وزير الأوقاف يكلف مديرين جديدين لمطروح وبورسعيد    وزير التموين : استمرار الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير زيوت الطعام بأسعار تنافسية    الاستثمار السياحي يعيد التوازن للاقتصاد المصري    تهجير قسرى    الخبير الأمني الأمريكي مارك توث: الدعم السريع يمارس إبادة جماعية    ألبانيا ضد إنجلترا.. توماس توخيل يوضح موقفه من غضب اللاعبين    يوسف إبراهيم يتأهل إلى نهائي بطولة الصين المفتوحة للإسكواش    عزاء صبري.. نجليه في الزمالك.. إصابة ثلاثي المنتخب.. ومستحقات فيريرا| نشرة الرياضة ½ اليوم    حقيقة مفاوضات الأهلي مع أسامة فيصل وموقف اللاعب    المحكمة تغرم 10 شهود في قضية سارة خليفة لتخلفهم عن حضور الجلسة    مخاطر الإدمان وتعاطى المخدرات في ندوة بجامعة دمنهور    أحمد مالك: أقتدى بالزعيم خلال اختيار أدواري.. والسقا قدوتي في التمثيل    متحدث الأوقاف يكشف كواليس دولة التلاوة.. ويؤكد: نفخر بالتعاون مع المتحدة    المنيا تتألق في انطلاق المرحلة السادسة من مسرح المواجهة والتجوال    من مقلب قمامة إلى أجمل حديقة.. مشاهد رائعة لحديقة الفسطاط بوسط القاهرة    خالد عبدالغفار: 95% من المترددين على مستشفى جوستاف روسي ضمن التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    برلمانى: الصفقات الاستثمارية رفعت محفظة القطاع السياحي لأكثر من 70 مليار دولار    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    ذكرى اعتزال حسام حسن.. العميد الذي ترك بصمة لا تُنسى في الكرة المصرية    خبير أسري: الشك في الحياة الزوجية "حرام" ونابع من شخصية غير سوية    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    المصارعة تشارك ب 13 لاعب ولاعبة في دورة التضامن الإسلامي بالرياض    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    اليابان تحتج على تحذيرات السفر الصينية وتدعو إلى علاقات أكثر استقرارًا    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    جيراسي وهاري كين على رادار برشلونة لتعويض ليفاندوفيسكي    أسامة ربيع: عبور سفن عملاقة من باب المندب لقناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    للأمهات، اكتشفي كيف تؤثر مشاعرك على سلوك أطفالك دون أن تشعري    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرصة لتأمل أحواله.. ترانيم الإنسان المعذب فى أفلام مهرجان كان
نشر في بوابة الأهرام يوم 28 - 05 - 2014

كعادتها كل عام، استطاعت الافلام المعروضة بمهرجان كان السينمائى الدولى ان تمنح فرصة ضخمة لتأمل حال الانسان فى العالم. ليس فقط بأفلام المسابقة لكن بكل الاقسام الموازية. وجعلتنا نستطيع ان نرى ان الظرف العالمى الخالى يدخل الإنسان فى متاهات وانفاق مظلمة ربما أكثر من التى كان يعانيها فى ظل ازمنة اقل تطورا، وعوالم اقل فرصا من الممنوحة له اليوم.
شاهدنا حفنة من الافلام لاهم صناع السينما فى العالم عن فشل الانظمة الاجتماعية الاوروبية فى ضمان الحد الادنى من الكرامة لمواطنيها. منها فيلم ( يومان وليلة) لمخرجى بلجيكا الاكبر الأخوان بيير ولوك داردان، الذى ارتكز على موقف درامى عبقرى يترجم الخلل فى المجتمعات المسماة نيولبيرالية.
