صفوف طويلة من السيارات والحافلات والشاحنات تمتد لعشرات الأمتار وتبدو لأول وهلة وكأنها تقف اعتصاما أو احتجاجا في بلد بات يألف الاعتصامات والاحتجاجات، لكن تلك الطوابير الممتدة تصب في النهاية في بؤرة واحدة "محطة وقود"، والغاية هي الحصول على بضعة لترات من السولار أو بنزين 80. نقص الوقود في مصر أشعل فتيل أزمة زادت من معاناة المواطن العادي الذي تحاصره الاختناقات المرورية مع اصطفاف العربات عند محطات الوقود وفاقمت من محنة السائقين المنتظرين لساعات مع انقطاع مؤقت لمصدر رزقهم ومن تردي الوضع الاقتصادي نظرًا لتأثير الأزمة على قطاعات مختلفة. وبعد انتظار لست ساعات أمام إحدى محطات الوقود بالقاهرة، قال محمد حلمي، سائق حافلة صغيرة، إن حكومة رئيس الوزراء هشام قنديل هي المسئولة عن الأزمة بسبب سوء إدارتها وقلة خبرتها. وأضاف أن نقص السولار كان يحدث أيام نظام الرئيس السابق حسني مبارك لكن لم يكن الناس يتقاتلون أمام المحطات وفي الشوارع من أجل الحصول عليه. وسقط نحو 12 قتيلاً وأكثر من 200 مصاب خلال الشهور القليلة الماضية في اشتباكات بأسلحة بيضاء ونارية أمام محطات الوقود في عدة محافظات بسبب التكالب على السولار أو في هجمات غاضبة على المحطات من مواطنين انتظروا لساعات ولم يجدوا حاجتهم من الوقود. بل إن الغضب استبد بالمواطنين في مدينة المحلة على بعد نحو 114 كيلو مترا عن القاهرة حتى أن بعض سائقي سيارات وحافلات الأجرة قطعوا خطوط السكك الحديدية وأربعة طرق برية تؤدي إلى مدن رئيسية، وظلت المدينة معزولة فعليًا لمدة 48 ساعة. واستخدام السولار لا يقتصر على الشاحنات والحافلات وبعض السيارات الأجرة والخاصة لكن له بعد اقتصادي خاصا، إذ يستخدم في تشغيل آلات الري ومراكب الصيد والنقل النهري وأفران الخبز والمحاجر. ويقول نقيب الصيادين المصريين أحمد نصار: إن نقص السولار أوقف الصيد خلال الأسابيع الماضية في كثير من المحافظات وفي المنزلة والبرلس ورشيد على وجه خاص. وعلى الصعيد الزراعي، قال محمد عبدالقادر، نقيب الفلاحين، إن نقص السولار يؤثر بالسلب على انتاجية المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والفول والعدس إذ أنه عنصر أساسي في مراحل نقل وشحن الإنتاج الزراعي ومستلزمات الإنتاج مثل التقاوي والأسمدة، إضافة إلى تشغيل آلات الري اللازمة للزراعة. وحذرت الدكتورة إيمان صادق، رئيس قسم بحوث القمح بمركز البحوث الزراعية، من أن أزمة السولار قد تسبب خسائر كبيرة في محصول القمح هذا الموسم، الأمر الذي سيؤثر بدوره على وفرة الخبز ويجبر الحكومة على استيراد كميات أكبر لسد العجز في الإنتاجية. واستطردت قائلة "أزمة السولار واستمرارها قد يتسبب في تأخر الحصاد وهو ما يهدد بتساقط حبات القمح من السنابل وهدر كميات كبيرة من المحصول." وفي الأسبوع الماضي، نظم مئات من سائقي الحافلات الصغيرة إضرابًا احتجاجًا على نقص السولار مما أثر بشكل ملحوظ على حركة نقل الركاب بالقاهرة الكبرى وعدد من المحافظات بينما قطع البعض طرقًا سريعة ورئيسية. ويرى أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية للقاهرة، أن التهريب هو السبب الرئيسي وراء نقص المنتجات البترولية. وتعلن الحكومة من وقت لآخر عن ضبط كميات كبيرة من السولار والمواد البترولية تقول إنها كانت في طريقها لخارج البلاد كما أعلن الجيش عدة مرات عن إحباط محاولات لتهريب سلع بترولية عبر الحدود. ويتساءل المهندس كريم فياض الذي يقول: إنه يقضي حاليًا ضعف الوقت الذي كان يحتاجه يوميًا للوصول الى عمله بسبب تكدس الطرق بالسيارات المنتظرة للسولار أمام محطات الوقود، متسائلاً:" أين هذه الكميات التي نسمع كل يوم عن ضبطها؟ وكيف تم تهريبها من الأساس؟" وتقول وزارة البترول إن الأزمة وراؤها "مافيا" المتاجرة بالسلع البترولية المدعومة من الدولة التي تستولي على السولار سواء قبل وصوله الى محطات الوقود أوبعده وتبيعه في السوق السوداء بأضعاف سعره الرسمي. وقال وزير البترول أسامة كمال في فبراير الماضي: إن دعم الحكومة للمواد البترولية خلال النصف الأول من السنة المالية 2012-2013 بلغ 55 مليار جنيه من إجمالي توقعات بنحو 120 مليار جنيه للعام المالي كله مقابل نحو 114 مليار جنيه في العام المالي السابق. وفي الشهر الحالي قال الوزير في حوار تلفزيوني إن وزارته "تضخ منتجات بترولية بقيمة 20 مليون جنيه كل ساعة في الأسواق أي حوالي نصف مليار جنيه يوميا وأن هذه المواد تباع بثلث ثمن التكلفة والثلثين من الدعم الذي تقدمه الدولة." وقال المحلل الاقتصادي محمد جاد: إن أزمة نقص السولار ليست وليدة اليوم وحدثت مرات عديدة في السنوات الماضية لكن العامل الجديد الذي أضيف الان هو انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار. واضاف: "الكل الآن يترقب الخطوة القادمة للحكومة. هل سترفع سعر السولار أم ستطلب اعتمادات اضافية لمواصلة دعمه ام ستقدم حلولا أخرى." وتابع "في نهاية الامر الحكومة هي المسؤولة عن توفير السولار للمواطنين والاعمال التجارية لكن رفع سعر السولار والمواد البترولية عامة سيكون له تأثيرات تضخمية كبيرة جدا في ظل وضع اقصادي هش." أما محمد ياسين، الذي يملك سيارة أجرة فيرفع شعارًا يقول إنه استخلصه من الساعات الطوال التي قضاها في طوابير محطات الوقود "سولار في التانك .. ولا دولار في البنك".