ما زالت توابع إعلان الرئيس الاستفتاء على الدستور فى منتصف ديسمبر الجارى تتوالى، خصوصًا بعد حصار المؤيدين لقرارات 22 نوفمبر للمحكمة الدستورية منذ الأمس، فانتشرت الدعوات لعصيان مدنى يبدأ من بعد غد الثلاثاء، بالإضافة إلى دعوات لإضراب عام ومسيرة لقصر الاتحادية. وأدان عدد من القوى السياسية والثورية دعوة الرئيس للاستفتاء على الدستور، معتبرين أنه بذلك أخلف وعوده التى تعهد بها حول عدم طرحه للدستور على الشعب إلا بعد التوافق الوطنى عليه، وهو ما لم يحدث، خصوصًا أن المهلة المتبقية أمام الشعب أسبوعان فقط، مما دعاهم لإطلاق دعوات التصعيد. ولم يكن المشهد أمام الدستورية بعيدا على أى حال، حيث توالت الإدانات التى لم تقتصر على المعتصمين بل تجاوزت ذلك لتمس الرئيس نفسه وجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم، وتوجه لهم اتهامات بإسقاط القانون لفرض هيمنتهم على مفاصل الدولة. من جهته، وصف محمد واكد عضو المكتب السياسي للجبهة القومية للعدالة والديمقراطية، دعوة الرئيس للاستفتاء على الدستور ب"الباطلة" وتؤكد استخفافه بالشعب وبكل القوى السياسية التى أعلنت انسحابها من التأسيسية، معتبرا أن هذا الإعلان لفصيل من يؤيدونه من "أهله وعشيرته" من تيار الإسلام السياسي، وغير موجه للشعب. واعتبر واكد فى تصريح خاص ل"بوابة الأهرام" أن الاستفتاء بهذا الشكل طرح غير قانونى نظرا لكون الدساتير لا تكتب بالأغلبية، وإنما بالتوافق وهو ما فشلت التأسيسية فى تحقيقه بعد انسحاب الجميع منها، سوى المنتمين للإسلام السياسي. واستنكر عضو المكتب السياسي للجبهة قيام مؤيدى الرئيس بحصار المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أن حصار مؤسسات الدولة هو وسيلة احتجاجية تقوم بها المعارضة عادة لا السلطة، لافتا إلى أنها لم تحدث سوى مرتين فى التاريخ أن قامت السلطة بحصار مؤسسات الدولة لفرض هيمنتها، عندما قام بذلك هتلر وموسلينى. وتابع: "السلطة يجب أن تحمى القانون والدستور وفقا لقسمها، وقرار الحصار أعلن عنه على منصة "النهضة" أمس مما يؤكد أنه ليس مجرد تصرف شاذ لشباب متحمس، وما حدث في الدستورية اليوم يعطي أي فصيل الحق في شل عمل أي مؤسسة من مؤسسات الدولة إذا رغب في ذلك وينسف المعايير التوافقية لمشروعية أي تحرك سياسي، ويجعل من الصعوبة منع الشباب الغاضب والثائر من الزحف للاتحادية وحصار القصر أو حتى لجان الاستفتاء بسبب ما شاهده من ممارسات اليوم". أضاف قائلا: "من الغريب والمثير للسخرية حقا أن تستجيب السلطة الحاكمة لدعوات العصيان المدني ضدها وتبدأه بنفسها عبر قيام مؤيديها بإسقاط القضاء والدستور، فالعصيان المدني ليس مجرد إضراب عام، وإنما رفض الاعتراف بشرعية الدولة والنظام الحاكم، والقرارات التى تنتج عنهما، وقد بدأ بالفعل بإسقاط القضاء وتم تأكيده أمام الدستورية اليوم، وربما يستكمل فى حالة تزوير الاستفتاء والتصويت بنعم على الدستور الحالى". ولم يبتعد كثيرا هيثم الشواف، منسق تحالف القوى الثورية، إذ أعرب عن أسفه من كون "الدولة" تصعد بشكل لا معقول أمام المعارضة ولا