رغم التعديل الوزاري الواسع الذي أجراه بشكل عاجل مساء الأربعاء، لا يزال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الخميس في موقف ضعيف بسبب فضيحة الفساد غير المسبوقة التي تهز البلاد والتي يبدو أنها باتت تهدد أسرته مباشرة. وعوضا عن تهدئة العاصفة السياسية التي آثارها القضاء الأسبوع الماضي توارى التعديل الحكومي ليطغى على الساحة الصراع المستعر بين مدعي اسطنبول المكلفين التحقيق في الملف وبين قيادتهم على خلفية الحرب المفتوحة بين السلطة الإسلامية المحافظة ومنظمة الداعية الإسلامي فتح الله غولن. وبعد أيام من الشائعات أكدت وسائل الإعلام التركية الخميس أن التحقيق بدأ يتجه إلى أحد نجلي أردوغان. وذكرت صحيفة ملييت أن رئيس الحكومة أعرب عن قلقه للمقربين منه قائلا "الهدف الرئيسي لهذه العملية هو أنا". وتوقعت صحيفة جمهوريت المعارضة "زلزالا" في قمة الدولة مشيرة الى تورط منظمة غير حكومية هي المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية (تورغيف) التي يرأسها بلال نجل أردوغان الكبير في هذه الفضيحة. وفي هذا المناخ من الشائعات المستمرة انكشف علنا الصراع المحتدم في الكواليس بين مدعي اسطنبول المكلفين التحقيق وقيادة الشرطة التي أصبحت مطيعة للنظام بعد خضوعها لعملية تطهير واسعة النطاق. وكشف أحد المدعين وهو معمر أكاش أن الشرطة رفضت تنفيذ أوامر الاعتقال التي صدرت ضد نحو 30 مشتبها بهم إضافيين وخصوصا من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 ومن رجال أعمال. وقال أكاش في بيان صحفي غير مسبوق "ليعلم كل زملائي وأيضا الجمهور بأنني منعت كمدع من فتح تحقيق" منددا ب"ضغوط" من الشرطة وقيادتها. ورد رئيسه مدعي عام اسطنبول توران تشولاك قاضي مؤكدا أن قضاة التحقيق لا يستطيعون فتح "تحقيقات جزافية" لعدم التسبب في حالة فوضى داخل المؤسسة القضائية. ويرى المراقبون أن هذا النزاع يعكس المنحى الذي اتخذه الصراع الدائر بين حكومة أردوغان وحلفائها السابقين في جماعة غولن الواىسعة النفوذ داخل جهازي الشرطة والقضاء التركيين. وقبل اربعة اشهر من الانتخابات البلدية يبدو ان حرب الاخوة بين الاسلاميين احتدمت بعد القرار الذي اتخذته الحكومة في نوفمبر باغلاق "الدرسخانة" اي المدارس الدينية الصغيرة التي تعد المصدر الاول لتمويل جماعة غولن. وتوقع روسن شاكر المحرر الليبرالي في صحيفة وطن أن "تزداد هذه الحرب ضراوة لتتحول الى معركة بقاء بالنسبة لكل من الجانبين". وفي هذه الأجواء الملبدة التقى عدد من أعضاء الحكومة الجديدة الخميس مع الرئيس عبد الله غول في اجتماع لمجلس الأمن القومي. وشمل التعديل عشرة وزراء بينهم وزراء الداخلية والاقتصاد والبيئة. والوزيران الأخيران لهما نجلان متهمان في هذه الفضيحة. ومن الوزراء الجدد أفكان علاء وزير الداخلية المقرب من أردوغان والذي ترى المعارضة أن مهمته تتمثل في استعادة السيطرة سياسيا على الشرطة. واعتبر عبد القادر سلفي المحرر في صحيفة يني شفق المؤيدة للحكومة أن "رئيس الوزراء شكل حكومة تكاد تكون جديدة وشمر عن ساعديه ليواجه واحدا من اكبر التحديات في حياته". ولكن مساء الاربعاء خرج الالاف في مدن تركية عدة بينها اسطنبول وأنقرة وأزمير للتنديد بالفساد والمطالبة باستقالة أردوغان والحكومة . وهتف المتظاهرون ومعظمهم من الشباب "الفساد في كل مكان!" و"المقاومة في كل مكان!"، وهي هتافات استخدموها في موجة التظاهرات غير المسبوقة التي هزت البلاد في خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من حزيران/يونيو الماضي. كما أطلقت دعوات جديدة إلى التظاهر مساء الجمعة في ساحة تقسيم في اسطنبول، التي كانت مهد احتجاجات الصيف الماضي. وتهز هذه الاضطرابات السياسية الثقة في الأسواق. وهكذا، واصلت الليرة التركية هبوطها ليبلغ سعرها عند الاقفال 2,1277 امام الدولار مقابل 2,0907 الأربعاء، كما تراجع المؤشر الرئيسي لبورصة اسطنبول بنسبة 2,33% الخميس بعد تراجعه الاربعاء بنسبة 4,2%.