أمراض لا حصر لها، والتلوث من كل جانب؛ الهواء؛ مياه الترع المشقوقة في فضلات الماشية وبين تلال القمامة، خضروات وفاكهة ترويها مياه الصرف الصحي، وكما هو حال الأرض؛ فإن الخطر لا يستهدف الأهالي فقط، بل يمتد إلى النبت الجديد فحتى الأجنة تولد مشوهة. هذا هو حال الأحياء في قرية "عرب أبو ساعد" بالصف جنوب حلوان. "في قرية عرب أبي ساعد، مثلث رعب اكتملت أركانه: جهل، ومرض، وفقر"، تقول د.إيمان على دياب رئيس وحدة تلوث البيئة بمركز بحوث الصحراء، حيث لم ينل الهواء الملوث بالغازات الضارة- الناتجة من المصانع الملتفة حولهم- من الأهالي فقط، والذي يكاد يقتلهم في كل ثانية، إلا أن القمامة قد ضربت حولهم حصارًا عنيفًا، تحرسه الحشرات والقوارض التى تهدد صحتهم، كما دفعهم الجهل وعدم التوعية البيئية وندرة مصادر المياه الصالحة للزراعة، إلى استخدام مياه الصرف الصحى فى ري الخضروات والفاكهة فى مزارعهم الخاصة. وتلبيةً لاستغاثتهم قررت دياب رفع شكواهم إلى جميع المسئولين نتيجة ما لمسته بنفسها من تلوث، معاناة وحياة غير آدمية يعيشها الأهالي، وقامت بزيارة ميدانية أخرى بالتعاون مع إحدى الجهات السيادية بالدولة لأخذ عينات مياه من القرية للتحقق من شكاوى الأهالي، وبالفعل تم أخذ عينة مياه من "ترعة الخشاب"، و"ترعة الحاجر" و"حوض الخزان الكبير" الذي تتجمع فيه المياه من محطة معالجة الصرف الصحي بالقرية حيث يقوم الأهالي باستخدامها فى ري المزروعات، كما تم أخذ عينات من بعض المزارع التي استطاعت دخولها خلسة دون علم أصحابها وتستخدم هذه المياه في زراعة الخضروات والفاكهة التي يتغذى عليها أهالي القرية وتصل إلينا بطريقة أو بأخرى. وللأسف توصلت نتائج تحاليل العينات الى ما كانت تتوقعه وهو "عدم صلاحية كل العينات وعدم مطابقتها كميائيًا وبكترولوجيًا للري (طبقًا للقرار رقم 44 لسنة 2000 والقانون رقم 93 لسنة 1962 المادة 15– الباب السادس)". وهذه ليست مفاجأة، فالوضع واضح بالعين المجردة سواء في لون المياه، وانتشار الطحالب بكثرة في الترع التى جف الكثير منها وأصبحت مصدرًا للروائح الكريهة النفاذة، فضلاً عن انتشار القمامة على الترع والمصارف، والأهم من ذلك الممارسات الخاطئة التى ما زال الأهالى يقومون بها كالاستحمام مع الحيوانات وغسل الأوانى فى الترع. وأرجعت عدم مطابقة العينات للمواصفات بكتيريولوجيًا لوجود خلايا "القولون البرازي" بنسبة 8000 لكل 100 /مليلتر وهي نسبة عالية تفوق الحد الأقصى المسموح به(1000 لكل 100 مليلتر)، وهذا دليل على وجود تلوث بمياه الصرف الصحي سواء من الإنسان أو الحيوان لأن هذه المجموعة البكتيرية توجد فى أمعاء الإنسان والحيوان، وبالرغم من أن معظم هذه الميكروبات غير مرضية إلا أنها تعتبر مؤشرًا هامًا لوجود مسببات الأمراض فى المياه، فبعض الأمراض التى تنتقل من هذه المياه إلى الإنسان قد تتزامن مع تلوث براز القولونية عند مستويات مرتفعة وتشمل التهاب الأذن، الدوسنتاريا والنزلات المعوية.. وعند سؤال طبيب الوحدة الصحية أفاد بأن متوسط حالات الإصابة بالإسهال وخاصة الأطفال ما بين(20-30)حالة يوميًا أو يومًا بعد يوم. وبالنسبة للمواد الصلبة العالقة (T.S.S) Total Solid Soluble فقد تعدت نسبتها فى عينات المياه النسب المسموح بها فى المعالجة الثانوية 40 جزءًا في المليون لتبلغ في أبوساعد 190 جزءًا في المليون، مشيرة إلى أن هذه المواد تؤدى إلى ترسب الحمأة وعدم التهوية فى حالة صرف مياه الصرف الصحى غير المعالجة فى بيئة مائية، كما يحظر استخدام هذه المياه لزراعة الخضروات والفاكهة أو النباتات