قال وزير الخارجية محمد كامل عمرو، إن الأزمات التي شهدها عدد من دول القارة مؤخراً تعزز من إدراكنا للترابط الوثيق بين إرساء السلم والأمن، وتحقيق التنمية في الدول الأفريقية، وتدعو إلى تطوير آليات إدارة وتسوية النزاعات والوقاية من اندلاعها. وأضاف كامل أن تلك الأزمات تجعل من الضروري تبني منظور شامل يأخذ بتجارب المصالحة الوطنية فى سياق جهود الاتحاد الإفريقي لمعالجة الأسباب التي تؤدي لاندلاع الأزمات والنزاعات في أفريقيا، خاصة أن تجارب تسوية النزاعات فى إفريقيا وخارجها أثبتت أن الاعتماد على الخيار العسكري وحده في التعامل مع ما قد ينشأ من مشكلات لا يؤدي إلى إنهاء النزاعات، بل وفي أحيان كثيرة ينتج عنه تفاقم هذه الأزمات وانتقالها إلى دول مجاورة. جاء ذلك في كلمة الوزير أمام اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي المنعقد بالجزائر اليوم، فيما شدد الوزير علي إن جهود المصالحة الوطنية لابد أن تمضى متلازمةً مع مساعي حفظ السلام وتثبيت الاستقرار واستعادة الأمن، وفق منظومة شاملة تتناول الأبعاد السياسية والأمنية والتنموية. وذلك من خلال مشاركة كل الأطراف السياسية، التى تؤمن بالحوار وتلتزم بنبذ العنف، فى عملية سياسية شاملة تحافظ على وحدة النسيج الوطني في إطار من احترام حقوق الإنسان والتعددية والأسس الديمقراطية وسيادة القانون. وقال الوزير إن قارتنا تمتلك خبرات ثرية وتجارب ناجحة بعدد من الدول في مجال المصالحة الوطنية ساهمت فى ترسيخ الاستقرار والديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية، وترى مصر أهمية الاستفادة من هذه التجارب فى إطار جهود تسوية ما هو قائم من نزاعات في عدد من مناطق القارة، وصولًا للتسوية الدائمة والأمن والسلام المنشودين. ولفت إلي إن ما تشهده بعض دول القارة من تحديات أمنية هو نتاج أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة الأبعاد أفضت إلى انتشار العنف والجماعات المسلحة والجريمة المنظمة العابرة للحدود، مما يدعونا لمعالجة هذه الأوضاع، من خلال الحوار وتلبية الاحتياجات التنموية لشعوب القارة، بما يسهم فى معالجة جذور الأزمات وليس أعراضها. كماأن مكافحة الفقر والتهميش واحترام حقوق الإنسان إلى جانب كونها التزامات على الحكومات تجاه مواطنيها، فإنها تمثل إحدى ركائز المصالحة الوطنية، ومن المهم أن تتضافر جهودنا لتمكين الدول المعنية من تلبية هذه الاحتياجات. وقال إن ما يتم من جهد دولى لتسوية النزاعات الإفريقية يقتصر على إدارتها دون وجود رؤية واضحة لكيفية تسويتها نهائيًا، مما يؤدي إلى استمرار العديد من نزاعات القارة، بل وتجددها، برغم كل ما يبذل من جهد، وعليه، فإن العبء يقع على أفريقيا لطرح حلول شاملة لمعالجة جذور النزاعات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بمرحلة ما بعد النزاعات، بما يحقق التكامل بين محاور السلم والأمن والتنمية والحوكمة وحقوق الإنسان. وأكد إن مصر تدعم جهود المصالحة الوطنية كأساس لتحقيق تسوية دائمة للنزاعات فى مالى والكونغو الديمقراطى والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا بيساو، كما أنها تساند جهود أفريقيا للاضطلاع بالدور الأساسي فيما يتعلق بإرساء السلام الدائم ودعم الاستقرار وبناء المؤسسات الديمقراطيةفي مالي ،وفق رؤية شاملة تحقق مصالحة وطنية جامعة وتأخذ بالأبعاد التنموية والسياسية للأزمة، بما فى ذلك اعتماد خريطة الطريق الانتقالية وتشكيل اللجنة الوطنية للحوار والمصالحة وعقد الانتخابات المرتقبة في يوليو 2013. كما تدعم مصر جهود تحقيق السلام والأمن فى جمهورية الكونغو الديمقراطية وتساند المسار السياسى الجارى لمعالجة الأزمة فى شرق الكونغو، بالتوازى مع جهود بعثة الأممالمتحدة لتثبيت الاستقرار، فى ضوء ما قد يمثله ذلك من فرصة للتوصل إلى حل دائم يحقق المصالحة ويعزز من جهود تحقيق الاستقرار بمنطقة البحيرات العظمى، كذلك بالنسبة للصومال تؤكد أهمية مواصلة دعم بناء مؤسسات الدولة الصومالية كأساس لنجاح جهود المصالحة وتدعيم الاستقرار وإرساء سلطة الدولة. وشدد علي أهمية استمرار دعم جهود المصالحة فى غينيا بيساو، وتضافر الجهود الإفريقية لدعم بناء مؤسسات الدولة، ومساندة العملية الانتقالية الجارية هناك. ورحب بمساعى المصالحة الشاملة واستعادة الشرعية الدستورية وتثبيت الأوضاع الأمنية فى جمهورية إفريقيا الوسطى، من خلال خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس وطنى انتقالى، وصولًا لإجراءانتخابات حرة بمشاركة مختلف الأطراف. وقال إن إيلاء مزيد من الاهتمام لموضوع المصالحة الوطنية يتطلب تركيزًا موازيًا على تعزيز قدرات دعم الوساطة فى إطار هيكل الاتحاد الإفريقى وإنشاء آلية مؤسسية مستقلة للتعامل مع الموضوع. وكذلك بالنسبة لجهود بناء السلام وإعادة بناء مؤسسات الدولة من خلال دعم سياسة الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد النزاع، كأساس لا غنى عنه لترسيخ الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية المنشودة. وفي ختام بيانه قال الوزير "لا يفوتني في ختام كلمتي أن أشير إلى أن الحديث عن تجارب المصالحة الوطنية في أفريقيا يستدعي إلى الذاكرة أحد الرموز الأفريقية الخالدة، الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي ستظل حياته دوماً دليلاً على أن المصالحة، والتمسك بالقيم والمبادئ الإنسانية، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار، هي سبيل الأمل لشعوبنا، وطريقها إلى المستقبل المشرق الذي تستحقه. واختتم عمرو قائلاً: "أنتهز هذه المناسبة، لأعرب عن صادق أمانينا ودعواتنا لمانديلا بالشفاء العاجل".
