وصف د. عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، واقع الصحافة القومية في مصر بأنه حالة من "العك الصحفي" لا يوجد مثيل لها في العالم، مؤكدًا أن صيغة الصحافة القومية الموجودة في مصر لا توجد في أى من البلدان. وقال أن تكوين المجلس الأعلى للصحافة الذي يملك الصحف القومية مثير للضحك، مضيفًا أن الكارثة العظمى في وجود نوعين من "العك" الأول هو تخيل أن الصحف القومية هي مؤسسات عامة لها أب هو الحكومة، بينما في الواقع يتعامل معك الآخرون على أنك مؤسسة خاصة. وكانت النتيجة أن الصحف القومية "لا طالت عنب الشام ولا بلح اليمن". وأكد الدكتور سعيد فى الندوة التى نظمها مركز "صحفيون متحدون" بالتعاون مع مركز تضامن مساء أمس الاثنين تحت عنوان "مستقبل الصحافة والإعلام الحكومى" أن الصحافة في العالم كله لا ينبغي إلا أن تكون خاصة، بمعنى أنها أداء لمهنة أو وظيفة في المجتمع، ولها توازن مالي محدد، مؤكدًا أن الدور الطبيعي للصحافة هي أن تعمل عند الناس. وأشار إلى أنه لا يري من الممكن أن يجري إصلاح في المؤسسات الصحفية القومية دون عملية جراحية كبري تقطع صلتها بمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، مؤكدًا أن السبب وراء الأمراض الموجودة حاليًا في هذه المؤسسات أنها لا يمكن أن تفلس بسبب دعم الحكومة لها. وأضاف الدكتور عبدالمنعم: حدثت مجموعة من التطورات فى الغالب فى العقد الأخير داخل المؤسسات الصحفية، وهو أن المالك انفصل عن المنتج بمعنى لم يعد ينفق عليه بالنسبة على الأقل على مستوى الصحف القومية الكبرى، وهى الأهرام والأخبار والجمهورية منذ عام 2006 لم تعد هذه الصحف تأخذ مليمًا واحدًا من المالك سواء هذا المالك نعتبره مجلس الشورى أو نعتبره المجلس الأعلى للصحافة، فمنذ هذا العام انقطعت الحكومة عن الإنفاق على تلك الصحف، وأصبحت تدفع ضرائبها كاملة من إيراداتها. فالأهرام دفعت للدولة ضرائب حوالى 260 مليون جنيه، فأصبحت بالتالى الصحف القومية مثلها مثل المؤسسات الخاصة تدفع مرتبات وضرائب والعشرات من الرسوم من دخلها. وأضاف قائلا "جرت بعد ذلك تعديلات أدت إلى وضع الأمر فى أيدى مجلس الشورى، حتى جاءت الصحافة الحزبية وبعدها جاءت ما تسمى بالصحافة الخاصة، ومنها ما حقق نجاحًا كبيرًا، والجديد فى الأمر البدء الإعلامى مع التليفزيون ومع الصحافة الافتراضية على الإنترنت، مشيرا إلى أن الصحافة القومية أصبحت فى سوق تنافسية، وعلى من يملك مؤسسة عندما يستيقظ كل صباح أن تنافس الآخرين، سواء التنافس على المهنية البحتة من حيث تميز الخبر، أو من حيث أن يأخذ جزءًا أو نسبة من هذه السوق التنافسية خلال التوزيع، وذلك من خلال السيطرة على عقل وقلوب القراء، فضلا عن أن الوضع العام فى مصر يتعامل مع المؤسسات القومية على أنها ملكية عامة، والمؤسسة العامة هى مكان مستباح عليه أن يفتح ذراعيه لتعيين أى عدد من الناس من أبناء العاملين أو من آخرين فى الساحة الصحفية". وأشار الدكتور سعيد إلى أن عدد القراء فى التسعينيات كان عدد قراء الصحف ثلاثة ونصف مليون قارئ، أما فى عام 2009 عدد قراء الصحف فى مصر لا يتجاوزن مليون وثلاثمائة ألف قارئ رغم الزيادة فى عدد السكان، كان هناك تراجع فى قراء الصحف لأن بعد طبع الصحيفة يكون القارئ إما أن سمع الخبر أو قرأه على الإنترنت، فكانت القضية هى كيفية معالجة هذا الأمر المعقد، وفى تصورى- والحديث للدكتور عبدالمنعم- هو الاطلاع على تجربة الجارديان؛ لأن هناك صحيفة قومية مسئولة أمام جميع المواطنين ليست مقتصرة على فئة معينة دون غيرها، وتمثلت المعالجة فى المهنية الشديدة. وقال "لابد أن تتحول المؤسسة من مؤسسة قائمة على الحركة المطبوعة إلى مؤسسة إعلامية متخصصة، بمعنى مؤسسة قادرة على الطباعة والعمل بنظام الديجتال (الرقمى)، والعمل من أجل مزيد من التحسين لأوضاع العاملين داخل المؤسسات الصحفية، مطالبًا بأن تتحول المؤسسات الصحفية إلى شركات قابضة تدير مجموعة من الشركات النوعية المرتبطة بالإعلانات والنشر