شهدنا خطابا دينياً قبيحاً.. ونرفض استخدام الملف الشيعي سياسيا عمل موسوعي يترجم للإنجليزية والفرنسية عن قضايا الإلحاد والتكفير الهيئة الاستشارية للرئاسة تعمل على عدد من الملفات العاجلة وبالنسبة للمرأة فلابد من رد كرامتها وفك كرب الغارمات يعد الدكتور "أسامة الأزهري"، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، واحد من علماء الأزهر الذين ذاع صيتهم في الفترة الأخيرة، حتى أصبح عضواً في الهيئة الاستشارية لرئاسة جمهورية مصر العربية. وقد زار "الأزهري" شبكة الإعلام العربية "محيط"، وقال خلال حلقة نقاشية مع فريق عمل الشبكة إن الأزهر الشريف غير مشغول بالسلطة ولا يدور في فلك الشرطة، وإنما قضيته التي عاش من أجلها على مدار ألف سنة هي أن يكون حارساً أميناً للمنهج العلمي الدقيق المنضبط، ليس في مصر فقط، وإنما في العالم الإسلامي أجمع، وإلى تفاصيل الحوار. قبل أن أبدأ الحديث عن الملفات الدينية الشائكة؛ هل تتابع الإعلام الإلكتروني؟ نعم؛ ومن خلال متابعتي للمنبر الإعلامي "محيط " أستطيع أن أقول إنه منصة إعلامية نشيطة ومتشعبة، وعنده القدرة على الملاحقة والتغطية. بماذا تصف الحالة الدينية في مصر ؟ وكيف تفسر انتشار ظاهرة الإلحاد؟ بالنسبة للمؤسسة الدينية والأزهر الشريف على وجه الخصوص؛ فالحالة الدينية في مصر تشهد وضعا متأزما وأقرب إلي الضبابية نتيجة الثلاث سنوات الماضية، فقد شهدت صعودا سريعا لخطاب ديني صارخ وصادم وقبيح ومنفر وغير معبر ولا مدرك لمقاصد الشرع، ومليء بالانطباعات الانفعالية ورود الأفعال المتعصبة ومنبثق ومنطلق من فكر متشدد ظهر في الستينيات مرورا بالفكر التكفيري لسيد قطب، وتنظيمات دينية مثل "الفنية العسكرية" و"التكفير والهجرة" وغيرها، انتهاء بفكر "داعش" القائم على أطروحة سيد قطب و"ظلال القرآن". وما كانت نتيجة كل هذا ؟ بالطبع هذه الحالة ولدت في المقابل حالة صدمة من هذا الخطاب المتشدد مما أدى إلى بروز ظاهرة الإلحاد، وظاهرة الإلحاد تحتاج إلى الرصد والدراسة والتحليل لأنها تشهد وتواكب نشاطا عالميا في التنظير للإلحاد. وينعكس هذا الخطاب على الداخل في مصر والمنطقة العربية، ويأتي هذا مع حالة نفسية متأزمة دمرت نفسية قطاع كبير من الشباب وجعلته يرى الأطروحة الدينية ككل ليس بها أي منطق عقلاني قابل للإقناع، حيث يرونها لا تتعامل إلا بسفك الدماء والترويع فزاد عندهم الدافع للتجاوب مع قضية الإلحاد. لماذا انتشر التطرف في الأعوام الماضية من وجهة نظرك ؟ توجد في مصر تيارات دينية تمثل فكراً متطرفاً أدى إلي تطرف شديد وغلو، مثل "الإخوان المسلمين" وفكرتهم المتمثلة في إحياء المشروع الإسلامي وفكرة الجهاد والتمكين والاستعلاء، وقد قدموا فهما لتلك القضايا في غاية الاضطراب والتشويش، وذلك بسبب فقدهم للعلوم الرصينة، وأدوات فهم الوحي، مما جعل التصورات الآي عندهم في تلك القضايا تصورا قلقا غير دقيق، ولا منطبق على مقاصد الشرع الشريف الذي جاء رحمة للعالمين، إلى غير ذلك من عشرات المفاهيم المفخخة المطروحة على الساحة الفكرية. ويشهد الشباب بسبب هذا قصفاً فكرياً مركزاً وشديداً وعنيفاً ومربكاً، وفي هذه الحالة يتم توجيه اللوم العنيف فيها للأزهر الشريف، فالجانب المتطرف دينياً وجد أن الأزهر قد أخذ موقفاً مضاداً له فأخذ يهاجمه ويتهمه بأنه في ركاب السلطة، والإلحاد أيضاً الذي لا يجد أي مناقشة من الأزهر فيتهمه بالانعزال، وما بين هذا