أثارت تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي بولينت آرينتش التي أعلن خلالها أن اختلاف المواقف السياسية بين تركيا وبلدان الشرق الأوسط ستصبح قريبًا من الماضي العديد من علامات استفهام حول مدي جدية تركيا في التصالح مع مصر وبعض دول الخليج بعد توتر العلاقات معها على خلفية ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر. وقال آرينتش في كلمة أمام رجال أعمال دول شرق أوسطية في المنتدى الاقتصادي في إسطنبول إنه "في السنوات الأخيرة ظهر اختلاف بين زعماء دول منطقتنا في الكثير من المسائل السياسية، مثل سوريا والعراق ومصر، إلا أننا نبقى أصدقاء"، مضيفاً: "إذا كان من بينكم من أوقف علاقاته مع تركيا بسبب مواقف حكوماتكم، فلا تقلقوا، ستصبح علاقاتنا مع دول الشرق الأوسط أفضل من السابق قريباً". ويري خبراء ومتخصصون في السياسة التركية أن تصريحات أرينتش هي مجرد تصريحات للاستهلاك الدبلوماسي ويمكن قراءتها في إطار مسألة توزيع الأدوار داخل منظومة السياسة التركية وأنها بهذه التصريحات تغازل الغرب من أجل تحقيق هدف تقسيم منطقة الوطن العربي والاستحواذ بقطعة من الكعكة. ويقول الدكتور عبدالمنعم المشاط، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة: إن تركيا عدو تقليدي لمصر وتسعي لفرض هيمنتها علي الشرق الأوسط لإعطاء رسالة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنها تستطيع لعب دور الوسيط مع الدول العربية والإسلامية، مشيرا الي أن موقف تركيا من جماعة الإخوان واضح وصريح من تدريب الشباب التركي والعربي الهارب ، كما أن هناك تحالف تركي مع إسرائيل وهناك تنسيق بين تركيا وإيران إزاء المنطقة العربية وبالتالي فإن السياسة بالأفعال وليست بالأقوال . وتابع ل"بوابة الأهرام": إن أي مسئول تركي يريد تحسين العلاقات مع مصر أو الدول العربية يجب عليه أن يقدم من الخطوات العملية مايبرهن علي ذلك، مشيرا الي أن تركيا ليس لها مصلحة أنية في المصالحة مع مصر والدول العربية لأنها تعمل كمقدمة للنفوذ الغربي، والخطط الاستراتيجية للدول الغربية في المنطقة العربية من أجل إعادة تقسيم المنطقة العربية مرة ثانية بعد اتفاقيات "سايكس بيكو" 1916. وتابع: "تركيا تستضيف التنظيم الدولي للإخوان والفارين من العدالة في مصر والدول العربية ويدعمون ويدربون العناصر الإرهابية التي تذهب للعراق وسوريا بقصد تخويف الدول العربية وينسقون مع إسرائيل وإيران"، معتبراً أنها مجرد تصريحات لا معني لها في إطار السياسة التركية الجريحة، وأن التقارب الخليجي -الخليجي الذي حدث مؤخرا ليس له علاقة بتصريحات المسئول التركي لأن الشعوب الخليجية كانت تضغط في هذا الاتجاه، ولذلك فإن الحال في تركيا مختلف لأن الدور القطري محدود ويمكن التنبؤ به واحتوائه، أما الدور التركي فهو دور إقليمي يرتبط باستراتيجة عالمية أكبر من الدور القطري ولذلك فلن نري رغبة حقيقية من تركيا في إصلاح ما أفسدته مع العرب. كان اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي عقد منذ أيام أسفر عن قرارات وإجراءات قرئها البعض في سياق تقارب خليجي-خليجي بعد الاختلافات التي دبت بين أعضائه -لاسيما-قطر والإمارت والسعودية علي خلفية موقف هذه الدول من الملف المصري، وهو مااعتبره البعض مؤشرات علي تغير موازين القوي الإقليمية سيعكس تغير في سياسة تركيا مع العرب. وقال الدكتور مصطفي اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية، إن نائب رئيس الوزراء التركي ليس في الصفوف الأولي بالنسبة للقيادة التركية، مشيرًا إلي ضرورة أن توجد خطوات فعلية علي أرض الواقع حتي يمكن الحكم علي هذه التصريحات واستبيان السياسة التركية الجديدة تجاه القاهرة . وأضاف اللباد ل"بوابة الاهرام": أن مصر دولة مهمة جدا بالمنطقة وبالتالي فإن نائب رئيس الوزراء التركي بإطلاقه هذا التصريح يستهدف ترتيب العلاقات المصرية التركية، ومن ناحية أخري إظهار تمايز مع سياسة أردوغان، مشيرا إلي أن هناك رسالة منه بأنه غير موافق مع سياسة أردوغان الخارجية في محاولة لإظهار تمايزه من خلال ملف مصر أو سوريا . وأوضح أن عملية صنع القرار داخل تركيا ليست موحدة فيما يخص مصر، مشيرا إلي أن تنامي الاعتراف الإقليمي بمصر الجديدة وضع حكومة أردوغان في مأزق لأنه أصبح معزول فيما يخص هذا الملف مطالبا بضرورة أن تكون هناك خطوات عملية لأن هناك مجموعة من النخبة التركية لاتوافق علي سياسة أردوغان بخصوص مصر، مستبعدا أن يكون هاك علاقة بين ملف التقارب الخليجي- الخليجي وبين تصريحات المسئول التركي. من جانبه، قال الدكتور نشأت الديهي، الباحث المتخصص في الشئون التركية، إن تصريحات المسئول التركي ليس لها قيمة علي الأرض لأنه لايصنع سياسة وليس له دور في المنظومة السياسية داخل الدولة لأن أردوغان هو الوحيد الذي يحرك السياسة التركية وأي تصريح يصدر خارج هذا السياق لن يكون معترف به. وأشار إلي أنها مجرد تصريحات للاستهلاك وتوزيع الأدوار، مؤكدا أن أردوغان أحبط محاولات عديدة من قبل لتحسين العلاقات مع مصر منها محالاوت أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء الحالي وزير الخارجية السابق مذكرا بالطلب التركي علي هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما طلب مقابلة مصر ولكن القاهرة رفضت لأن أردوغان يحبط جميع محاولات المصالحة . وقال ل"بوابة الأهرام" : إن أردوغان لايستمع لأراء أية شخص داخل الحزب الحاكم أو حتي داخل المعارضة ويجب التعامل علي أنها تصريحات لاوزن لها وإن كان هناك شيئ يمكن الاستماع اليه فستكون تصريحات رئيس الدولة . ورفض الربط بين التقارب الخليجي وتصريحات تركيا واعتبرها مضلله لأن السياسة التركية تسير وفق توجهات أردوغان الذي يفكر وفق منهج سلطوي أحبط المشهد التركي . وتسعى تركيا إلى الدفاع عن مشروع الإسلام السياسي بشراسة بالرغم من الضربة القاسية التي تلقاها من النظام المصري بفضل الإرادة الشعبية بالإضافة إلي تذمر التونسيين من حقبة الحكم في عهد حركة النهضة الاسلامية. وتستعدي أنقرة دول الخليج دفاعا عن مشروعها الإسلامي، ما جعل فجوة العزلة التي طالتها تتسع أكثر فأكثر. ويرى خبراء أن صورة تركيا اهتزت كذلك عبر مواقفها الجامدة والمتخاذلة حيال الأزمة السورية وعدم تقديم المساعدة العسكرية واللوجستية اللازمتين لقطع دابر التشدد ومساندة قوات التحالف في محاربة الإرهاب.