للعام الثاني على التوالي، فرض فيروس كورونا نفسه على الشعائر الدينية في شهر رمضان الكريم الذي بدأ اليوم، ليمنع إقامة موائد الرحمن في الشهر المبارك، لإتباع الإجراءات الاحترازية والحد من انتشار الفيروس، نظرا لبداية الموجة الثالثة للفيروس وتحوره وانتشاره بشكل أكبر، ما يشكل خطورة على صحة المواطنين. وتعتبر موائد الرحمن من أهم المظاهر التي تشهدها مصر خلال شهر رمضان، واعتاد المصريون جميعا طوال شهر رمضان، على امتلاء الشوارع بموائد الرحمن في كافة المحافظات، وكافة الشوارع، ويجتمع عليها الفقراء والمساكين وابن السبيل والمغتربين الذين هم على سفر على الطريق، ونرى الموائد تمتلئ بالمواطنين وقت آذان المغرب، للعام الثاني على التوالي اختفت الموائد ومنع التجمع عليها بسبب فيروس كورونا، خوفا من العدوى، ولكن يتساءل البعض ما مصير الفقراء المعتمدين على الإفطار عليها يوميا بشهر رمضان؟. في دراسة أجرتها جامعة الأزهر الشريف، قبل عامين، قدرت عدد المستفيدين من موائد الرحمن في رمضان بحوالي 3 ملايين شخص يوميا، وتتكلف هذه الموائد نحو ملياري جنيه، نصفها في القاهرة فقط، وينظمها أكثر من 10 آلاف مؤسسة أو شخص أو جمعية خيرية، كما تشير تقديرات أخرى إلى أن موائد الرحمن بلغت أكثر من 40 ألف مائدة في مصر خلال رمضان الماضي. "خليك في بيتك.. وفطارك هيوصلك" وعلى الرغم من قرار منع موائد الرحمن هذا العام أيضا، إلا أن أصحاب الخير الذين اعتادوا على إقامة الموائد كل عام، لم يتوقفوا عن فعل الخير للفقراء والمحتاجين، فبدءوا في تبني فكرة جديدة بديلة لموائد الرحمن في رمضان، ليقوموا من خلالها بأفضل الأعمال التي أمرنا الله بها في الإسلام، وهي إطعام الفقراء، تحت عنوان "خليك في بيتك وفطارك هيوصلك". وتقوم الفكرة على تجهيز وجبات مغلفة، وتوفير سلع كاملة للطعام، وتوصيلها لبيوت الصائمين من الفقراء والمحتاجين، وفي الشوارع على طرق السفر للمسافرين، بهدف استمرار دعم المحتاجين، خلال فترة الجائحة التي فرضت نفسها، وأحزنت الفقراء لعدم قدرتهم على الإفطار، لذلك جاءت الفكرة حتى لا يتأذى أي شخص كان يعتمد اعتمادا كاملا على الموائد خلال شهر رمضان. ودشنت بعض المطاعم المصرية، خدمة "موائد الرحمن ديلفري"، حيث تتولى توصيل وجبات جاهزة إلى مستحقيها الذين يحددهم صاحب المائدة"، أو تتولى هي توزيعها على المستحقين حسب رؤيتها، وتفاعلت الكثير من القطاعات مع هذه الخدمة، التي مكنتهم من الاستمرار في التقليد السنوي لمساعدة المحتاجين وتوفير وجبات الطعام الصحية كما اعتادوا كل عام. موائد الخير البديلة منذ ثلاثين عاما، اعتاد "محمد عبد المجيد"، الرجل السبعيني، على إقامة مائدة الرحمن في الشارع الذي يسكن به بشبرا، ففي كل عام لابد من إقامتها حتى نهاية الشهر المبارك، ولكن في ظل الظروف الراهنة بسبب فيروس كورونا، والتي تسببت في قطع هذه العادة لمدة عامين، قرر استبدال المائدة بعمل وجبات كاملة مجهزة، وتوصيلها يوميا إلى البسطاء في بيوتهم. ويؤكد ل "بوابة الأهرام"، أنه يجلب طباخ ماهر يطهي الطعام على مدار الثلاثين يوما، لعمل وجبات مجهزة للبسطاء بعددهم ومن ثم يقوم بتوزيعها عليهم، قبل