أكد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقي في حواره مع "بوابة الأهرام",أن ساعة تشكيل الحكومة العراقية قد حانت, مشددا على خطأ الاعتقاد بأن كل الكتل السياسية تستجيب لرغبات إيران، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن التحرك العراقى نحو العرب أسرع من الانفتاح العربى على العراق. وقال طارق الهاشمى نائب رئيس الجمهورية العراقية، إن أزمة تشكيل الحكومة العراقية باتت بالفعل فى طريقها للحل وإن ساعة تشكيلها قد حانت، نتيجة الضغط القوى لعامل الوقت ونفاد صبر الشارع العراقى، لكنه شدد فى الوقت ذاته على ضرورة التمسك بنهج الاعتدال واعتماد أسلوب الحوار بين القوى السياسية حتى اللحظة الأخيرة. وفيما يتعلق بكتلته " العراقية "التى تقدمت فى الانتخابات قال إنها تتخذ المواقف المناسبة وفق مايتلاءم مع الأحداث الجارية من تطورات. ولم ينف الهاشمى مدى النفوذ الإيرانى فى العراق بل وكلاعب أساسي في المنطقة بأسرها، ما يجعل غالبية الكتل السياسية العراقية الراغبة فى المشاركة فى الحكومة لا ينقطع حجيجها إلى طهران، لكنه يشدد على أنه " ليست كل الكتل السياسية العراقية تستجيب للرغبات الإيرانية". وحول تقييمه لتفاعلات تشكيل الحكومة فى ظل تغيير خريطة التحالفات من حين لآخر، قال إن هناك حراكا سياسيا نوعيا ناتجا عن الضغط القوي لعامل الوقت، والمشهد السياسي برمته يتطور باتجاه معالجة اللإشكالية الراهنة، فنفاد الصبر الشعبي يضع السياسيين أمام مسئولية إنهاء الجدل وإنجاز مهمة تشكيل الحكومة. الهاشمى عضو قائمة " العراقية 333" التى يتزعمها إياد علاوى رئيس الوزراء الأسبق والتى تأكد فوزها فى الانتخابات، تصر على أن تقود تشكيل الحكومة العراقية، لكن مع تبدل التحالفات وقوة النفوذ الخارجى، تواترت أنباء عن استعداد علاوى إلى التخلى عن رئاسته للحكومة، فى مقابل تنازل مناوئه نورى المالكى رئيس الوزراء المنتهية ولايته ما يعنى أن علاوى ليس متمسكاً برئاسته للحكومة المرتقبة . ويعلق الهاشمى على تلك الانباء بالقول: إن القضية ليست قضية تنازل أو تمسك، بل هي قضية استحقاق وطني يتمثل في هدف مركزي هو تشكيل فريق حكومي منسجم ذى برنامج فعال يعبر بصورة مثلى عن إرادة الناخب العراقي. ويوضح الهاشمى أن التسريبات التى تناقلتها وسائل الإعلام العراقية حول موافقة علاوى على التنازل عن رئاسة الحكومة إلى عادل عبد المهدى نائب الرئيس العراقى والقيادى فى المجلس الاعلى الاسلامى الذى يتزعمه عمار الحكيم زعيم الائتلاف الوطنى العراقى الذى يرفض دعم حكومة يترأسها المالكى هى معلومات تفتقد إلى الدقة، ويضيف الهاشمى " إذ إن كتلة العراقية ما زالت تعتقد أن حل الأزمة السياسية يكمن في رفع الظلم الذي لحق بها ليحرمها من استحقاقها الانتخابي والدستوري". طهران اللاعب الأبرز فى الساحة العراقية، تدرك كل القوى السياسية أنها لابد من أن تضع ختمها النهائى على عملية تشكيل الحكومة، وتوزيع الادوار والحصص فيها، وإن أقر الهاشمى بصحة بدورها ونفوذها إلا أنه يقول أن " الكتل السياسية العراقية وإن كانت تدرك هذا الدور لكنها ليست جميعاً تستجيب للرغبات الإيرانية؛ لذلك لم تستطع ايران تحقيق المزيد. واشنطن التى أنهت مهماتها القتالية فى العراق، لتنسحب وفق الاتفاقية الموقعة مع حكومة المالكى عام 2007، تقلص بالفعل تأثيرها فى العملية السياسية العراقية وتتعامل مع ردود افعال القوى السياسية، أمر أكده الهاشمى وقال : بعد انسحاب الوحدات القتالية الأمريكية فإن الذي ينظم العلاقة مع الجانب الأمريكي اليوم هو (اتفاقية سحب القوات الأجنبية) و(اتفاقية الإطار الاستراتيجي) الموقعتان بين العراق والولاياتالمتحدة. وقد تقلص التأثير الأمريكي إلى حد كبير عشية توقيع هاتين الاتفاقيتين وهذا ليس أمراً جديداً. واشنطن لم تنسحب سياسيا وكانت خطة أمريكى لتجاوز الازمة قد طرحت مؤخراً تقضى بتقليص صلاحيات رئيس الوزراء ضمن ائتلاف حكومي ، لكن الهاشمى يرفض ذلك ويقول إن ما يجب الحوار حوله هو "توصيف" صلاحيات مؤسسات