من يُطل على المشهد الاحتجاجي، تحديداً أيام الجُمع من كل أسبوع، وتحديدًا أمس يكتشف حدوث تغيير جوهري في مضامين ومطالب الحركات التي تتبني الاحتجاج، الأهم لغة الشعارات سواء التي ترفع مكتوبة أو منطوقة، بما فيها حدتها السياسية والاجتماعية، إلا أنها بمثابة تعبير عن اللحظة الزمنية التي تعايشها حركات الاحتجاج ومطالبها تجاه السلطة، وهنا يجب أن نميز ما بين الحركات الشبابية الثورية التي لها قدرة فائقة على صنع شعارات الاحتجاج وجذب الانتباه لها، والقوى الأخرى التي افتقدت تلك القدرة العجيبة. إذ يكفي المقارنة ما بين الشعارات التي رفعت يوم قبل أسبوعين خلال المظاهرة النسائية.."لا حوار لا حوار مرسي بيقتل في الثوار.. يالي بتسال نازلة ليه نازلة أجيب حقك يا بيه.. قالوا صوت المرأة عورة صوت المرأة هو الثورة "، إذ تجاوزت البعد النسائي لمحاولة التعبير عن قضايا عامة تمس المرحلة الراهنة من الأزمة السياسية، وتقريع الأصوات الرجالية التي يمكن أن تنتقدهن بسبب تلك المظاهرة، ومثلتها في جمعة دعم الجيش ضد ما وصف ب "أخونة المؤسسة العسكرية" التي قادتها ائتلافات كالقوى الصامتة والمتقاعدين العسكريين سواء قبل أسبوعين.. "يا جيشنا يا راسي أجلس أنت على الكراسي.. يا جيشنا يا محترم أحمى أنت آثار الهرم.. يا جيشنا يا جدعان أوعى تسيبنا للإخوان.. ارحل يا صاحب الرقم القياسي في قتل الشهداء"، أو بالأمس.. "الجيش والشعب يد واحدة". فالأولى تظهر احترافية بصياغة الرسالة السياسية، ومدلولاتها في تحريك المشاعر، والتأثر بالحدث، في حين افتقدت الشعارات الثانية لتلك السمات المميزة. الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن من يصنع تلك الشعارات..؟ هل هي عمل فردي أو جماعي..؟ بعد اشتداد حالة الاحتقان السياسي بسبب افتقاد التوافق السياسي الاجتماعي، ومساعي بعض القوى داخل طرفي الأزمة السلطة والمعارضة للتشدد وإجبار الآخر على الرضوخ للمطالب والرؤية التي يطرحها، تجاوزت حركة الاحتجاج وشعاراتها يوم الجمعة رغم محوريته بحركة الاحتجاج الشعبي، إلى بعض أيام الأسبوع، ما أفقدها سمات الإجماع الوطني التي كانت عليه خلال المرحلة الانتقالية، فهناك جمعة للتيار المدني بشعاراتها المؤيدة للسلطة، أخرى للمعارضة بشعاراتها المناوئة التي وصلت حد المطالبة برحيل السلطة. وهنا يمكن أن نلاحظ الاختلاف الكبير، فالشعارات التي ترفعها ما يمكن تسميتهم بقوى المولاة ذات طابع مباشر، ويغيب عنها السجع اللغوي، لكونها تريد إيصال رسالة محدد لمؤيدها ومعارضها في آن واحد.. مثل " الرئاسة خط أحمر.. القرآن دستورنا.. " ومن ثم أتت تسميات جمع الاحتجاج معبرة عن تلك الشعارات مثل: جمعة تطبيق الشريعة، جمعة لا للعنف، وجمعة الإرادة الشعبية. أما المعارضة التي كانت أكثر احتجاجاً فقد تعددت الجُمع الخاصة بها، فهناك: جمعة الرحيل، الإصرار، تصحيح المسار، استرداد الثورة، الوحدة والتطهير، الإنقاذ الوطني، حق الشهيد، المطلب الواحد، الفرصة الأخيرة، عودوا لثكناتكم، رد الاعتبار، كش مالك، وأخير جمعة إسقاط النظام. وكلها أتى تعبيراً عن مرحلة زمنية، يمكن من خلالها تقييم ورصد حركة الشارع والمعارضة تجاه السلطة، في ظل ديمومة حالة الاحتقان السياسي. موضوعياً لم يكن هناك تفاعل سياسي بين تلك الشعارات، إلا في حالة محدودة جداً، مثل رد القوى الثورية على شعار " تطبيق الشريعة "، بشعار " جمعة قندهار الجديدة "، ثم رد القوى الإسلامية على عنف جماعة بلاك