الإفطار يوميا، وسوف يكرر ما قام به العام الماضي لإطعام المحتاجين في بيوتهم، فمنع المائدة لن يمنع شخصا على فعل الخير، وإطعام الفقراء. كورونا لن تمنع الخير وكذلك قام أحمد محروس، الرجل الخمسيني، الذي يقيم المائدة منذ 20 عاما، هو من أهل منطقة المطرية، واعتادوا على تواجدها والعمل عليها وتجهيزها من قبل بداية الشهر المبارك، إلا أنه بسبب انتشار فيروس كورونا، الذي تسبب في عدم وجود المائدة العام الماضي، قرروا أن يقوموا بعمل كراتين ووجبات مجففة من الأرز والسكر والسمنة والزيت والبلح وكل السلع المتاحة لعمل طعام كامل في رمضان يكفيهم طوال الشهر الكريم. ويتم توزيع هذه الكراتين قبل الصيام ليكونوا على استعداد للشهر المبارك، ومطمئنين أن بيوتهم بها ما يكفيهم للطعام في رمضان، فيؤكد أن الأهم هو إطعام البسطاء والمحتاجين وتوفير كل ما يحتاجوا، فمن يريد عمل الخير سوف يظل في عمله مهما حدث. أول مائدة رحمن في مصر وكان أحمد بن طولون أول من أقام موائد الرحمن في مصر خلال فترة حكمه بالقرن التاسع الميلادي، حيث كان يجمع كبار التجار والأعيان أول يوم من شهر رمضان المبارك على الإفطار، ثم يلقي خطبة ينوه فيها أن الغرض من المائدة تذكيرهم بالإحسان للفقراء والمساكين. بدائل تقضي على موائد الرحمن يتساءل الكثيرون حول أهمية البدائل، مقارنة بينها وبين موائد الرحمن، فهل هذه البدائل التي تعتمد على توزيع الوجبات على بيوت البسطاء أفضل من إقامة موائد الرحمن؟ يرى الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، أن ما يسمى بموائد الرحمن، لا تعد من موائد الرحمن بل هي موائد "الأرصفة"، وتعتبر إهانة للمسلمين على قارعة الطريق، والأصل الذي يجب العمل به أن يحمل الأشخاص الأطعمة إلى بيوت ذوى الحاجات كما كان يفعل سيدنا على حفيد النبي محمد، فكان يحمل الخبز في الظلام ويتصدق به على فقراء المدينة. صدقات السر أفضل من الموائد "صدقة السر أفضل من صدقة العلن"، فبحسب "كريمة"، أن صدقات السر هي أفضل بكثير من ما يقام بالعلن، مستشهدا بحديث شريف، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم "ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه"، هذا تأكيدا على الصدقات تفضل أن تقام خفيا دون علم أحد. كما استشهد أستاذ الشريعة الإسلامية، بما كان يقوم به الإمام زين العابدين بن علي بن الحسين رضى الله عنهما، كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل ليتصدق بها حتى لا يعرفه أحد، لذلك فإن إيصال الصدقات العينية أفضل من الجهر بها لما هو معروف من أشياء قد تؤدي إلى بطلان العمل، مثل الريا وإيذاء المستحقين، وإجبار من أمرهن الله بالتستر في البيوت من النساء والبنات للنزول للطعام في حرج، وتعرض الأطفال والصبيان لإهانات على موائد الأرصفة، وهذا لا يليق بالمسلمين. تعميم الفكرة لذا يعتبر أن ما يحدث هذه الفترة من مبادرات لتوزيع الطعام سواء المجهز أو الجاف على منازل البسطاء، أفضل بكثير من إقامة الموائد، وفضلها أعظم لأنها خافية، ويستحسن أن تكون هذه المبادرة دائمة وبديلة لهذه الموائد، ويتم توجيه أموالها إلى ذوى الحاجات والمنافع العامة بالدولة.