«مصر ليست ضد مشروع السد النهضة بشرط إلا يمس حصة مصر من مياة النيل».. هذا هو الموقف الثابت لمصر من أزمة سد النهضة، قول واحد لا فصال فيه، قالها الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة بل وحرص على أن يقولها رئيس الوزراء الأثيوبى آبي أحمد أمامه وأمام الشعب المصري كله، حين زار مصر ووقف في مؤتمر بالاتحادية مقسمًا أنه لن يضر بمياه مصر جراء سد النهضة، ولعل هذا القول ما أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي اليوم الأربعاء، في حديثه عن تطورات قضية سد النهضة مؤكدا مجددا على مبدأ عدم المساس بحصة مصر التاريخية مع بناء السد بل وطلب من الإعلام إعادة التذكير بتعهد آبي أحمد، وقال أيضا إن مصر موقفها شريف وعادل ولن تفرط في نقطة مياة مخاطبا الشعب الإثيوبي قائلا: التعاون بيننا أفضل.. وكل الخيارات أمام مصر مطروحة للحفاظ على حقوقنا المائية . ومن يتابع موقف مصر من المفاوضات منذ سنوات سيتأكد أن إستراتيجية مصر كانت دائما الحفاظ على التعاون والتشارك في التنمية والتكامل الإقليمي، بينما إثيوبيا تسعى لخطط أخرى تهدف بها للسيطرة على نهر النيل وتحويله إلى أداة هيمنة حيث دخلت الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في مفاوضات شاقة طوال 9 سنوات فشلت خلالها في الوصول لاتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، فبينما تعتبر إثيوبيا السد ضروريا لتحقيق التنمية الاقتصادية، تعتبره مصر والسودان تهديدا حيويا لها، إذ تحصل الأولى على 90٪ من مياه الري والشرب من نهر النيل. وازداد ملف سد النهضة توترا، مع إعلان إثيوبيا نيتها البدء في المرحلة الثانية من ملء خزان السد في يوليو المقبل، وهو ما تعتبره مصر والسودان تهديدا لأمنهما المائي، وتنظران إليه بأنه خطوة أحادية الجانب من أديس أبابا. حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن سد النهضة، متسق مع موقف مصر طوال الوقت، فكانت هناك جهود تفاوضية مستمرة طوال الوقت، ومصر دولة لها تقاليد تشمل عدم طرح الخيار العسكري طالما هناك مفاوضات، إلا أن اللهجة السلمية والتفاوضية التي انتهجتها مصر طوال الوقت قوبلت بتصعيد وتعنت إثيوبي مما أثار حفيظة الرأي العام المصري. . كما بدأ حديث رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد قى يونية 2018، عندا أقسم بالله فى قصر الاتحادية الرئاسي بعدم التسبب فى أى ضرر لمصر، قائلا بالنص :" أقسم بالله نحن ملتزمون ولن نضر بحصة مصر من النيل، فقد أقسم رئيس وزراء إثيوبيا بالله بأن بلاده لن تضر بحصة مصر في مياه النيل جراء بناء سد النهضة، وشدد بأن سد النهضة لن يكون على حساب الشعب المصري. وقال آبي أحمد في كلمته التى ألقاها خلال مؤتمر صحفى مشترك مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا: "تباحثنا في الشئون الثنائية بشكل عميق ونقدر أخوّتنا مع الشعب المصري"، إنه تم الاتفاق على تقديم المساعدة المتبادلة في شتى المجالات، منوها بأن العلاقة التي تجمع البلدين "تعاون يفيد الجانبين". وتابع رئيس وزراء إثيوبيا قائلا: "لا نفكر أبدا في إلحاق الضرر بالشعب المصري ونريد أن تظل الثقة ماثلة بيننا.. ما نريده هو نسيان الماضي وبدء مرحلة من المحبة والمودة والتعاون"، مشيرا إلى أن تنمية سد النهضة لن تكون على حساب الشعب المصري.. سنهتم بالنيل ونحافظ على حصة مصر، وسنعمل على أن تزداد أيضًا". وسرعان ما تبددت الوعود من قبل الجانب الإثيوبى، فظهر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بتصريحات جديدة بأنه لا توجد "قوة تستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة، كما ألمح آبي، أمام البرلمان الإثيوبي إلى القدرة على الحشد لخيار المواجهة العسكرية إلا أنه استدرك قائلا إن بلاده لا تسعى للإضرار بمصالح مصر قائلا إن "الحرب ليست حلا". الأمر الذى دعا وزارة الخارجية المصرية، للإعراب حينها عن صدمتها ومتابعتها بقلق بالغ وأسف شديد لتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، وأضافت في بيانها آنذاك أن تصريحاته تضمنت إشارات سلبية وتلميحات غير مقبولة اتصالا بكيفية التعامل مع ملف سد النهضة، وهو الأمر الذي تستغربه مصر باعتبار أنه لم يكن من الملائم الخوض في أطروحات تنطوي على تناول لخيارات عسكرية". وبما أن خطة مصر تعتمد على استنفاد مسار التفاوض بالكامل وبعد ذلك لكل حادث حديث، فتلك التطورات التى شهدها ملف سد النهضة، دعت الرئيس السيسي لأخذ موقف واضح عندما صرح الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ أيام بأنه لا أحد يستطيع المساس بحق مصر في مياه النيل، محذرا من أن المساس بها "خط أحمر" وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها. وأضاف السيسي في تصريحاته على هامش زيارته لقناة السويس: "لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا، مشيرا إلى أنه لا يهدد أحدا بتصريحاته، مؤكدا أن "العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب". وقال الرئيس السيسي، إن التفاوض هو الخيار الذي بدأته مصر وأنها في مسألة التفاوض بخصوص أزمة سد النهضة وتأمل في التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم يحقق الكسب للجميع. تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة، جعلت كلا من السعودية وسلطنة عمان ومملكة البحرين، تعرب عن تضامنها مع مصر في أزمة السد الإثيوبي، ودعمها لحقوقها في الحفاظ على أمنها القومي وأمنها المائي وحماية مصالح شعبها، وذلك بعد ساعات من توضيح الرئيس عبدالفتاح السيسي لنهج مصر في هذه الأزمة، وتأكيده أن المساس بمياه مصر خط أحمر. ورغم انخراط مصر والسودان في كل الجولات التفاوضية بحسن نية وتجاوب بغية التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ حقوق الدول الثلاث إلا أن أديس أبابا كانت تفاجئ الجميع برفض إلى حلول بل أنها تمادت في التشدد إلى حد القول تصريحا إلى أنها صاحبة السيادة على مياه النيل في مغالطة سافرة للقوانين والاتفاقيات الدولية المنظمة وتحد واضح للدول المصب وأفشلت كل المفاوضات بسسب هذا التعنت والتى كان آخرها مفاوضات كينشاسا قبل أيام . يذكر أن إثيوبيا بدأت بناء سد النهضة عام 2011 من دون اتفاق مسبق مع مصر والسودان، وفيما تقول إن هدفها من بناء السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية، يخشى السودان من تأثير السد على انتظام تدفق المياه إلى أراضيه، بما يؤثر على السدود السودانية وقدرتها على توليد الكهرباء، بينما تخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا تحصل على أغلبها من النيل. وانتهت إثيوبيا في الصيف الماضي من الملء الأول لخزان السد من دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان بوصفهما دولتي المصب، وتطالب مصر والسودان بالتوصل لاتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد قبل إتمام عملية البناء وبدء مرحلة الملء، فيما فشلت المفاوضات طوال السنوات الماضية في التوصل لهذا الاتفاق.