحرمانهم من المشاركة في الامتحانات لمدة 5 سنوات، فضلا عن حرمان الطالب من الامتحان بنفس المادة إذا ضبط بحوزته هاتف محمول حتى لو لم يتسخدمه، مع حرمانه من جميع الامتحانات إذا استخدم الموبايل بالفعل، وقد وقع جمع أولياء الأمور على هذه العقوبات قبل الامتحانات. لم تتوقف الاستعدادات على العقوبات فحسب، بل اتسع نطاقها إلى مكافأة الملاحظين الذين يمتلكون من الضمير والصحوة ما يؤهلهم لضبط الطلاب قبل استخدام الهواتف المحمولة، واتبعت الوزارة سياسة الثواب والعقاب، إحقاقا للعدالة، وهذا ما حدث بالفعل.. كافأت من يستحق المكافأة، وعاقبت من يستحق الجزاء. إلى ذلك، منعت الوزارة نهائيا أن يدخل أي طالب إلى لجنة الامتحانات قبل دخول الملاحظ حتى لا يخفي الهاتف المحمول في مكان لا يمكن الوصول إليه، إما أسفل الديسك من خلال "لاصق"، أو في نوافذ اللجنة، ولكن كان هناك تقصير من بعض رؤساء اللجان، استدعى ذلك توقيع العقوبة عليهم، ليكون عبرة لغيرهم. لم تتوقف الإجراءات التي اتخذت لتحصين اللجان من الغش، بل ضاعفت الوزارة عدد العصا الإلكترونية التي تستخدم في تفتيش الطلاب قبل دخول اللجان، لكشف ما تحويه ملابسهم من هواتف محمولة، أو الأدوات الحديثة للغش، لكن ربما كان غياب الضمير عند بعض رجال الأمن الإداري القائمين على التفتيش، أحد أسباب الأزمة التي تعانيها الوزارة في الوقت الحالي. إلى ذلك، كان التنسيق مع وزارة الداخلية لتأمين اللجان والملاحظين واستراحات المراقبين، أقوى من الأعوام السابقة، وربما قدمت "الداخلية" ما لم تقدمه من قبل، من دوريات أمنية وخدمات مركزية على اللجان على مدار 24 ساعة، والحضور إلى أماكن الشغب في أوقات قياسية، ولكن كل ذلك لم يكن ذا قيمة عند البعض.. فما الحقيقة؟. الحقيقة التي يغفلها البعض -سهوا أو عمدا- أن بعض أجهزة الدولة تقاعست عن القيام بدورها مع وزارة التعليم في القضاء تماما على "بعبع" صفحات الغش على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن هذه الجهات كانت تعلم تماما العلم أن هذه الصفحات هي نفسها التي سربت امتحانات العام الماضي، ورغم ذلك وقفت موقف المتفرج، وتركت وزارة التعليم بجميع أجهزتها تواجه الحرب وحدها، وتتعرض لأسوأ ما يمكن أن تتعرض إليه. أكثر من 15 صفحة على الإنترنت تقوم بتسريب الامتحانات، قدم محمد سعد رئيس عام الامتحانات أسمائها وروابطها للجهات المعنية، فماذا حدث؟.. لا شيء، رغم أنه من المفترض أن تتحرك جميع الأجهزة المعنية لاتخاذ موقف حاسم تجاه هذه الصفحات، ولكن وكأن شيئا لم يحدث، ويبدو أن هذه الجهات تتعامل مع الثانوية العامة على أنها امتحانات لا قيمة لها، ولا تستحق "إضاعة الوقت من أجلها". كثيرون تحدثوا عن تقصير وزارة التعليم، ورئيس عام امتحانات الثانوية العامة، لكن ربما تحدثوا بناء عن جهل في المعلومات وتحديد للمسئوليات، وتناسوا أنه مهما اتخذت من إجراءات وعقوبات، في ظل استمرار صفحات الغش التي تخرج لسانها للجميع، فإن الامتحانات لن تمر بسلام. البعض تناسى: ماذا قدمت وزارة الاتصالات التي تعتبر الجهة المسئولة عن كل ما يتعلق بالإنترنت في مصر؟. لماذا تركت الاتصالات وزارة التعليم تواجه الحرب وحدها ولم تحرك ساكنا تجاه ما يجري من مهازل على مواقع الغش الإلكتروني؟. وأين مكافحة جرائم الإنترنت مما يجري على صفحات الغش؟. ولماذا اهتمت الأجهزة المعنية بتتبع صفحات "الإرهابيين" والمحرضين على العنف وتجاهلت في نفس الوقت تتبع صفحات الغشاشين ومسربي الامتحانات؟ وهل من المنطقي أن تقوم وزارة التعليم بأدوار "المباحث والاتصالات والأمن الوطني" وفي نفس الوقت تقوم بدور المنظم للثانوية العامة بما فيها من آلاف الطلاب والمراقبين ورؤساء اللجان، وفوق كل ذلك "يطالب البعض بامتحانات نزيهة بعيدة عن الغش والتسيب والشغب والمشكلات؟. وتبقى تساؤلات أهم من كل ماسبق: لماذا لم تحترم الجهات المعنية وبعض الوزارات استغاثات المسئولين عن الثانوية العامة من صفحات الغش؟. ولماذا تعاملت باستخفاف شديد مع تهديدات صفحات الغش ورفضت حتى إن تتبع المسئولين عنها، في حال فشلها في غلق هذه الصفحات؟. وهل مسئولية الوزارة أن تضع مراقبا يراقب كل ملاحظ لرصد مدى تعامله وفقا للتعليمات من عدمه؟. وهل من دورها أن تراقب كل فرد أمن لمتابعة مدى قيامه بعمله المنوط به من عدمه؟. ومتى تتعامل الحكومة مع الثانوية العامة باعتبارها أمنا قوميا يتعلق بمصير دولة بأكملها وليس مسئولية وزارة واحدة؟. ختاما لكل ماسبق: ما قيمة اصطحاب الطالب للهاتف المحمول بدون صفحات الغش التي تجاهلت الأجهزة المعنية اتخاذ أي إجراء بشأنها، وكأنها "سعيدة بما يحدث".