"الفقراء لا يأكلون مؤشرات اقتصادية".. مقولة رفعها الخبراء وتغافلتها حكومات ما قبل ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث ركزت تلك الحكومات على كيفية تحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة، متناسية كيفية وصول مردودها لمحدودي الدخل الذين لا تعنيهم أرقام النمو ولا تعقيدات الموازنات ولا دهاليز تمويل العجز. وقامت وزارة المالية، بتغيير الهدف المعلن لها، من "زيادة معدل النمو الاقتصادى وتوفير فرص العمل مما يسهم فى رفع مستوى المعيشة للفرد والمجتمع ككل"، إلى "تحقيق التوازن بين الاستقرار المالى والنمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية"، الأمر الذي فتح الباب للتساؤلات حول كيفية تحقيق تلك العدالة والخطة التي يجب السير فيها بهذا الصدد. وقال الدكتور أحمد جلال، وزير المالية، إن الهدف السابق لم يكن يتضمن ما يشير إلى الوظيفة الرئيسية لوزارة المالية والمتعلقة بالموازنة والسياسات المالية المتبعة كما أنه لا يعكس التوجه الراهن للوزير والحكومة بوجوب التلازم بين كل من النمو الاقتصادى والاستقرار المالى والعدالة الاجتماعية. كانت الحكومات السابقة ل 25 يناير 2011، تركز على ارتفاع معدل النمو الاقتصادي الذي وصل إلى 7% بعهد حكومة الحزب الوطني السابق، إلا أن ذلك المعدل المرتفع لم يصل إلى الفقراء وازدادوا فقرًا، مما كان دافعًا رئيسيًا في قيام الثورة التي رفعت شعار "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية". وشدد وزير المالية على وجود عدد من الإجراءات المحددة لتدعيم العدالة الاجتماعية في الفترة المقبلة مثل تطبيق برنامج للدعم النقدي الذي يستهدف بشكل مباشر تحسين مستوى معيشة الفقراء، وكذلك برنامج لتحفيز الاندماج الطوعي للقطاع غير الرسمى في الاقتصاد. وتستهدف الحكومة الحالية تحقيق معدل نمو 3.5% بما يساهم فى خلق فرص عمل حقيقية بالتزامن مع وضع برنامج لتنشيط الاقتصاد المصرى والاستثمارات. وأضاف الوزير أن مفهوم العدالة الاجتماعية يتعدى تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية إلى أن تصبح أساسًا في جميع السياسات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة؛ مثل التوزيع الجغرافي للاستثمارات ونوعيتها التي تحقق أكبر قدر من التشغيل، بالإضافة إلى الاهتمام بالتعليم والصحة كأساس لتحقيق العدالة من خلال تهيئة الفرص المتساوية للمواطنين في سوق العمل". ووصلت نسبة البطالة بمصر إلى 3.6 مليون عاطل، بينما يقول الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن 51.3% من الشباب المصري البالغ عددهم 19,4 مليون نسمة فقراء، بينما تصل نسبة البطالة بين أولئك الشباب 28,3% خلال 2012. وقال الدكتور يحيي أبو طالب، أستاذ المالية العامة، إنه لا يوجد عدالة اجتماعية وإصلاح مالي إلا عن طريق النمو والتنمية اللذين يرتبطان بالأمن، موضحًا أن "العدالة الاجتماعية" من القضايا الحساسة والمهمة، وفي حال تحقيق معدل نمو يجب أن يخدم الفقراء، ودور الحكومة في أنها تعمل جاهدة على تحقيق ذلك. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 2.2% خلال الربع الثاني من العام المالي 2013/2014، مقارنة ب2.6% خلال الربع السابق عليه، و0.4% خلال الربع ذاته من العام السابق 2011/2012، ويأتي ذلك النمو في المقام الأول مدفوعًا بزيادة نمو الاستهلاك الخاص والعام. وأشار أبو طالب إلى العدالة الاجتماعية تقتضي تحديد الحدين الأدنى والأقصى للأجور، والالتزام بتوفير المخصصات التموينية ورغيف العيش للمواطنين، مشيدًا باعتراف الحكومة بوجود قصور في الخدمات الصحية بنسبة 80%، بما يضع الحلول للأزمة لمواجهتها. وقال إن التغيير في أهداف الوزارة لا يعني توجهًا نحو الاشتراكية، مضيفًا أن تحقيق العدالة الاجتماعية من ضمن مسئوليات الحكومة في أي نظام رأسمالي، كما تتضمن تلك المسئوليات أيضًا ضبط الأسعار، الذي أعلنت الحكومة خفضها بنسبة 20% مؤخرًا. كان الدكتور محمد أبو شادي، وزير التموين والتجارة الداخلية، قد أعلن خلال اجتماع موسع مع أعضاء مجلس إدارة الاتحاد التعاوني الاستهلاكي بالمحافظات، عن بدء الحكومة اتخاذ إجراءات وآليات جديدة لخفض أسعار السلع، بنحو 20% شهريًا. ويقول عبدالرحمن بركة، الخبير الاقتصادي والمصرفي، إن تحقيق العدالة الاجتماعية مفقود منذ فترة طويلة، ولكي يتم تحقيقها إيجاد نظم إنتاجية في إطار اقتصادي سليم، ومعدل نمو اقتصادي مرتفع واهتمام متزايد بالتعليم والصحة. وشدد على أن تحقيق العدالة يتقضي وضع رؤية كاملة وشاملة وذلك عبر توزيع الدخل بطرق منضبطة ووضع حد أدنى أقصى لأجور وضبط معدل التضخم والأسعار ومنع الاحتكار، مشددًا على أن ذلك دور الدولة في اي نظام ديمقراطي حر. وارتفع معدل التضخم السنوي لحضر الجمهورية خلال يونيو 2013 ليبلغ 9.8% مقابل 8.2% خلال الشهر السابق عليه، كما ارتفع معدل التضخم الاساسي خلال الشهر ذاته ليبلغ 8.6% مقارنة ب 8% خلال الشهر السابق. وحذر بركة من أن تحقيق عدالة مؤقتة دون وضع رؤية شاملة ومتكاملة سيؤثر بالسلب على معدل النمو فيما بعد، كما يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة. وبلغ عجز الموازنة 204.9 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو 2012 وحتي مايو 2013، مقابل 136.5 مليار جنيه في الفترة ذاتها من العام المالي السابق 2011/2012، فيما ارتفعت نسبة الدين المحلي لأجهزة الموازنة لتبلغ 80% من الناتج المحلي في نهاية مارس الماضي ليبلغ 1.38 تريليون جنيه مقابل 1.08 تريليون بنهاية الشهر ذاته من العام المالي السابق.