عبد الرحمن الأبنودي، تاريخ كبير يصعب اختزاله في سطور، فهو الشاعر الكبير، ابن قرية أبنود التى شحذت شرارة الشعر لديه منذ طفولته من خلال سماعه وترديده "السيرة الهلالية وتراث أبنود" حتى عزف مقطوعته الخاصة وملأ ربوع المحروسة بشعره الوطني والعاطفى والاجتماعي والسياسي. الأبنودى، الذى تربي بين "أحضان الحبايب، وكان كلما يقول التوبة ترميه المقادير"، رمته مقاديره مرات عدة فى سجون الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورغم ذلك قال فيه بعد عدة عقود من رحيله: اسمه جمال وجميل فعلا ياما شفنا شجعان خوّافة، عظيم وكان "إنسان طبعا.. المجد مش شغل صحافة.. علشان ده عاش عبد الناصر.. أعداءه كرهوه ودى نعمة"، من كرهه أعداؤه صادق..فى قلبه كان حاضن أمته، وقد أثبتت الأيام أن كلامه كان حقيقيا. رحّب "الخال الأبنودي" بثورة 25 يناير فى أولى أيامها وكتب قصيدة "الميدان" وقال فيها: عواجيز شداد مسعورين أكلوا بلدنا أكل ويشبهوا بعضهم نهم وخسة وشكل طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع وحققوا المعجزة صحوا القتيل من القتل جاءت ثورة 30 يونيو بعد ذلك فباركها هى الأخرى ودعا إليها من خلال مربعاته قبل أن تحدث، وفي ذكراها الأولى أعاد الأبنودي نشر قصيدة "من كتاب الثورة" ، وأزعجت هذه القصيدة بعضا من شباب الثورة وحدث الكثير من اللغط فى الأيام الماضية وصل إلى إشاعة نبأ وفاة الشاعر الكبير وهذا ما أزعجه كثيرا، لذا يوضح لنا الخال الأبنودي من خلال حوارنا معه هذا الأمر، رأيه فيما يتعرض له قطاع غزة من عدوان إسرائيلي وحشي، وحقيقة الخلاف بينه وبين بعض شباب الثورة، ورأيه فى ارتفاع أسعار الوقود ونصائحه للمسئولين بمجلس الوزراء ووزارة الداخلية.. والى نص الحوار. يتعرض قطاع غزة لعدوان إسرائيلى عسكرى وحشى غاشم منذ أيام أطلقت عليه اسم الجرف الصامد.. وكالعادة تتباين ردود الفعل الدولية تجاه المجزرة ..ما تعليقك؟ لقد نسينا فى هول ما جرى لنا فى السنوات الثلاث الماضية أن عدونا الأساسى (إسرائيل( استرد عافيته فى تناحرنا ولقد نسي الأخوة فى غزة وتفرغوا لنا ولغيرنا فاشتد ساعده وصارت له الكلمة العليا فى فلسطين الآن. وكان بدلا من أن تتجه سهام الرفاق إلى عدو الأمة كلها اتجهت إلينا، ولما تفرقت الأهداف وضعفت وصار إطلاق الصواريخ على إسرائيل اشبه بالرسوم الكاريكاتيرية وأصبح أمرا بعيدا بعيدا جدا عن الواقعية. فلم يعد هناك ما يمنع إسرائيل من أن تعمل حسابا لأحد، فلقد تفرقت قوة الأمة العربية وتمزقت البلدان و اجتاحتها جيوش المغول والتتار وساهمت حماس بقدر لا ينقصه الحماس فى ذلك. وها قد جاء أوان القضية الأصلية وموازين قوتها لتتبدى لنا الغطرسة الإسرائيلية بذلك المسلك الوحشى الذى لا يرحم براءة طفل أو حرمة إمرأة ورخص اللحم والدم. لم يعد من الممكن اختطاف أو قتل إسرائيلى دون عقاب ولم يتبين الأخوة فى حماس أن الغرور شئ وأن القوة شئ آخر، ولا يكفى الصوت العالى ولا الاستعراض فى شوارع غزة بالرايات السوداء والبنادق التى لا تعرف الاصدور الأصدقاء. أما مصر "أم العرب" وفى أقصى حالات ضعفها وهزالها لم تتخل عن دور الأم الراعية ولا تعامل أبناءها فى الأمة العربية بالمثل ولذلك بدأت التحرك من أجل إيقاف هذه المجزرة وان كان لابد لها ان تسرع إيقاعها فى هذا الاتجاه. كيف توفق بين التعبير عن آرائك السياسية دون ان تفقد القيم الشعرية العالية؟ نحن جيل استيقظ على العدوان الثلاثى فى مصر عام 1956 وبدأت أولى قصائدنا ومنذها ونحن والوطن فى حالة من الوفاق والرفاقة والود النبيل لقد وهبنا الوطن شعرنا فوهبناه حياتنا، وتقبلنا ثمن مواقفنا نبلا ورضا، سجنا وقطعت أرزاقنا وطردنا ونفر منا الرفاق وتحاشانا من يعرفوننا فلم نتأثر ولم يتوقف الشعر عن الشدو بهموم الوطن اما الشعر نفسه فله قداسته ولايمكن أن نفرط فيه ثمنا لموقف سياسى حتى لو كان نبيلا فالشعر شئ يأتى من الأعماق محملا بكل تجاربنا الحياتية وثقافتنا ووعينا الذى تكون عبر السنين وفى نفس الوقت نحن نعيش الوطن كأنه قضية ذاتية فقد يكون بعض الشعراء أكثر التصاقا بالحبيبة ولكننى وأحد من الذين التصقوا بالحبيبة مصر ورأوا فيها وفى أحوالها وما يستجد عليها من وقائع وظروف وأحوال ما يغنى أشعارى ولا يجعلها فى درجة اقل من الحبيبة، أن حبيبتى اكتبها فى أغنية سريعة تتغنى بها مطربة أو مطرب أما الوطن فأغنية بنفسى من أعماق أعماقى فهو صديقى وأنيس وحدتى نقتسم الحلم والهم والرؤى.. كيف تلقيت شائعات وفاتك ؟ أولا الموت علينا حق، وهو الحقيقة الوحيدة فى الوجود وإذا لم أمت اليوم سأموت غدا حتى الذين أشاعوا نبأ وفاتى سيموتون أيضا يوما ما وفى النهاية يبقى عمل الإنسان. ولكن لماذا ظهرت هذه الشائعات فى هذا الوقت تحديدا ؟ هذا الأمر يعتبر جديدا بالنسبة لي، فانا كنت شخصا محبوبا من الجميع, ولكن منذ أن جاء الإخوان إلى الحكم حدثت قسمة فى مجتمعنا وحدثت فجوة بين المصريين وبعضهم البعض ، وهذا شئ لم يحدث من قبل، كان ممكن أن تهاجم فاسدين أو حكاما ظالمين اما ان يأكل احدنا الأخر فهذا شئ جديد علينا وخاصة وأننا نعلم علم اليقين أننا فى خندق واحد وان الإخطار لن تفرق بيننا ولن تترك أحدا إنما نحن كشعب دائما كنا شيئا واحدا، ففى أول أيام ثورة 25 يناير قلت: آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز، مع إننى عجوز لكننى مؤمن بالشباب إلى هذا الحد ومؤمن بثورة الشباب والتى هى ثورتى أيضا فقد عشت اغني انتظارا لها ، وما يحدث هذه الأيام اختلط فيه الحق بالباطل واختلط العداء ولم يعد العداء مفهوما ..ومن اجل من .. فى قطاعات كبيرة من الشعب. أنت الآن لا تستطيع التمييز بين موقف الشباب الذي يهاجم السيسي والجيش وكل شئ خاص ب30 يونيو والإخوان المسلمين، فالاثنان يقفان على أرضية واحدة ،وهناك مقولة تقول :أن أقصى اليسار هو أقصى اليمين، فعندما تتطرف إلى أقصى اليسار تجد نفسك أقصى اليمين، فالشباب فى تطرفه العنيد ضد الجيش وضد السلطة الجديدة وضد ثورة 30 يونيو، أراه يقف مع الإخوان على أرضية واحدة. لذا شائعة موتى جاءت من هؤلاء الشباب ومن الإخوان بنفس القدر والاثنان يجتهدان نفس الاجتهاد ، هؤلاء الشباب من الممكن ألا يكونوا مدركين انهم يقفون مع الإخوان على أرضية واحدة على الرغم من أنهم من الممكن إن يهاجموهم. فى رأيك ما مشكلة هؤلاء الشباب الحقيقية؟ فى الواقع العملي وفى لعبة السياسة التي لنا فيها مشوار طويل ووعر,فقد ناضلنا ودخلنا السجون، بعكس هؤلاء الشباب الذين يمارسون السياسة عن طريق الموبايل والتويتات والفيس بوك، نحن ألان فى كارثة فالشباب الجديد لا يقرأ ولا يخوض تجربة حقيقية من ذاته، أنما تملى عليه الأشياء على هيئة نكت أو سطور قليلة وذلك من كثرة تداول هذه الأشياء ومشاركاتها لزملائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي،لم يعد موجودا هذا المثقف الذى كان يقرأ بجدية ويكتسب وعيه الذاتي بنفسه بحيث يصبح حرا - لا يضحك