والتوزيع والاستثمار وتكنولوجيا المعلومات، مشيرًا إلى أن رؤية تطوير مؤسسة الأهرام تقوم حاليًا على تحويلها من مؤسسة للنشر إلى مؤسسة إعلامية. بينما دعا الكاتب الصحفى صلاح عيسى الجميع فى كل المجالات الصحفية إلى أن يتحاورا مع بعض لطرح وحل الإشكاليات والرؤى المتعلقة بأحوال الصحف، خاصة أن هناك إشكالية حقيقية فى الإعلام المصرى، وهناك أصوات كثيرة تنادى بالدور الذى يجب أن يلعبه هذا الإعلام. وقال من الملاحظ ونحن الآن فى حالة ثورة والإعلام المصرى غير متماشى مع هذه الثورة، وثبت أنه إعلام بعيد كل البعد عن المهنية الإعلامية، فنحن محتاجون لإعلام جديد يقوم بحشد المواطنين من أجل الدفاع عن أهداف الثورة الاقتصادية والاجتماعية، فالصحافة القومية صحافة تعبئة بشكل واضح وليس إعلاما حرا، فظلت على ذلك منذ اللحظة الأولى لنشأتها وحتى الآن، إلا أن حدث فى السنوات الخمس الأخيرة تحرك وتتطور ملحوظ. كما أكد الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز أن الإعلام الحكومي مرَّ بمرحلة انكشاف إعلامي أثناء حدث مفصلي لا يحدث إلا نادرًا في تالايخ الأمم هو ثورة 25 يناير، مشيرًا إلى أن الأسباب التي أدت إلى هذا الانكشاف هو ضعف وعوار منظومة الإعلام الحكومي في مصر، محملا مسئولية عزوف المجتمع المصري عن شراء الصحف بصورة عامة وتدهور أرقام توزيع الصحف في مصر إلى الأداء المهنى الضعيف للصحف القومية. وقال إن هناك حالة من الترهل في العمالة داخل أغلب المؤسسات الإعلامية الحكومية، مشيرًا إلى أن عدد العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون في مصر وصل 46 ألف عامل وموظف، وهو ما يساوى إجمالى عدد جيش البحرين والكويت وقطر مجتمعين بل ويزيد عليهم بألف، مطالبًا أن تبقى ملكية المؤسسات القومية عامة لمدة تتراوح من 5 سنوات إلى 10 سنوات، ثم يعاد خلالها بناء منظومة الإعلام الحكومي في إطار من المحاسبة والمساءلة، مشيرًا إلى أن خصخصة وسائل الإعلام المملوكة للدولة الآن، سيكون شكل من أشكال الهدر المالي، حيث إن قيمة صحيفة الأهرام ليس في المبني أو عدد النسخ التي توزعها كل يوم، لكن قيمتها في العراقة والاسم التجاري، خاصة أنه في ظل عدم وجود تيار رئيسي في المجتمع المصري يحافظ على القيم العليا للمجتمع، لا يجب أن نسلم عقول المجتمع لرجال الأعمال. وعن استقلالية الصحف القومية ماليًا واداريًا طرح عبدالفتاح الجبالى نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الأهرام رؤيته حول كيفية الإصلاح المالى داخل المؤسسات الصحفية بشكل عام، والتى تعانى وفق تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات من سوء استخدام الموارد المتاحة كالمطابع ودرتها على الطباعة، بالإضافة لامتلاك أسطول من النقل يكبد المؤسسات الكثير من الكاليف من صيانة وقطع غيار، بالإضافة إلى الخلل الآخر المتعلق بين الإنفاق والإيرادات للمؤسسات الصحفية والصرف والإنفاق دون سندات رسمية بهذا، وقيام المؤسسات الصحفية بأنشطة لا تدر عائدا لها أو تخدم العمل الصحفى. وأشار إلى الزيادة المستمرة فى إهدار المخزون كالكتب داخل المخازن خاصة فى بعض المؤسسات الصحفية الخاسرة بطبيعتها، بالإضافة لسوء تعامل الإدارات مع العملاء سواء المعينين منهم أو غيرهم، مما أدى إلى عدم استمرار بعض المؤسسات بهذا الوضع؛ لأنها تكبد الدولة مديونيات قد تصل إلى 7 مليارات جنيه. وقال الكاتب الصحفى ماهر زهدي: إن الأحداث الأخيرة كشفت أن المستوى المهنى للمؤسسات الإعلامية الحكومية يساوي صفرا، مضيفًا أن هناك إهدارًا كبيرًا في موارد الدولة بسبب هذا الكم من القنوات التليفزيونية والإذاعات والصحف القومية، مؤكدا أنه من الممكن أن نصبر على هذه المؤسسات الإعلامية الحكومية من حيث الآداء المهني، في حين نرفض الصبر على استنزاف موارد الدولة بهذه الخسائر الفادحة. جاء ذلك خلال الندوة التى نظمها مركز "صحفيون متحدون" بالتعاون مع مركز تضامن مساء أمس الاثنين تحت عنوان "مستقبل الصحافة والإعلام الحكومى".