إن التراث عبر آلاف السنين يقول إن دير سانت كاترين الذي تم بناؤه هنا يشير إلى النقطة التي ركع فيها نبي الله موسى على ركبتيه قبل أن يتكلم إلى الله. هناك اختبأ هذا الدير في جبال الصحراء يحرسه الدارسون والراهبون والقبائل البدوية لقرون طويلة، هذا المحراب المقدس الحصين كان أكثر مكان معزول وبعيد عن الحضر في العالم أجمع. وبحسب تقرير لجريدة الواشنطن بوست نشر فجر اليوم السبت فالأمر لم يعد كذلك، فالحضارة قد وصلت إلى دير سانت كاترين في شكل طرق ممهدة تمكن السائحين من الوصول إلى هناك، وهي نفسها الطرق التي طالما أوصلت آلاف الحجاج إلى هذا المكان. ولكن ما وصفته الصحيفة بالعصيان داخل الجزء الشمالي من مقاطعة سيناء فضلاً عن عمليات الجيش العسكرية في هذه المنطقة لإعادة فرض النظام ألقت بظلال الهدوء على الجنوب في ما يتعلق بحركة السياحة إلى الدير والتي كانت مصدر رزق للقبائل البدوية التي كانت تعيش هناك. في أغسطس، أغلقت السلطات الدير أمام الزائرين كإجراء احترازي، وهو الإغلاق الثالث خلال 50 عامًا لم يدم أكثر من 3 أسابيع حيث عادت حركة السياحة على استحياء إلى المكان في حراسة قوافل أمنية مسلحة. ويؤكد الراهبون والبدو الذين يرتزقون من حركة السياحة أن العنف يدور على مسافة 300 ميل شمالاً فقط منهم، هناك حيث تقوم القبائل البدوية الغاضبة بتفجير أنابيب الغاز الطبيعي وتهرب الأسلحة والمخدرات والغاز عبر شبكات من الأنفاق المتصلة بقطاع غزة الذي تديره حكومة حماس المقالة من قبل الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية. وفي ظل فراغ السلطة الذي خلفته ثورة الخامس والعشرين من يناير فقد أخذ بعض البدو في هذه المنطقة في رفع الرايات السوداء الخاصة بالجماعات الجهادية وتشن حرب عصابات وابتزاز وخطف واغتيالات بحق رموز السلطة في البلاد. بصورة شبه يومية يطلق المسلحون في شمال سيناء هجمات ضد قوات الأمن، ففي أغسطس الماضي قام مسلحون باستهداف شاحنة تحمل 25 مجندًا وقتلوهم على جانب الطريق قرب إحدى نقاط تجمع قوات حفظ السلام. ولكن في الجنوب يحكي البدو لأطفالهم قصة قيام الإمبراطور الروماني قسطنطين بجلب محاربيه الماسونيين إلى سيناء في القرن السادس كي يبنو أسوار هذا الدير هنا ويحموا من خلاله الرهبان. فيقول سليمان جبالي أحد المرشدين السياحيين وأحد قصاصي تاريخ هذه المنطقة: "نعلم أولادنا أن الدير يعطينا الحياة ويجلب لنا الطعام على موائدنا". وما زال أحفاد تابعي الإمبراطور قسطنطين يكرمون هذه المهمة وكذلك يفعل الراهبون من خلال عباءاتهم السوداء ولحاهم الرمادية حيث سخروا أيامهم للصلاة التي يحافظون عليها في هواء الصحراء الطلق وهي أحد الطقوس المسيحية المقدسة. ومع تمهيد الطرق في اتجاه الدير في مطلع الثمانينيات بدأت صناعة السياحة تزدهر وحتى وقت قريب كان الدير يجذب حشود السائحين إليه، فقد تصل إلى 350 أتوبيسًا من السائحين يوميًا وهو ما يعادل آلاف الزائرين منهم وربما أكثر والذين يأتون من منتجعات طابا ودهب وشرم الشيخ بطول شاطئ البحر الأحمر الذي يكمن في قاعه جنة هواة الغطس البحري. أما الآن فلا يزور الدير سوى أتوبيس أو اثنين من السائحين. ويقول البدو الذين يعيشون في هذه المنطقة إنه لو اختفت السياحة وانتهت من هذا المكان فسيضطرون إلى سلك سبل أخرى لكسب أرزاقهم مثل تهريب الأسلحة والمخدرات وربما ما هو أسوأ. ففي العام الماضي تعرض أمريكيون للخطف فضلاً عن حادثة خطف إسرائيلي ونورويجي في مارس الماضي ولكن كباقي الحالات يتم إطلاق سراحهم في ما بعد. ويقول الشيخ موسى الجبالي الذي يدير إحدى المضايف في مدينة قريبة من الدير: "إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي كان هناك عرف سائد بيننا يجيز لنا قتل أي شخص يأتي من الشمال لإثارة المشكلات هنا في الجنوب". ويضيف متذكرًا عام 1990 إبان ازدهار السياحة الإسرائيلية في هذه المنطقة: "كانو يأتون بالخمسين سيارة ويستأجرون 50 مرشدًا ومائتي جمل".