وذاك يوجد قطاع عريض من الشباب ليس بواقع في الفكر المتطرف او الإلحادي لكنه يقف ليرى المشهد المربك ليتساءل أين الأطروحة الفكرية الصحيحة السليمة في وسط كل هذا الضباب الفكري. والواقع أن هناك ميزانا علميا متقنا ودقيقا، ومخدوما بعشرات العلوم المنهجية الدقيقة، ومن ورائه تجربة عريقة في التعليم عمرها ألف سنة، وكل ذلك متمثل في الأزهر كمنهج علمي، بغض النظر عما يطرأ على أدائه من قوة أو ضعف، لكن المنجم المعرفي عنده موجود، وقادر على أن يسعفنا في الرصد والتحليل والتقييم والتقويم لكل تلك الأطروحات الدينية المغلوطة كيف تحارب المؤسسات الدينية المصرية فكر التكفير؟ الأزهر الشريف في فترة الثمانينات وأوائل التسعينات؛ كان يقوم بدور مهم، حيث كان يتم توزيع كتاب "بيان للناس" على كل طلبة الأزهر وغيرهم، ونحن في حاجة الآن لعودة هذا الكتاب وهذا المنهج من البيان للناس، ولكن بشكل يتناسب مع عام 2014، والآن قد تم إنشاء مرصد يقوم برصد التكفير، وهو الصورة الرسمية الموجودة في دار الإفتاء، ولكن هناك أيضاً عدد من الجهود الموازية لمرصد التكفير والتي سنرى لها دوراً قريبا، وخلال فترة زمنية وجيزة سيكون بين أيدينا "بيان للناس" جديد قد يسمي بنفس الاسم أو عنوان آخر، ونحن فيه أمام عمل علمي يكاد يكون في طوره الأخير. فأنا بصدد إصدار كتاب خاص بي يحمل نفس الفكرة، وقد كانت العادة عند الأقدمين من العلماء أن يفاجئونا بعدد من المشاريع الفكرية التي تصب كلها في مناقشة فكرة واحدة. ما آخر إصداراتكم وأعمالكم المطروحة خلال الأيام القادمة ؟ سأصدر عمل علمي يمثل ميزانا ونقدا دقيقا للأطروحات الدينية المغلوطة، في التكفير والإلحاد، كما شرعت في إجراءات ترجمته للإنجليزية والفرنسية بصفة مبدئية، والرؤية المطروحة فيه ستكون عن قضايا التكفير والإلحاد، وهذا الكتاب يحوي ثلاث مستويات للتسهيل على المتلقيِ، كما أقوم بالإعداد لترجمته للعديد من اللغات الأخرى وأهمها الأوردية والملايوية والإسبانية، حتى يجوب العالم لأن الوضع الديني عندنا ينعكس علي العالم الإسلامي بالصين وإندونيسيا والهند. وأقول: الفترة القريبة القادمة ستشهد صدور عدد من الأعمال العلمية التي هي الآن في أطوارها الأخيرة من الإعداد. ألا ترى أن الأزهر قد ترك دوره وانشغل بالسلطة؟ هناك مشاريع تشهد حالة من الفوران الفكري والمعرفي، لكن الأزهر الشريف لا هو مشغول بالسلطة ولا هو يدور بفلك الشرطة، وإنما قضيته التي عاش من أجلها على مدار ألف سنة، أن يكون حارساً أميناً للمنهج العلمي الدقيق المنضبط ليس في مصر فقط وإنما للعالم الإسلامي ككل. وقد قمت شخصيا بدارسة 4 آلف شخصية علمية أزهرية درست في الأزهر الشريف، من الصينيين والتشاديين والحضرميين والعراقيين والأتراك فضلا عن المصريين ومن كافة العالم الإسلامي، واستعنت بمصادر هائلة مخطوطة ومطبوعة، والفائدة من هذه الموسوعة الكبرى توثيق أن هناك الكثير من العلماء أثروا في الفكر الإسلامي وإثبات أن الإسلام في العقود الماضية لم يكن مقتصراً علي الأطروحة "الإخوانية" فقط. وتقديم الصورة الكاملة لجهود ألوف من العلماء الأزهريين الذين عملوا في صمت في القرى والنجوع ومختلف بقاع العالم، مما يساعد في صناعة الأجيال الجديدة على منهجية قام بخدمتها ألوف من العلماء. فهذه الموسوعة وقد سميتها "جمهرة أعلام الأزهر" تجمع الأزهريين الذين تولوا رئاسة دول ووزراء وأجمع فيه صوراً وخطوطاً شخصية لهم. على سبيل المثال، "هواري بومدين" الرئيس الجزائري الأسبق، هو خريج أزهري، حيث خرج من بلده هربا، وباع منزله الذي كان يسكنه ليسافر إلى القاهرة، مع رفض والده، وكانت نفقات سفره غير كافية فجاء إلى الأزهر ماشيا مع صديقه محمد الصالح شيروف، الذي سجل وقائع الرحلة في كتاب اسمه "رحلة أمل" مطبوع في الجزائر ما هي أهم مشاريعكم الشرعية والدعوية ؟ أدعم بقوة مركز "التعليم الإلكتروني عن بعد" التابع لدار الإفتاء المصرية، وهو سيكون تجربة فريدة تستحق التأمل عن قرب، فعلى مدى سنين تم وضع خطط ومناهج لتأهيل مفتي عميق المعرفة والإدراك بالواقع وعوالمه المختلفة والربط بينه وبين الشرع، وقد تم إعداد مناهج دراسية عميقة للدارسين فيه ونصفهم تقريبا من غير المصريين. حيث سيجعلنا هذا المشروع أمام إعداد جيل متمكن علي النمط الأزهري القديم، مستوعب للعصر بفلسفاته وقضاياه المختلفة، مع تقليل عدد الدارسين فيه لإعداد جيل من الخبراء يتم تدريبه في الفتوى ويتم تدريس علوم اجتماعية واقتصادية لنكون أمام نموذج ل 100 شيخ شعراوي جديد. ما رأيك فى الرابطة العالمية لخريجي الأزهر؟ الرابطة العالمية لخريجي الأزهر لها دورات وأنشطة مكثفة لإعادة تأهيل أئمة المساجد والدارسين من الأزهر وغيره ورفع الكفاءة العلمية وقد شاركت شخصيا في التدريس في بعض هذه الدورات. والرابطة العالمية لها فروع في أكثر من دولة وتعتمد على إعادة جسور التواصل بين خريجي الأزهر، ويرأسها الإمام الأكبر شيخ الأزهر. ما الكتب الأخرى التي تستعد لإصدارها أو أصدرتها بالفعل؟ كتاب (المدخل إلى أصول التفسير)، وقد نشر وترجم إلى الفرنسية والإنجليزية وهو منشور باللغتين المذكورتين وكتاب (مشكاة الأصوليين والفقهاء)، وكتاب (المشروع الإسلامي بين الحقيقة والخرافة)، وكتاب (إحياء علوم الحديث)، وعدد من الكتب العلمية المتخصصة التي صدرت بالفعل وأشتغل أيضاً على عدد من المؤلفات التي تعالج عددا من القضايا الشائكة في واقعنا المعاصر من خلال موقعك الجديد؛ كيف تتعامل رئاسة الجمهورية مع ملف المرأة؟ الفريق الاستشاري الرئاسي تم تقسيمه إلى 4 مجالس، منهم مجلس تنمية المجتمع الذي عليه العبء الأكبر ، وعدد كبير من الظواهر المختلفة، منها قضايا الخطاب الديني، والطاقة، والثقافة، والتنمية، ومشكلات الجهاز الإداري في الدولة، والشباب، وتنمية المرأة، وغير ذلك. وهناك مجلس التعليم والمجلس الاقتصادي. وبالنسبة لسؤالكم عن المرأة فلابد أن نعمل على رد كرامة المرأة المصرية في كل المجلات، فهناك عشرات النقاط محل الدراسة وأطروحات عاجلة لتحسين وضع المرأة، وهذا الوطن على عتبات بداية وقوف على القدمين وإعادة بناء المجتمع من الداخل ورصد المشكلات والبحث عن حلول غير تقليدية في فترات وجيزة. لماذا يسافر الكثير من الأزهريين إلى إيران على الرغم من محاربة الدولة للتشيع؟ خلال العشر سنوات الماضية سافر شخصان فقط، فهل هذا يسمى كثيراً وفق أي معيار إحصائي، أما عن دراسة تجربة التقريب بين المذاهب فهذا ملف أزهري قديم ومهجور، وهناك فارق بين المذهب الشيعي الفقهي وبين استغلال المذهب الشيعي في لعبة السياسة الإيرانية، فالشيعة ظلوا متعايشين مع السنة فترات طويلة لم يحدث بينهم قتال ولم يحدث ذلك إلا في استغلال الأطروحة الدينية في السياسة وبدأت إراقة الدماء، فالتقارب نحن ندعو إليه، لكن تسخير الملف الشيعي كلعبة سياسية من قبل إيران هو مرفوض تماما بلا شك.