د. خالد قنديل في مطلع الأسبوع كنت محظوظًا بلقاء معالى السفير إلياس شيخ عمر أبوبكر سفيرًا مفوضًا فوق العادة لجمهورية الصومال الفيدرالية الجديد لدى مصر العربية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، وقد رأيت عبر هذا اللقاء مثقفًا من طراز رفيع، حتى أخذنا الحوار حول القراءة إلى استثمار وقته لينهي كل يوم كتابًا وصولًا إلى استهدافه 50 كتابًا في الشهر. وفي حديثه الواعي تعرف حبه الكبير لمصر واعتزازه بالعلاقات التاريخية التي تجمع بين وطنه الصومال ووطنه الثاني مصر، وكيف يوقن بهذا الدور المهم الذي دائمًا ما تلعبه مصر في المنطقة عامة وفي وطنه خاصة، وما توليه مصر من اهتمام لتحقيق السلام والاستقرار في الصومال الشقيق، وتأكيدها المستمر لجميع الأطراف الصومالية إلى مواصلة الحوار من أجل وطنهم، بجانب بحث سُبُل دعم كافة الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار في القرن الإفريقي، بما يعزز من السلم والأمن الإقليمي والقاري. وانتقل الحوار الواعي والهادئ إلى الوضع الصحي في الصومال وما يمكن أن نقدمه من أجل صحة الشعب الشقيق؛ حيث أكد معالى السفير تقدير دولته لدور مصر الرائد وأثر مبادرة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي لدعم القطاع الصحي في الصومال، وهو ما لمسه الشعب الصومالي، غير أن هناك أملًا كبيرًا في تكثيف وزيادة عدد القوافل الطبية خصوصًا أن ثقة الصوماليين كبيرة في الخبرة المصرية الطبية، وتبادل الخبرات معهم مهم جدًا ويصقل من مستوى الخبرة الطبية لدى الصومال، وهو ما أثبتته مصر من خلال التجربة الحية ومن واقع دور ريادي منوطة به تجاه الأشقاء في الصومال وفي كل دول القارة السمراء. الحديث مع معالي السفير كان شيقًا استرجعنا فيه بعضًا من تاريخ البلدين، فالعلاقات والروابط التاريخية الوثيقة بين مصر والصومال تتسم بالقوة والمتانة، منذ قدماء المصريين، عندما أرسلت الملكة حتشبسوت، البعثات التجارية إلى بلاد البنط، الصومال حاليًا، لجلب منتجات تلك المنطقة، خاصة البخور، وفي العصر الحديث كانت مصر أول الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960. ولا يزال يُذكر بكل تقدير اسم الشهيد المصري كمال الدين صلاح مندوب الأممالمتحدة لدى الصومال الذي دفع حياته عام 1957 ثمنًا لجهوده من أجل حصول الصومال على الاستقلال والحفاظ على وحدته، واستمرارا لهذا الترابط وبتوجيهات سابقة من الرئيس السيسي للمعاونة في تخفيف العبء عن كاهل الأشقاء الصوماليين، كان القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، قد أصدر أوامره بإعداد وتجهيز مساعدات من الأدوية والمستلزمات الطبية مهداة من الشعب المصري إلى الأشقاء الصوماليين، فأقلعت طائرة عسكرية محملة بالمساعدات إلى مطار مقديشو، وعلى متنها طاقم طبي على أعلى مستوى لمرافقة الحالات الطبية المقرر نقلها إلى المستشفيات العسكرية المصرية لتلقي العلاج المناسب، كما سلمت السفارة المصرية شحنة مساعدات طبية تبلغ نحو 2 طن من الأدوية مقدمة من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية إلى وزارة الصحة الصومالية، في إطار المساعدات التي تقدمها مصر للصومال لتوفير الدعم المستمر والرعاية الصحية اللازمة للأشقاء الصوماليين، وفي إطار العلاقات الأخوية المتميزة بين مصر والصومال لمساعدة الأشقاء على مواجهة الجفاف، وما يترتب عليه من آثار مثل انتشار الأوبئة والأمراض، بالإضافة إلى حوادث الإرهاب التي ينتج عنها إصابات بالغة الخطورة. ما من شك في أن الدولة المصرية قد سارت خطوات بعيدة وواثقة في استعادة إفريقيا كعمق إستراتيجي لها في اللحظة الراهنة، وقد أظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي، إرادة حقيقية وقوية لتعزيز علاقة مصر بالدول الإفريقية وإعادتها إلى مكانتها الطبيعية فى القارة، ليس فقط خلال المرحلة الحالية، لكن أيضا لبناء المستقبل الإفريقى المشترك، إذ تراوحت العلاقات بين عدة ملفات للتعاون