فالفيلم التى قامت ببطولته النجمة الفرنسية ماريون كوتيار يحكى عن ساندرا الموظفة فى احد مصانع الطاقة الشمسية التى تتعرض لانذار بالفصل من العمل بسبب مرضها بالاكتئاب اكثر من مرة. لكن مديرها يعقد الموقف بقيامه باقتراع سرى بين زملائها لاستبعادها فيوافقون. الحبكة الدرامية قائمة على طلبها من المدير اعادة اجراء الاقتراع مرة اخرى لانها تتهمه بالتأثير عليهم. وطوال الفيلم تقوم ساندرا بالمرور على زملائها لاقناعهم بالتصويت لها، خاصة بعد ان قال المدير لهم انه سيخصم مبلغ 1000 يورو قيمة مكافأتهم السنوية لتدبير مرتب زميلتهم.
وعلى قدر ما تواجه ساندرا بردود فعل كثيرة عنيفة من بعضهم، تدفعها للانتحار بعد احدى المرات. لكنها تفاجأ برقة قلب كثيرين حتى ممن هم ظروفهم اسوأ منها ماديا. مثل شاب من افريقيا عقده مؤقت ومهدد من المدير، ورجل من اصول عربية، بل وسيدة بلجيكية زميلة لها تركت زوجها وطلبت منه الطلاق عندما كاد يضربها بسبب رغبتها فى الوقوف بجانب زميلتها.
التباين فى المواقف الانسانية تجده فى اى بلد بالطبع، لكن الصدمة هنا ان نظاما اجتماعيا اوروبيا مثل البلجيكى -التى تستضيف مقر الاتحاد الاوروبي- لا يوجد به ضمانات كافية لحماية الموظفين من الطرد فى اى لحظة. وهو ما يضحد الاساطير عن احترام البشر الى اقصى حد فى البلدان الاوروبية. وليس الحال بافضل فى روسيا مثلا، ففيلم Leviathan الحائز على جائزة السيناريو بالمهرجان يتحدث عن نهاية العالم بالمعنى الانسانى والفلسفى من خلال رجل مهدد بالطرد من بيته فى شمال روسيا مع زوجته وابنه، من عمدة المدينة الذى حصل على الارض المقام عليها بيت، بحيلة وبسعر بخس .
وعنوان الفيلم المستمد من الكتاب المقدس معناه «وحش يمزج بين الحوت والتمساح والثعبان فى ذات الوقت»، وهو رمز للمجتمع الذى يلتهم الانسان بفضل كثرة الصراعات التى يخوضها والاطماع التى تحيك به. عمدة المدينة الثمل البارد الذى يريد طرد الرجل يذكرك ببطل فيلم كل رجال الملك (1949) وكذلك بشكل بوريس يلتسين !! يلجأ البطل لصديقه المحامى الذى قدم لانقاذه من موسكو ليتضح بعد ذلك ان هذا لم يكن هدفه. بل اقامة علاقة مع زوجة صديقه وهذا ما نجح فيه.
يظهر الفيلم عالم من الرجال المليئين بالعنف النفسى والجسدى ينفثون نارا طوال الوقت ورغبة فى الايذاء. بينما يسخر الفيلم فى مشهدين بالمحكمة من تلاوة آلية لنصوص قوانين جائرة لا تطبق الا على الضعفاء. كثيرة هى ملامح التأثر فى هذا الفيلم بالافلام العالمية الشبيهة مثل العهد القديم لاليا كازان، والتضحية للروسى العظيم تاركوفسكى وكذلك بأعمال تشيكوف. وبفيلمه السابق الينا وبهذا الفيلم اصبح المخرج اندريه زفياجنتسيف من اهم مخرجى روسيا واروربا.
اما ما سمى بتحفة المهرجان هذا العام فكان فيلم ( البيات الشتوى ) للمخرج نورى بلجى سيلان. و نحن هنا بإزاء ترنيمة اخرى حادة من عذابات البشر. قصة الممثل المتقاعد أيدن الذى مازال يحلم بلعب دور ( آله) رغم أنه تقاعد ويقيم بفندق يديره ضمن عدة املاك فى منطقة الاناضول. وعندما يهجم الشتاء تبدأ معاناة الشخصيات فى الظهور. يبدو البطل كرجل نبيل مشغول الان بكتبه ومقالاته فى مجتمع جاهل وبدائى حتى يسقط القناع عنه ليبدو شخصا انانيا ومستعبدا للاخرين كما تتهمه زوجته الشابة التى بدأت تبحث عن طلاقها منه، رغم انشغالها فى العمل بالمشروعات الخيرية.