الحكم وليس "تقليص" أو "توسيع" صلاحيات دستورية لمناصب معينة. مشيراً إلى أن هذا التوصيف لابد وأن يشمل مؤسسة مجلس الوزراء وغيرها من المؤسسات. وفى الشأن الأمريكى أيضاً كشف النقاب عن قيام الحكومة العراقية بدفع مبلغ 400 مليون دولار لعائلات أمريكية تأثرت نفسيا بسبب الغزو العراقي للكويت . وحول مدى أن تسهم خطوة مثل تلك فى خروج العراق من تحت طائلة البند السابع من الأممالمتحدة، أوضح الهاشمى : لو تسنى للعراق استمرار الالتزام الأمريكي بحماية أرصدته من دعاوى التعويضات لما كان هذا الإجراء ضرورياً. كما إن رفع الحصانة الأممية عن الأموال العراقية في نهاية 2010 تطلب إجراء تسوية مالية مع المدعين كخطوة حمائية لتفادي سحب تعويضات ضخمة من أموال (صندوق تنمية العراق). والبعد السياسي لهذا الإجراء يتمثل في فتح باب التسويات للقضايا المتعلقة بخضوع العراق للبند السابع، وتكريس التزام الولاياتالمتحدة بمساعدة العراق على الخروج من تحت طائلته. وفي كل الأحوال فإن اتفاقية التسوية لن تكون نافذة إلا بعد مصادقة مجلس النواب الجديد عليها. ما بين مطرقة الداخل وسندان الخارج تتزايد وتيرة العنف الداخلى، التى يرى الهاشمى أن تلك الحالة هى التى ساهمت فى تخليق البيئة المناسبة للعنف والارهاب. وأضاف نائب الرئيس العراقى أن المشهد السياسي اليوم والذى يقضى برسم إعادة التشكيل السياسى على أساس انتخابات مارس 2010 ومع وانسحاب القوات الأمريكية، سمحت قوى الارهاب المختلفة صعدت من عملياتها في محاولة لفرض أجنداتها على المشهد الجديد. وعليه، ينبغي إنهاء الأزمة السياسية وبلورة مشروع وطني تضامني حقيقي يكبح المشاريع الإرهابية والتخريبية. وحول رؤيته لمعالجة الموقف فى هذا السياق قال " رؤيتنا في معالجة الموقف تعتمد الحوار والاعتدال والعقلانية للمحافظة على الوئام الوطني كثابت محوري وبوصلة أساسية. وسيكون لنا موقف مناسب بالتأكيد للتعامل مع التطورات". لكن هل يمكن أن يعود الشارع العراقى إلى سيناريوهات الانفلات والحرب الاهلية التى شهدها ما بين عامى 2004 و2006 ؟. عن ذلك أجاب نائب الرئيس العراقى بقوله " أقول بثقة إن العراق لن يقع في براثن الحرب الأهلية كما إن حقائق الوحدة الوطنية التي يجسدها شعبنا بتلاحمه تبدد شبح التقسيم. لكن هذا لا يعفي السياسيين من مسؤولية بلورة إرادة سياسية وطنية متضامنة تحفظ التماسك الاجتماعي وتمضي في مشروع بناء الدولة". فى السياق ذاته تثور الشكوك حول مدى جهوزية قوات الأمن العراقية فى الامساك بزمام الأمور ، وضبط الشارع ، لكنه الهاشمى يبرر ذلك الموقف بقوله إن" حفظ الأمن الوطني ليس ملفاً عسكرياً فقط بل هو ملف سياسي واقتصادي وثقافي أيضاً. وينبغي السعي لتحقيق معادلة محلية وإقليمية ودولية تحفظ أمن العراق بمفهومه الشامل. كما أن إدارة الملف الأمني بحاجة إلى مراجعة حقيقية وشاملة، اضافة إلى دراسة وضع القوات المسلحة والاجهزة الامنية ومواصلة تأهيلها بما يتناسب مع حاجة البلاد للاكتفاء ذاتياً في مواجهة التحديات الامنية في الحاضر والمستقبل". وعن المحيط العربى للعراق والذى لا يذكر إلا فى حضور النفوذ الأقوى للقوى غير العربية ، اكتفى الهاشمى بأن يعلق على غيابه بالقول "إن ما نطلبه من أشقائنا العرب هو مساندة العراقيين لبناء مستقبلهم في ظل تحديات تتجاوز امكاناتهم الذاتية. مشيراً إلى أن التحرك العراقي نحو العرب يسير بوتيرة أقوى وأسرع من الانفتاح العربي على العراق. وما زال أمام أشقائنا العرب فعل الكثير. ويأمل فى الوقت ذاته أن تستضيف بغداد فى مارس المقبل القمة العربية . وأشار إلى أن فرصة انعقادها ما زالت قائمة، لكنها مسؤولية مشتركة بين العراق والدول العربية، إذ يمكن لعقد هذه القمة أن يكون قصة نجاح عربية. ونحن حالياً نعمل على تهيئة البيت العراقي سياسياً ولوجستياً لاستقبال القادة العرب. وبانتظار أن تؤدي الدول العربية دورها في إنجاح القمة المرتقبة من خلال الانفتاح الحقيقي على العراق واحترام خيارات العراقيين وحقهم في بلورة وإنضاج تجربتهم.