تعرض الاقتصاد المصري للعديد من الضغوط الداخلية والخارجية الاستثنائية وهو ما يستلزم من الحكومة المقبلة الاسراع باتخاذ اجراءات سريعة لعبور المرحلة الانتقالية بما يدعم من استقرار مصر الاقتصادي والاجتماعي. ويستفيد بما تتمتع به من مقومات هائلة وفرص استثمارية متعددة, هذه ليست شهادتنا ولكن شهادة صندوق النقد الدولي الذي نتوقع ارساله بعثة فنية لمصر فور استقرار الاوضاع السياسية والانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة ويجب ان نكون مستعدين بورقة عمل للاصلاح المطلوب حتي لا يفرض علينا احد روشتته للاصلاح. وبداية فان التقديرات تشير إلي بدء استعادة عدد من القطاعات الاقتصادية الهامة نشاطها ولكن بشكل تدريجي مثل السياحة التي حققت في النصف الاول من العام المالي الماضي معدل نمو حقيقيا قدره7.8% مقابل معدل نمو سلبي قدره-8.6% في العام الماضي والتشييد والبناء4.5% مقابل معدل نمو سلبي قدره-1.6% في العام الماضي, والصناعات التحويلية2.4% مقابل معدل نمو سلبي قدره-3.1% في العام الماضي والتجارة الداخلية2.6% مقابل معدل نمو سلبي قدره-0.1% في العام الماضي. هذه المؤشرات ساعدت علي تحقيق الاقتصاد المصري معدل نمو حقيقيا بلغ2.4% خلال النصف الأول من العام المالي الحالي مقارنة بمعدل نمو طفيف بلغ0.4% خلال نفس الفترة من العام الماضي, حيث لا يزال الاستهلاك النهائي هو المحرك والداعم الرئيسي للنمو الاقتصادي المتحقق حيث بلغت مساهمته في النمو نحو3.1 نقطة مئوية, بينما حققت صافي الصادرات مساهمة ايجابية في معدلات النمو المحققة بلغت نحو0.6 نقطة مئوية. ايضا من المتوقع أن يتراوح معدل النمو الحقيقي لعام2013/2012 ما بين2.5 و3% قبل ان تعاود معدلات النمو الارتفاع لتحقق نحو4% خلال العام المالي الحالي, إلا ان هذه المعدلات غير كافية لتوفير فرص عمل للداخلين الجدد الي سوق العمل سنويا والمقدر عددهم بنحو700 ألف شخص, وهو ما ظهر في ارتفاع معدلات البطالة لتحقق2,13% في مارس2013 مقارنة بمعدل بطالة بلغ8.9% في ديسمبر2010, وهو ما تزامن مع ارتفاع الضغوط الاجتماعية علي الموازنة في ظل مناخ اقتصادي غير قادر علي توليد الفوائض الكافية لتمويل الانفاق المطلوب. وقد بلغ متوسط معدل التضخم نحو6.5% خلال الفترة من يوليو إلي ابريل2013/2012 مقابل معدل تضخم قدره8.8% خلال نفس الفترة من العام المالي السابق. ولكن في ضوء استهداف تنفيذ العديد من الاجراءات الاصلاحية الهامة فمن المتوقع ان ترتفع معدلات التضخم خلال الفترة القادمة. والمتابع للملف الاقتصادي يدرك ان أهم التحديات الاقتصادية التي تواجهه مصر الآن هي تحقيق معدلات نمو وتشغيل مرتفعة ومستدامة يستفيد منها جميع فئات المجتمع وبما يسمح بتوفير فرص عمل حقيقية تستوعب اعداد الداخلين الجدد الي سوق العمل سنويا وكذلك توليد فوائض مالية كافية. وهذا هو خط الدفاع الأول لمحاربة الفقر ورفع مستوي معيشة المواطن المصري. ايضا نحتاج لتحقيق الاستقرار والاستدامة المالية من خلال العمل علي خفض نسبة عجز الموازنة ونسبة الدين الي الناتج المحلي وهو ما يتحقق بتوسيع القاعدة الضريبية والعمل علي اخضاع انشطة الاقتصاد السري للضريبة بالتوازي مع تقنين وترشيد الاعفاءات الضريبية. وترشيد حقيقي في الانفاق الحكومي خاصة دعم المواد البترولية والذي يستفيد منه الشرائح الاعلي دخلا بشكل كبير. كما يجب علي الحكومة الجديدة الاسراع في مواجهة الضغوط المتزايدة علي السيولة المحلية في ظل ارتفاع الاحتياجات التمويلية الحكومية وتوقف التدفقات الرأسمالية وتدفقات التمويل غير المباشر من الخارج, وهو ما انعكس علي ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع حجم ومعدلات نمو الاقراض للقطاع الخاص. ايضا هناك ضرورة للإسراع في تطبيق استراتيجية متكاملة للطاقة علي المدي المتوسط والطويل تشمل خفض الدعم وضمان إمدادات الطاقة الجديدة والمتجددة, وتراعي العدالة بين حقوق الأجيال.آخيرا لابد من الاعتراف بان هناك إجراءات اقتصادية صعبة يجب أن تنفذ ويتشارك في تحمل عبئها الجميع عدا الفقراء, وهو احد اهداف المبادرة الوطنية للاصلاح الاقتصادي التي يمكن ان تمثل اساسا للتحرك في الفترة المقبلة ولكن الخروج من دائرة الفقر حقا يحتم أيضا إعادة صياغة سياسة الدعم وآلياته والتي لم تنجح عبر العقود الماضية في السيطرة علي تزايد معدلات الفقر رغم مخصصات الدعم الضخمة في كل عام, وهو وضع يستوجب المراجعة نحو آليات أكثر فاعلية. هل يقبل المجتمع الانتقال إلي الدعم النقدي تدريجيا مع الحفاظ علي قيمته الحقيقية علي مر السنين؟