ضمن فعاليات مؤتمر "نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف"، الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية بالتنسيق مع وزارة الخارجية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، انعقدت جلسة بعنوان "إعادة بناء الفكر الإسلامي المعاصر". أدار الندوة الدكتور إبراهيم السوري من السودان، وتحدث فيها كل من الشيخ أسامة الأزهري نائبًا عن الدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية السابق، والدكتور السعود سرحان من السعودية، والدكتور الزبير عروس من الجزائر، ومريم أمين من مصر، والدكتور عبد اللطيف عبيد من تونس. وقال الشيخ أسامة الأزهري في كلمته: إن هناك فوضى كبيرة في الإفتاء في مصر وبالفعل هناك أزمة حادة لصناعة فكر لفهم الإسلام وعلومه ومناهجه، في ظل جو مشحون أنتج أفكارا مشوشة تبعد عن دين الله عز وجل. وأشار "الأزهري" إلى أن نتاج ال80 سنة الماضية من العلم والشرع وفهمه، وتوفر العلوم والأدوات التي تعين على خدمة الشرع هي التي تزيل هذا الركام، وأننا نعيش أزمة حادة ولدت مفاهيم مشوشة، أدت لإراقة الدماء من البعض الذين يحرفون الدين على هواهم وفتوى تخدم أغراضهم. وأوضح أن التيارات التي أراقت الدماء في المنطقة العربية وفى مصر، بدءًا من كتائب النصرة حتى تنظيم داعش تحتكم لفكر الاستعلاء وتشويش فكر الوطن والسعي بالفكر الهدام، واصفا مرحلة مواجهة الفكر المتطرف بإطفاء النار المشتعلة محذرا من أهمية هذه المرحلة والعمل الجاد الجماعي. وشدد "الأزهري" على ضرورة محاربة التطرف والإرهاب من خلال إعادة بناء منظومة الفكر الإسلامي، لنثبت للعالم أن الإسلام جاء للإحياء وليس للإماتة. ولفت "الأزهري" أن هناك عددًا من الأطروحات الدموية التي توجد في بعض الكتب، مثل مؤلفات سيد قطب يجب أن توضع تحت المجهر، لأنها أفكار تؤدي لإراقة الدماء والاستعلاء وتشويش فكر الوطن، مشيرا إلى أن الإفتاء وسيلة لتوصيل أحكام الدين للناس لكن البعض يستخدمه بشكل خاطئ. من جانبه، أكد الدكتور السعود سرحان، أن المعركة مع التطرف ليست في مواجهة الأعمال الإجرامية، ومعاقبة أصحابها فقط؛ فهذا الأمر - مع أهميته- ليس سوى جزء يسير من حرب أكبر وأشمل على العقول والقلوب. وأشار "سرحان" إلى أن خط الدفاع الأول القادر على تجريد هذه المجموعات المتطرفة من شرعيتها المزعومة، هم العلماء التقليديون، الذين يمثلون الامتداد الحقيقي لفقهاء الإسلام الذين واجهوا أسلاف هؤلاء الإرهابيين. وأضاف أنه من الضروري أن ترافق دعم المؤسسات الدينية التقليدية ودور الإفتاء جهود جبارة لإصلاح هذه المؤسسات؛ لتكون أكثر انفتاحاً واستيعاباً، لكن أمثال هذه المشروعات الإصلاحية، يجب أن تكون نابعة من داخل المؤسسات الدينية التقليدية، وغير مفروضة عليها من الخارج. وأكد أن المؤسسات الدينية الرسمية، وعلماءها الفضلاء، هم القادرون على إسقاط الشرعية عن جماعات الإسلام السياسي، وبيان خروجها عن الإسلام الصحيح. بدوره، أكد الدكتور الزبير عروس، أن التطرف ليس ظاهرة جديدة، وتاريخنا الإسلامي معروف بمظاهر التطرف، وأنه لا يمكن مواجهة التطرف، وتصحيح الفكر المختل، إلا من خلال تحليل ومعالجة هذه المحطات التاريخية. وأشار "عروس" إلى أنه ليس السبب الوحيد للتطرف هو الفقر والجهل فقط، وإنما هناك خريجو جامعات ومثقفون هم أعمدة التطرف، ويجب مواجهة التطرف بالفكر وليس أمنيًا. وأضاف أننا إذا تحدثنا عن الإسلام السياسي، فالإسلام السياسي موجود في السلطة أيضًا التي تدعو إلى بناء فكر جديد، وهو فكر يتصارع مع الآخر، ويحاول أن يقصي الآخر وشوهه. وفي كلمتها، أشارت مريم أمين، إلى أنه عند النظر إلى علاقة التطرف بالمرأة يظهر لنا ظاهرتان، وللأسف تلك الظاهرتان موجودتان في عالمنا العربي، وهما التطرف ضد المرأة، ومشاركة المرأة في التطرف نفسه، وفي كلتا المظهرين تخرج المرأة فيها عن إنسانيتها، إما بالجبر بأن يمارس ضدها التطرف سواء كان فكريًا أو ماديًا، وإما بإجبارها بأن تشارك في عملية التطرف فتصبح متطرفة. وأضافت أن هناك عوامل كثيرة قد تؤدي إلى تطرف المرأة، منها التمييز القائم على النوع، والتعليم، وفرص العمل، والتهميش لدور المرأة وحصرها في أدوار محددة. وفي نهاية كلمتها تمنت مريم أمين أن تتبنى مؤسسة الأزهر الشريف مشروعا لإعداد كوادر من الأكاديميات اللاتي يقمن بالتدريس بجامعة الأزهر، وهن مؤهلات فكريًا بدرجة كبيرة، يتوجهن في قوافل توعية إلى المدارس وبخاصة في مرحلة التعليم، وفي المناطق الفقيرة وذات الدخل المحدود، لعقد ندوات وورش عمل ليس مع التلاميذ فقط، لكن بمشاركة أولياء الأمور للوقوف على أنماط الأفكار في تلك الشرائح الاجتماعية وتصحيح المفاهيم الفكرية والدينية المغلوطة.