تترك لها خيارا سوى التصعيد بالمقابل، مضيفا: "ما حدث أمام الدستورية اليوم يخرجنا من أى جدل حول شرعية الإعلان الدستورى والدستور الحالى، لم يعد هناك مجال للتوافق أو التفاوض الذى تسعى له النخبة، فإهانة القانون وإسقاطه بهذا الشكل فاق كل الحدود، وأكد أن النظام الحالى لا يصلح للاستمرار ويجب إسقاطه". وحول دعوات رفض إسقاط الرئيس لكونه رئيسا شرعيا منتخبا قال الشواف: "مبارك كان رئيسا شرعيا منتخبا وتحول لديكتاتور وفرعون، ومرسي يسير على نفس طريقه، وما نطالب به هو تصحيح مسار الثورة، لأن العامين الماضيين أثبتا أن حكم الجماعة لمصر يضعها فى موقف شديد الخطورة، لذا نحن من المؤيدين بشدة لدعوة العصيان المدنى ولن نكتفى به وسنتبعه بخطوات تصعيدية أخرى، سنكشف عنها فى وقتها". وأيده هشام الشال، منسق حركة ثورة الغضب المصرية الثانية، الذى أدان بشدة حصار المحكمة الدستورية اليوم معتبرا أن التجاوزات التى يرتكبها تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين قد زادت على الحد، مضيفا باستنكار وغضب: "مفيش سلمية خلاص، االنهارده بيبلطجوا على القضاء، بكره هيطلعوا يبلطجوا علينا فى بيوتنا، وهجومهم على المعارضين فى مليونية كشف الحساب أو موقعة الجمل التانية بيثبت ده، وإحنا خلاص فاض بينا ومش هنخاف من تهديداتهم بالجماعة الإسلامية وإرهاب التسعينات، وهنصعد للعصيان المدنى وأبعد منه لو وصل الأمر للبلطجة والعنف". وبشأن مدى واقعية الاستجابة لدعوات العصيان المدنى التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى؛ أكد خالد السيد، عضو المكتب السياسي لحركة شباب من أجل العدالة والحرية وعضو التيار الشعبي، أن القوى السياسية المعتصمة بالميدان تدرس حاليا آليات التصعيد المتاحة ضد إعلان الرئيس الاستفتاء على الدستور الحالى، والتى ستبدأ بمسيرات الإنذار الأخير لقصر الاتحادية بعد غد الثلاثاء. وأوضح خالد أن هناك تواصلا مستمرا مع قطاعات ونقابات مهنية وعمالية لمناقشة مدى التوافق حول التصعيد لعصيان مدنى إذا لم تتم الاستجابة لمطالب القوى الوطنية وجماهير الشعب التى احتشدت فى كل ميادين محافظات مصر لتعلن رفضها لقرارات 22 نوفمبر وتطالب بحل التأسيسية، مضيفا: "هناك مناقشات وكل الخيارات مطروحة، ولكننا لا نحبذ الإعلان عن أى تصعيد بشكل رسمى ونهائي قبل الإجماع والتوافق عليه من كل القوى الوطنية". واتفقت معه منى عزت، المتحدثة باسم حزب التحالف الشعبي الاشتراكى، معتبرة أن العصيان المدنى ليس قرارا وليد اللحظة، ويجب أن تسبقه حركة احتجاجية واسعة تشارك فيها النقابات المهنية والعمالية والمجتمع المدنى وكل شرائح الشعب، لافتة إلى أن الحزب يعمل حاليا عبر مكاتبه بالمحافظات على حملة للتوعية بخطورة مشروع الدستور الحالى المطروح للاستفتاء والمساهمة فى تشكيل تلك الحركة الاحتجاجية، خصوصًا فى ظل اعتراض عدد كبير من العمال والمهنيين على افتقاد المشروع الحالى لمبادئ العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى مقابل سعيه لتقييد الحريات وفرض هيمنة فصيل بعينه وعسكرة الدولة.