التى تؤكل نيئة، كما لا يجوز تربية الحيوانات أو المواشى المدرة للبن فى هذه المزارع، ولكن الواقع عكس ذلك فى معظم المزارع بالقرية. أما الأكسجين الحيوى الممتص (BOD) فنسبته فاقت المسموح به في المعالجة المبدئية (20 جزء في المليون )وبلغت 24.8 جزء في المليون وهي مركبات عضوية قابلة للتفكك الحيوى وتوجد فى مياه المجارى وعندما تتفكك هذه المركبات بواسطة البكتيريا التى تحتاج إلى الأكسجين للقيام بعملية التحلل، ويقل الأكسجين فى المياه وعندما ينخفض مستوى الأكسجين إلى درجة كبيرة تنتج بيئة لا هوائية ذات رائحة كريهة وتصبح المياه غير صالحة للاستخدام الآدمى، وهذا ما تم ملاحظته فى الترع والمصارف بأبوساعد. وأضافت لا يجوز استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لري الأراضى، إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة الصحة على الموقع الذي تم اختياره لمحطات تنقية الصرف الصحى العامة، وبعد تشغيل المحطات يجب أخذ عينات دورية من المياه المنصرفة لتحليلها طبقًا للمواصفات القياسية الخاصة بإعادة استخدام مياه الصرف الصحى للري، وبالطبع لا تطبق هذه الاشتراطات، كما أن جميع القوانين والمعاهدات الدولية تنص على ضرورة تطبيق المعالجة الثلاثية (معالجة مبدئية، ثانوية، متقدمة) على مياه الصرف الصحي قبل إعادة استخدامها فى الزراعة. وأكدت دياب أنها توجهت إلى أحد المسئولين بمحطة الصرف الصحي بعرب أبو ساعد لسؤاله عن نوع المعالجة التى تتم بالمحطة، وأجاب قائلاً: "لا يتم معالجة مياه الصرف الصحي فى المحطة، إلا بالمعالجة الابتدائية فقط لأنها تستخدم في زراعة الأشجار فقط، وأضاف أن المحطة غير مسئولة عن تصرف الأهالى باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في ري مزارعهم وأرضهم الخاصة!!". وأشارت إلى أنه حسب قوانين إعادة استخدام مياه الصرف الصحى المعالجة فى الزراعة، المزارع التى تروى بمياه الصرف الصحي المعالجة ابتدائيًا أو ثانويًا يحظر فيها زراعة الخضروات والفاكهة أو النباتات التى تؤكل نيئة، كما لا يجوز تربية المواشى أو الحيوانات المدرة للبن أو اللحوم على هذة المزارع، بالإضافة إلى أن زراعة الأشجار الخشبية المزعومة فى القرية يجب أن تخضع لاحتياطات بيئية وصحية عديدة وهى عمل سياج حول المزارع، وعدم التلامس مع المياه مباشرة وعدم دخول غير العاملين للمزارع، واتخاذ الإجراءات الصحية اللازمة للحماية من الإصابة بالكائنات الممرضة ومنع دخول الماشية للمزارع، في حين أن ما يحدث فى مزارع عرب أبو ساعد عكس ذلك تمامًا.. قائلة: "يا سادة يا مسئولين، يكفى تهكمًا ورمي أخطائكم وإهمالكم على الأهالى البسطاء الذين لا يجدون مياهًا صالحة للري.. فهل لديهم مياه للري وتركوها؟" واصفة تلك المأساة بكارثة بيئية وصحية المسئولين في غفلة عنها، وكان الله فى عون عرب أبو ساعد. وفي ما يتعلق بمياه الشرب قالت دياب: من حسن الحظ أنه عند أخذ عينة من مياه الشرب ثبت خلوها تمامًا من الملوثات ومطابقة كيميائيًا وبكتيريولوجيًا للمواصفة القياسية المصرية رقم 190/2006 لمياه الشرب. وأعربت د. إيمان دياب عن أملها في سرعة استجابة وزير البيئة لنداء الأهالي لتحسين الوضع البيئي الكارثي بقرية عرب أبو ساعد، خاصة بعد أن تقدمت بمذكرة تتضمن تقريرًا عن معاناة القرية، كما ناشدت مجلس الوزراء والمحليات للاهتمام بهذه القرية وغيرها من القرى إيمانًا بما نادت به قيادات الدولة العليا بضرورة أن يعمل كل مصري في مجال تخصصه ولا مكان لمن يتكاسل أو يتخاذل، ومازال الأمل كبيرًا في بيئة نظيفة وهواء نقي.