بلوك، بجمعة " لا للعنف.. لا للبلطجة.. لا للأقنعة السوداء". ولا مجال هنا لتقييم شعارات المولاة لا سبب بسيط كون السلطة قائمة دون خطر أو تهديد حقيقي، باستثناء مطلب تطبيق الشريعة التي يجمع الكل على مبدأ التدريجية فيها والأهم إعادة تهيئة المجتمع المصري لتقبل تلك الغاية التي لا يخلف عليها الكثير، باستثناء غلاة التيار المدني. ولذا ينصب التقييم السياسي هنا على المعارضة وشعاراتها لا من حيث جدواها السياسية فحسب، وإنما الأهم أيضاً فهم الآلية التي تخرج لنا تلك الشعارات. من جانبه، يوضح لنا عمر حامد منسق الاتحاد العام لشباب الثورة، الكيفية التي تصنع بها الشعارات بقوله: الشعب يكون صاحب الاختيار الأول للشعارات التي تتصدر جُمع الاحتجاج، التي يتم الاتفاق على اسمها مثل جمعه الغضب 28 يناير، والتي كانت تعبيرًا عن غضب الشعب من نظام مبارك، الذي فرض هذا التوصيف، وأصبح شعارًا لها ومفتاحًا لسقوط نظام إسقاط مبارك، موضحا أن اختيار اسم المليونية يكون بهدف التعبير عن الأهداف التي خرجت من أجلها، أو الحالة العامة التي نعيشها، ويأتي الاختيار بالتوافق العام بين الحركات أو الأحزاب الداعية لهذا اليوم، حيث تتفق القوي السياسي فيما بينها علي اسم موحد لهذا اليوم ونلتزم به. وأضاف أن الهتافات والشعارات هدفها ترجمة الأهداف ومشاعر الغضب بداخل المتظاهرين وتوصل رسالة محددة للسلطة والمجتمع أو العالم، كما أن هناك هتافات لحظية تخرج من الشارع نفسه بدون الاتفاق عليها، ويتم ترديدها بشكل جماعي. مؤكداً امتلاك عدد من شباب القوى الثورية لموهبة الهتافات وكتابتها ويتولون بأنفسهم الهتاف داخل المسيرات، ويكون هدفها ترجمة المشاعر التي بداخلنا لهتافات توصل الرسالة للسلطة ونوعية مطالبنا، والإجابة عن سؤال لماذا خرجنا..؟ أما هيثم الشواف منسق تحالف القوى الثورية، فيؤكد تلك الحقيقة بقوله: عناوين المظاهرات تخرج من الشباب بعد مشاورات مشتركة، يقررون بعدها الاسم الذي ستخرج به المليونية، وأحياناً يكون للجمعة الواحدة أكثر من اسم وشعار، يعود بلا شك لتعدد الحركات الثورية إذ يوجد في مصر حالياً ما يفوق 180 حركة سياسية، لكل حركة ممثليها في اجتماعات الاستعداد للمظاهرة، ويحدث التنسيق بينهم، بحيث تتوافق على اسمين أو ثلاثة لا أكثر. ويتفق معه خالد المصري المتحدث الإعلامي لحركة 6 إبريل جبهة أحمد ماهر. ويضاف مصطفى يونس المتحدث الإعلامي للاتحاد عام لثورة يناير، عنصراً جديداً لآلية صنع الشعارات بالتأكيد على الطابع العفوي لها، بقوله: أن الشعارات تخرج بصورة طبيعية وتلقائية أحيانًا من أفواه المتظاهرين نتيجة تطور الأحداث التي تمر بها البلاد، كما أن هناك عدد من المنسقين الإعلاميين وأصحاب المواهب يقومون بكتابة تلك الشعارات، التي قد تكون سبباً لإشعال حماس المشاركين وجذب المشاعر وسائل الإعلام إلينا، مثل مليونيه كش ملك والرحيل. أحياناً نجد مشكلة عندما يدعو ائتلاف لاسم، يخالفه آخرين، هنا نضطر لاعتماد أكثر من شعار، إلا أن هذا يؤثر على فاعلية المليونية، ويربك وسائط الإعلام في التعامل مع المظاهرة، ما يحدث تشويش لدى المجتمع. وفيما يلفت محمد عطية منسق ائتلاف الثورة الانتباه لكون تلك الشعارات كانت سبباً قوياً في وحد الثورة، وإظهار تماسك القوى الثورية وتأجيج مشاعر المصريين. ولذا نحرص على أن تكون الشعارات تمس مشاعر المواطن حتى يخرج من صمته ويشارك معانا، بالإضافة لدورها المهم في دعم الحركات العمالية والسياسية معنا.