اهل القرى المجاورة يكرهونه لاذلالهم عن طريق رجاله وحتى اخته تعبر عن كونه شخصا لا يحتمل. ومساحة الفيلم الطويلة ( 3 ساعات ونصف) سمحت بروح تأملية هائلة سواء لعالم القاهرين او المقهورين. البيات الشتوى الذى يذكرنا بأعمال المخرج السويدى الاشهر انجمار برجمان، يظهر الى اى درك سحيق من التوحش والبؤس وصلت النفس البشرية فى المجتمع الحديث. امام القرية حمدى لا يتوقف عن اذلال نفسه تزلفا للبطل الغنى، بينما يترك الاخير نفسه لشيطان الكبر والغرور وعبادة الذات. وبعد لقطات رائعة للاناضول فى وقت الشتاء مع مصوره المعتاد جوخان ترياكي، لا يجد البطل حلا لانقاذ حياته الا بالذهاب لمدينة اسطنبول مع زوجته. لكن بلا جدوى حيث لا امل فى انقاذ نفوس تيبست بفعل تحكم اسوأ الطباع فيها فى أسوأ الظروف. آفة الفيلم انه متخم بالحوار حيث لا مكان لاى متفرج لكى يتأمل أو يتفاعل، لكنه فى النهاية نوع من السينما السيكولوجية وجدت لها صدى عند متفرجى المهرجان ولجنة تحكيمه.
يبقى ألطف افلام المسابقة الرسمية وليس اعظمها هو ( حكايات متوحشة) للارجنتينى داميان زيفرون وانتاج المخرج الاسبانى الكبير بدرو المودوبار. وعن حق استطاعت القصص التى يحكيها الفيلم ان تؤكد لنا ان الحياة فى احد وجوهها هى العبث بعينه. لست قصص عن ستة شخصيات تصاب بالغضب والجنون بسبب مواقف اجتماعية تخرجها عن العقل وتضطرها لفعل اشياء غريبة خارج السياق المقبول.
اول قصة قبل التترات عن موديل تكتشف على متن طائرة ان حبيبها السابق جمع كل من قهروه وظلموه فى حياته على متن طائرة لينتقم منهم جميعا باسقاط الطائرة. حتى الناقد الذى كتب عنه بشكل سيئ وصديقه الذى خانه ومعلمته التى ضربته، الكل. وقصة اخرى عن مشاجرة لفظية بين سائقين على الطريق تتطور لسلسلة من ردود الفعل الانتقامية التى تؤدى بهما لكى يحترقا سويا.
وثالثة عن مهندس يقرر تفجير موقف ادارة المرور التى دأبت على سحب سيارته بالونش لوقوفها بأماكن مخالفة لكن ليست عليها علامات ممنوع الانتظار. وقصة اخرى عن رجل ثرى يريد التغطية على جريمة قتل خطأ قام بها ابنه الشاب وهو يقود، فيقع فى سلسلة من المؤامرات من محاميه والمحقق. وشابة تكتشف اثناء حفل زفافها ان عريسها دعا احدى عشيقاته للفرح، فتقرر تحويل الحفل لفضيحة كبيرة وتخونه مع الطباخ على سطح الفندق ثم تحطم عظام العشيقة، قبل ان ترتمى فى احضانه صافحة عنه فى النهاية.
الروح الكوميدية الوثابة بالفيلم لا تمنعنا من تحليل المجتمع الارجنتينى وما فعله بشخصياته الى حد وصولهم لهذا الجنون.
ثمة ثقوب وخلل بالنظام الاجتماعى هناك يصل بالفرد الى هذا الخرف. طبعا تحتل الهوة كبيرة بين الاغنياء والفقراء رأس المثلث وانتشار الفساد احد اضلاعه، وانهيار القيم يحتل الضلع الاخير. كل تلك الافلام وغيرها اثبتت ان وضع الانسان فى العالم الان هو منتهى البؤس، وانه لا حل له بالانعاق من هذا الهوان الا بالبحث عن حلول اخرى اكثر روحانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.