الوثيق في المجالات كافة، سواء اقتصادية أو سياسية أو رياضية، وكذا على المستوى الصحي، واستطاعت القاهرة أن تضبط المسافة وتزرعها بأواصر التعاون البناء إلى جميع العواصم الإفريقية، وقد أعاد الرئيس السيسي تقييم المشهد من جديد حتى استطاعت مصر أن ترتبط بوشائج الجغرافيا والتاريخ مع كل دول القارة عبر شتى المجالات، ومن يتابع الفعاليات التي شهدتها القاهرة في 2019 سنة ترؤسها للاتحاد الإفريقي، يجد أن القاهرة قد احتضنت أكثر من عشرة مؤتمرات إفريقية على أراضيها، برؤية تقوم على أساس برنامج الاتحاد الإفريقي 2063، وبرنامج الأممالمتحدة 2030، وتمضي في نحو 19 مجالًا حيويًا على أرض الواقع. ولعل القطاع الصحي كان له نصيب كبير جدًا في امتداد العلاقات والمساعدات المصرية إلى دول القارة السمراء، خصوصًا منذ بدء جائحة كورونا التي كان ولا يزال لها تأثير شاق وعسير على جميع الدول العالم، وهنا كانت مصر كعادتها حاضرة في الصعاب لتمد أياديها وتشمل بالمساعدات دول القارة مساندة وداعمة لها من واقع مسئولية وترجمة واقعية لإيجابية التعاون والتماسك عبر تجربة حية تفرضها الأجواء الصحية بعد كورونا، فتابعنا توجيهات رئيس الجمهورية بسرعة إرسال مساعدات عينية طبية بقيمة 4 ملايين دولار إلى 30 دولة إفريقية لمساعدتها في جهودهم لاحتواء التحديات الناجمة عن انتشار جائحة "كورونا"، وذلك في إطار مساهمة مصر في الصندوق الإفريقي للاستجابة لفيروس كوفيد -19 التابع للاتحاد الإفريقي، كما كلف من قبل وزير الخارجية بتنسيق جهود وزارة الخارجية بالتعاون مع عدد من الوزارات والجهات المصرية المعنية بما في ذلك هيئة الشراء الموحد للمستلزمات الطبية ووزارتي الطيران المدني والمالية وشركة مصر للطيران، وذلك للإعداد لإرسال المساعدات الطبية إلى الدول الإفريقية الشقيقة، والتي بلغت كل شحنة منها في حدود واحد ونصف طن لكل دولة، وتكثيف القوافل للمساهمة والمساعدة على تخطي الأزمات الصحية التي يعاني منها أشقاؤنا الأفارقة، فرأينا اهتمام وزيرة الصحة د. هالة زايد، بتطوير جودة الخدمات الصحية فى إفريقيا بتنظيم القوافل الطبية وإرسال أطباء فى كل التخصصات الطبية وإعداد بروتوكولات لتدريب الأطباء الشبان في دول إفريقيا، في إطار خطة إستراتيجية صحية لدعم الدول الإفريقية الشقيقة كخطوات واثقة في اتجاه إعادة دور مصر الريادي في إفريقيا، وعبر مجال حيوي إذ يتعلق بالمستقبل الصحي للمواطن الإفريقي.. وعلى سبيل المثال لا الحصر طبعًا، فقد تم إرسال 6 قوافل طبية فى عام 2012 إلى كل من الصومال، الكونغو، السودان، بوروندى، أوغندا، شملت 61 طبيبًا ناظروا 7605 حالة وأجروا 386 عملية وقاموا بتدريب 480 متدربًا.. وفي عام 2013 تم إرسال 6 قوافل طبية إلى كل من تشادوالصومال والسودان وتنزانيا، حيث ضمت هذه القوافل 53 طبيبًا، ناظروا 3479 مريضًا وأجروا 154 عملية جراحية وتدريب 166 متدربًا. أما عام 2014 فتم إرسال قافلتين طبيتين للسودان وجنوب السودان، حيث ضمت القافلتين 25 طبيبًا، قاموا بمناظرة 2202 مريضًا، وإجراء 324 عملية وتدريب 62 متدربًا، وإرسال 3 قوافل بدءًا من نهاية 2015 حتى أوائل 2016 إلى كل من دول إريتريا وغانا وجنوب السودان، مرورًا بالأعوام 2017، و2018، و2019 وسعي مصر لتعميم مبادرة "مائة مليون صحة" على الدول الإفريقية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، في إطار أجندة الاتحاد الإفريقي للتنمية 2063، وعمل مبادرة علاج مليون إفريقي استهدفت 16 دولة، فضلا عن قوافل الأزهر الطبية. وختامًا.. آفاق التعاون المصري الإفريقي تتنامى وحلم مصر مستمر تجاه الأشقاء الأفارقة، وخطوات الدعم والتطوير قادمة لا محال، لاسيما في ظل مشروعات كبرى كالربط الكهربائي، وشق الطرقات الدولية، وتفعيل مناطق التجارة الحرة.. وغيرها من سبل التعاون، مما يؤكد إن العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين سوف يصبح عقدًا إفريقيًا خالصًا بالنسبة لمصر والمصريين من حيث التوجه والاهتمام.