"البراءة".. كلمة واحدة نطق بها اليوم السبت المستشار محمود كامل الرشيدي، رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة، لكل المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا باسم "محاكمة القرن"، المتهم فيها مبارك ونجلاه ووزير داخليته حبيب العادلي وبقية أفراد نظامه بقتل المتظاهرين، وهو الحكم الذي أثار غضبًا شديدًا لدى أهالي الشهداء، وفرحة عارمة من قبل أنصار مبارك. وسط ردود الأفعال هذه، تعرفنا على آراء وتعليقات كتّاب ومبدعين حول "يوم البراءات"، كما سماه البعض، حيث تقول الكاتبة الدكتورة هويدا صالح في حديثها ل"بوابة الأهرام" إنها لم يفاجئها الحكم اليوم ببراءة مبارك ورجاله، فقد كان ذلك متوقعًا تمامًا، والتيارات المدنية والإخوان هم السبب فيما نحن فيه اليوم. وتضيف: لطالما نادينا بمحاكمة مبارك محاكمة سياسية على الإفساد المتعمد للمشهد المصري طوال ثلاثين عامًا، لكن رغبتهم في محاكمة مبارك على قتل الشهداء، ومحاكمته محاكمة مدنية بحجة استرجاع نقودنا المهربة في بنوك أوروبا، هو ما وضعنا في هذا الموقف. كذلك محامو الثوار الذين انشغلوا ب"الشو الإعلامي" وبالتمسح بالحقوقيين وتركهم للقضايا التي لم تجمع لها أدلة كافية للإدانة، هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن. وترى د.هويدا أن القضاء حكم بما لديه من أدلة، وقد كانت أدلة واهية لا تدين أحدا ولا تحدد من الفاعل، بخاصة أن من جمع الأدلة هم رجال الداخلية، فهل كانوا سيدينون أنفسهم ورجلهم حبيب العادلي؟ ونتذكر أن كثيرًا من الشهداء ماتوا أمام السجون، ومن مات في الميدان هو عدد قليل، ومن استشهدوا أمام السجون كانت خصومتهم مع رجال الداخلية الذين يفترض بهم أنهم سوف يجمعون الأدلة، فهل يدينون أنفسهم؟ وتقول د.هويدا صالح: إن التيارات السياسية المدنية والثوار لو كانوا أصروا على المحاكمة السياسية لمبارك على تجريفه للحياة السياسية والثقافية والصحة والتعليم وغيرها لربما كنا استطعنا أن ندينه بما فعل في المصريين. لكن للأسف الشديد انشغلنا بالشهداء ولم نقدم قضية قوية أمام القضاء، و"نحن الآن نجني ثمار ذلك". ورغم ذلك الحكم، تقول هويدا صالح، فسوف يظل مبارك مدانًا أمام الشعب والعالم، الشعب أصدر كلمته على من حكم ثلاثين عاما من الفساد واتحاد رأس المال بالسياسة وحكومات رجال الأعمال والاستبداد السياسي، وترك المجتمع يغرق في المخدرات وضياع الأمن المجتمعي، في سبيل الإصرار على الأمن السياسي للرئيس ونظامه. لقد حاكمنا مبارك شعبيًّا في الميدان يوم أن علقنا له المشانق هو ورجاله، وما حدث الآن من براءة نالها هو ورجاله لن يمحو أبدا ما حكم به الشعب، حتى الإخوان وما وصلوا إليه من حكم مصر، والارهاب الذي يهدد حياتنا، السبب فيه مبارك ونظامه، الذي تخلى عن دور الدولة وألقى بالمجتمع في حجر "الإخوان المسلمون"، ولن نتخلى عن ثورتنا، وعن حلم العدالة ومحاكمة الفاسدين، بحد تعبير د.هويدا صالح. وشددت في نهاية حديثها أنه على النظام الحالي أن يستفيد مما حدث، ولا يسمح لفلول مبارك بالرجوع ثانية، وركوب ثورة 30 يونيه من أجل استعادة الحياة السياسية مجددًا. وفي تغريدة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، كتب الدكتور علاء الأسواني، تعليقًا على حكم البراءة: "تم تنفيذ الخطوة الأخيرة من البرنامج بنجاح.. احشدوا المخبرين والطبالين فى الإعلام، أما أنت أيها الشعب فإياك أن ترفع رأسك مرة أخرى أمام أسيادك". وجاء تعليق الكاتب الدكتور يوسف زيدان، الذي أعلن اعتزاله العمل الثقافي في وقت سابق بسبب اعتراضه على الاستمرار في تعيين إسماعيل سراج الدين مديرًا لمكتبة الإسكندرية في الوقت الذي يحاكم فيه بتهم فساد، جاء تعليقه على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مقتضبًا، إذ علق على حكم البراءة في القضية المعروفة إعلاميًا باسم محاكمة القرن بكلمتين اثنتين: "عادي جدًا"، في إشارة إلى الحكم. وتساءل الكاتب إبراهيم عبد المجيد: "إلى متى تتحمل السماء دعوات المظلومين؟"، في إشارة منه إلى تبرئة مبارك والعادلي من تهمة قتل المتظاهرين إبان ثورة يناير 2011، وجاء ذلك على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك. أما الكاتب الدكتور عمار علي حسن، الباحث في الشئون السياسية، فقال في رأي له سجله بأحد المواقع ونشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "القاضي حكم بما تبقى له من أدلة، فكثير من الأدلة قد طمس أو حُجب، وبما عنده من نصوص قانونية تم سنها في عهد مبارك، لكن الأصل المتفق عليه أغلب الناس في مصر أنه لا تعقيب على الحكم، لكن يمكن مناقشة آثاره الآنية والآتية، وهذا هو بيت القصيد". وقال: "إن مبارك كشخص لم يعد يشكل معضلة أمام المستقبل، أما سياساته المحلية والدولية وطريقته في الإدارة وثقافته السياسية وغابة التشريعات القانونية التي رسخها وتركها فهي التي تشكل العقبة أمام الأجيال المقبلة، لندع مبارك لربه، ولننتبه إلى المباركية كطريقة في التفكير والتدبير". ويرى د.عمار أنه سيكون على الرئيس السيسي اتخاذ بعض الإجراءات والمواقف التي تفارق بينه وبين نظام مبارك، برجاله وأسلوبه، وأن يفتح ذراعيه للشباب حتى لا يستميلهم الإخوان، وأن يتدخل لوقف الحملة الإعلامية الضروس ضد ثورة يناير، والتي استهدفت تمهيد الأجواء لتقبل الناس الحكم إن صدر بتبرئة مبارك، لكنها إن استمرت ستشكل عبئًا شديدًا على السلطة الحالية، بحد قوله.