عليه يميني ولا يضحك عليه يساري ولا يخدع بوساطة هؤلاء المحترفين والمختبئين خلف أجهزة التواصل الحديثة لحساب جهات تعادى شعبنا وهؤلاء هم من اقصدهم بالعملاء والخونة ولست اقصد الشباب فابنى وابنك لا استطيع أن اتهمهما بالعمالة أو الخيانة وإنما هما ضحية الخداع المدبر والخبيث فالذى يحدث الآن، مثلما يؤمن الإخوان بالطاعة فهؤلاء الشباب أصبح يفعل الكثير من الأشياء بدون أن يناقشها، فإذا قالوا له إن عبد الرحمن الأبنودي عظيما يكون عظيم بالنسبة لهم، وإذا قالوا له أن الأبنودي ندل وخائن يكون الأبنودي فى نظرهم كذلك، ليس لديه ذات لأنه لم يبدأ بالطريقة الصحيحة، هو وجد 25 يناير فى الميدان فذهب إلى الميدان واعتبر انه ثوري وشارك فى الثورة، فأن يتحرك شباب مصر ويشارك فى الثورة فهذا شئ جميل، ولكن بعد ذلك عندما يعود الى بيته يجب ان يقرأ ويعرف ما معنى الثورة ؟ ما هو التغيير الذي نريده؟ وعندما يأتى الإخوان لسرقة ثورتنا لابد أن تناضل وتقوم بعمل ما حدث فى30 يونيو لكي تسترد. وجيلي قصّر كثيرا فى أن يعرف عالم الشباب لأن هؤلاء هم زاد الثورة وزاد الأمة. ولا يصح أن نفرط فيهم حتى لا يتشتتوا ويخدعهم من يخدع ويأخذهم فى مسالك وطرق بعيدة مثل النهر الذي يضيع فى الرمال. لقد تعرضت أنت شخصيا للتخوين والعمالة لمجرد انك كنت تعارض أحد الحكام ؟ أيام عبد الناصر كانت الدنيا كلها معه، وعبد الناصر رجل ثورى عظيم، بنى مصر وناضل ضد الاستعمار ووزع أراضي الأغنياء على الفلاحين ورجل نادر فى التاريخ، نحن كشباب حينذاك سيطر علي تفكيرنا من كانوا ضد عبد الناصر وراحوا يقولوا لنا هذه رأسمالية الدولة كذا.. وعبد الناصر كذا وكذا، فوجدت نفسي أصبحت ضد عبد الناصر وأنا فى الأساس ابن لناس غلابة، وهذه الظروف من السيطرة على التفكير من قبل الغير مررت بها وأعرفها لذلك اعذرهم، وعلى الرغم أن أهلي كانوا فقراء جدا وجدت نفسي اشتم فى عبد الناصر واشتم فى رأسمالية الدولة اللى كذا وعملاء الاستعمار.. حتى وجدنا أنفسنا فى السجن، وكنا فخورين جدا بأننا فى السجن!! كيف كان شعورك بعد ان اكتشفت انك دخلت السجن نتيجة قضايا عبثية ووهمية ؟ بعد أربعين عاما من رحيل ناصر مدحته فى قصيدة, بعد أن عرفت قيمته، وكل هؤلاء الشباب ربما يغيرون من تفكيرهم يوما ما، ، مصر ستتحرك وستموج، لأن الخارج لن يتركنا ولا الذين بالداخل على مقدرة بأن يأخذوننا للطريق الصحيح وهذا الشباب فى داخل هذه التجربة الرهيبة سيسترد وعيه مرة أخرى. هل من تقصدهم فى قصيدتك الشباب المحسوبون على الثورة وألان هم فى خندق الإخوان والذين يرفعون هتافات مسيئة للجيش ؟ أولا هذا ما يفعله الإخوان وليس شباب الثورة، هؤلاء الشباب لا يذهبون لحرق مديريات الأمن، ولكن شباب الثورة معاد لكل ما مع 30 يونيه، ليه ؟ دعنا نتناقش الأمر؟ هو يرفض المناقشة والتفاهم، فهل كان يريد للإخوان أن يستمروا، أو ننتظر حتى تنضج الحركة الجماهيرية وتقتلع الإخوان بعد مائة عام مثلما قال مرسي أنهم سيستمرون 500 عام، و لو لم يقف الجيش مع ثورة الشعب فى 30 يونيه، الإخوان كانوا سيستمرون وكانوا يحكمون ضد مصر فى كل مكان. ومن الذى قال لك أن 30 يونيه ثورة تُدان ؟ إذا كان نحن لا ندين 25 يناير التى أتت بحكم الإخوان واكتشف من خلالها عناصر كثيرة من الخونة والعملاء وأيضا نحترم ذلك ونسكت، على الرغم ان 30 يونيه ليس بها عملاء ، 30 يونيه ثورة الشعب الحقيقي الذي خرج ليصحح ثورتنا الأولى التى أصابتها انتكاسة.