وصف الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، واقع الصحافة القومية في مصر بأنه حالة من "العك الصحفي" لا يوجد مثيل له في العالم، مؤكداً أن صيغة الصحافة القومية الموجودة في مصر لا توجد في أي من البلدان. وقال سعيد في الندوة التي عقدها مركز "صحفيون متحدون" بالتعاون مع "مركز تضامن" مساء أمس الاثنين تحت عنوان "مستقبل الصحافة والإعلام الحكومي": إن تكوين المجلس الأعلى للصحافة الذي يملك الصحف القومية مثيرا للضحك، مضيفا أن الكارثة العظمى في وجود نوعين من "العك"، الأول، هو تخيل أن الصحف القومية هي مؤسسات عامة لها أب هو الحكومة، بينما في الواقع يتعامل معك الآخرون على أنك مؤسسة خاصة، وكانت النتيجة أن الصحف القومية "لا طالت عنب الشام ولا بلح اليمن". وأضاف سعيد أن الصحافة في العالم كله لا ينبغي إلا أن تكون خاصة، بمعنى أنها أداء لمهنة أو وظيفة في المجتمع، ولها توازن مالي محدد، مؤكدا أن الدور الطبيعي للصحافة هي أن تعمل عند الناس. وأشار إلى أنه لا يرى أنه من الممكن أن إجراء إصلاح في المؤسسات الصحفية القومية دون عملية جراحية كبري تقطع صلتها بمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، مؤكدا أن السبب وراء الأمراض الموجودة حاليا في هذه المؤسسات أنها لا يمكن أن تفلس بسبب دعم الحكومة لها. وأوضح أنه عدد العاملين في مؤسسة الأهرام يصل إلى 11 ألف صحفي وموظف، بينما أكدت دراسة أجرتها مؤسسة "حازم حسن" أن المؤسسة لا تحتاج سوى 3 آلاف صحفي وموظف فقط، معنى ذلك أن مؤسسة الأهرام بها 8 آلاف إنتاجهم يساوي صفر، وهو ما تسبب في أن ما يتقاضاه الصحفي في الأهرام ثلث المرتب الذي يستحقه. وأشار إلى أن كل المؤسسات الصحفية القومية سواء الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية التي حاولت أن تستوعب العمالة الزائدة عندها في إصدارات صحفية جديدة، كانت النتيجة كلها خاسرة، حيث إنهم لم يستوعبوا العمالة الموجودة، بل وصل الأمر إلى جلب عمالة جديدة، وانتهى الأمر أن نجد من الصعوبة غلق أي مطبوعة. وقال: إن الممارسة الفعلية تقول إن جميع الأعضاء المنتخبين في مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، لا يتعاملون مع مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية بمعنى ديمقراطي، بل المعنى الأساسي هو كيف نوزع أموال المؤسسة، والكلمة الأخيرة لهم: "ما تيجي نبيعها ونوزع فلوسها ونروح". وطالب سعيد بأن تتحول المؤسسات الصحفية إلى شركات قابضة تدير مجموعة من الشركات النوعية المرتبطة بالإعلانات والنشر والتوزيع والاستثمار وتكنولوجيا المعلومات، مشيرا إلى أن رؤية تطوير مؤسسة الأهرام تقوم حاليا على تحويلها من مؤسسة للنشر إلى مؤسسة إعلامية. وقال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز: إن الإعلام الحكومي مر بمرحلة انكشاف إعلامي أثناء حدث مفصلي لا يحدث إلا نادرا في تاريخ الأمم، وهو ثورة 25 يناير، مشيرا إلى أن الأسباب التي أدت إلى هذا الانكشاف هو ضعف وعوار منظومة الإعلام الحكومي في مصر. وحمل عبد العزيز مسؤولية عزوف المجتمع المصري عن شراء الصحف بصورة عامة، وتدهور أرقام توزيع الجرائد في مصر إلى الأداء المهني الضعيف للصحف القومية. وقال: إن هناك حالة من الترهل في العمالة داخل أغلب المؤسسات الإعلامية الحكومية، مشيرا إلى أن عدد العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون في مصر وصل 46 ألف عامل وموظف، وهو ما يساوي إجمالي عدد جيش البحرين والكويت وقطر مجتمعين، بل ويزيد عنهم بألف. وطالب عبد العزيز بأن تبقى ملكية المؤسسات القومية عامة لمدة تتراوح من 5 سنوات إلى 10 سنوات، يعاد خلالها بناء منظومة الإعلام الحكومي في إطار من المحاسبة والمسائلة، مشيرا إلى أن خصخصة وسائل الإعلام المملوكة للدولة الآن، سيكون شكل من أشكال الهدر المالي، حيث إن قيمة الأهرام ليس في المبنى أو عدد النسخ التي توزعها كل يوم، لكن قيمتها في العراقة والاسم التجاري. وأضاف، أنه في ظل عدم وجود تيار رئيسي في المجتمع المصري يحافظ على القيم العليا للمجتمع، لا يجب أن نسلم عقول المجتمع لرجال الأعمال. وطالب عبد العزيز بنقل الإشراف على الصحف القومية من مجلس الشورى إلى لجنة برلمانية بمجلس الشعب، وهو ما رفضه صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة القاهرة، حيث أكد أن مجلس الشعب هو مجلس حزبي يسيطر عليه حزب الأغلبية. وقال صلاح عيسى الذي أدار الندوة أن الذين يطالبون بمنحهم وقت هم يواجهون واقعا بلغ من التعقيد ما لا يستطيع معه أحد أن يقول إن هذه المؤسسات يجب أن يتم خصخصتها اليوم، مشيرا إلى أن تجزئة هذه المؤسسات هو المنطق الاقتصادي الأفضل خلال هذه المرحلة. وطالب بأن تظل هذه المؤسسات في ظل ملكية "مصر الوطن" "مصر الشعب"، وليس "مصر الحكومة" أو الدولة أو الحزب الحاكم.