"لم تكن الساعة قد تعدت السابعة صباحا في أحد الأيام الباردة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، وفجأة اقتحم سكون الليل صوت إطارات سيارة سوداء إسرائيلية توقفت أمام أحد المنازل، ونزل منها أربعة ملثمين قال أحدهم باللغة العبرية: "هذا هو المنزل استعدوا"، وقام الملثمون بالتسلل إلى المنزل وأقتحموه بسرعة ودخلوا إلى حجرة كان ينام بها أحد الأطفال مستغرقا في نوم عميق". شعر الطفل الصغير بيد الملثم الإسرائيلية وهي تُطبق عليه، فبكى من شدة الألم، إلا أن الملثم لم يهتم به، وقال لزميله: إنه هو، حيث قارن بين هذا الطفل وصورة شخصية كان يحملها للتعرف عليه، وبعدها رحل الأربعة من المنزل واستقلوا السيارة في طريقهم إلى تل أبيب، والطفل غارق في بكائه، ويقول بلغة عربية تشوبها بعض من الكلمات العبرية "أبي أنقذني من هؤلاء الأشرار، إلا أن صراخ الظل ظل يخفت ويخفت حتى اختفى تماما". بهذا المشهد الدرامي المؤثر عرضت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قصة منظمة "ياد لأحيم" الإجرامية، التي تقوم بخطف أبناء الآباء العرب المتزوجين من يهوديات، من أجل الحفاظ على يهوديتهم، والابتعاد عن أي محاولة لإسلام أو تنصير هؤلاء الأطفال. أصبحت هذه الجماعة التي تعني بالقيام بهذه الجريمة الاجتماعية بمثابة حديث المنتديات ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وتقول صحيفة معاريف في تقرير لها نشر أخيرا: إن هذه المنظمة تقوم بالكثير من الجهود لخطف الأبناء المولودين عن زواج العرب من اليهود، خاصة العائلات التي تعاني مشاكل اجتماعية بين الأب والأم. أوضحت الصحيفة أن هذا الأمر تسبب حتى الآن في الكثير من المشاكل ودفع بالكثير من الآباء عرب 48 إلى التقدم بشكوى لدى جهاز الشرطة يتهم فيها هذه المنظمة بممارسة سياسات إرهابية وإجرامية يجب التصدي لها، والأخطر من كل هذا أنها تقوم بعمليات تبشير يهودية بين الأطفال المسلمين أو المسيحيين. يشكو الكثير من الآباء من الدعم الحكومي الكبير الذي تحصل عليه هذه المنظمة الإرهابية، قائلين إن القائمين عليها لا يكتفون بخطف الأولاد، لكنهم يحرصون على تغيير ديانتهم وعقائدهم التي يؤمنون بها. وأشارت الصحيفة إلى أن عددا كبيرا من رجال الدين والحاخامات اليهود باتوا متخصصين في القيام بعمليات التهويد التبشيرية للكثير من هؤلاء الأطفال، خاصة من صغار السن، زاعمين -وفي لهجة استفزازية- أن إنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن الأخطار التي يعيشون بها يعتبر "واجبا دينيا مقدسا لا يمكن بأي حال من الأحوال الحياد عنه". جدير بالذكر أن الطفل في الديانتين المسيحية أو الإسلامية يتبع ديانة والده، غير أنه في اليهودية يتبع ديانة الأم، الأمر الذي دفع بالكثير من الحاخامات ورجال الدين بجانب الكثير من المتشددين على اليمينيين إلى تشكيل هذه المنظمة ودعمها على كل المستويات سواء المادية أو حتى السياسية من أجل استعادة أي طفل تنجبه سيدة يهودية من أب عربي. من جانبه يقول التليفزيون الإسرائيلي في تقرير له عن نشاط هذه المنظمة: إن عمل منظمة "ياد لأحيم" يرتكز أساسا في المناطق الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية، إلا أنه ينتشر في الوقت ذاته أيضا في الكثير من المدن والمناطق الإسرائيلية المختلطة مثل حيفا أو يافا أو بئر السبع، بل وحتى القدس والجولان وهي مناطق محتلة. المثير أن لهذه المنظمة موقعا عبر الإنترنت، وهو الموقع الذي يزعم القائمون عليه أن هذه المنظمة تعني ب"إحضار" الأطفال الذين انفصلت أمهاتهم عن آبائهم، وقيام الأب في بعض الحالات بالحفاظ على الابن بالقوة رغم وجود أحكام قضائية تفرض عليه تسليم الابن للأم. وينص القانون الإسرائيلي على ضرورة تواجد الابن بجوار الأم، في حالة الانفصال، حتى بلوغ سن معينة وبعدها يتم تخييره إما باستمرار البقاء لدى الأم، أو الذهاب إلى الأب. صحيفة معاريف تطرقت في تقرير لها إلى هذه النقطة القضائية، زاعمة أن القضاء الإسرائيلي يقف عاجزا عن التعامل مع الكثير من نوعية هذه القضايا التي يكون فيها الأب مسلما أو مسيحيا والأم يهودية، خاصة وأن الأب المسلم أو المسيحي لا يجوز له التنازل عن ابنه. وتعترف الصحيفة بأن هناك نصوصا صريحة في الإسلام أو المسيحية تمنع الأب تماما من ترك الابن لدى الزوجة اليهودية، خوفا من اعتناقه لهذه الديانة، وهو ما يفسر سر غضب البعض في هيئة الفتاوى بالمسجد الأقصى، أو بعض من الكنائس المسيحية، مما أسموه بتعامل إسرائيل المتراخي والكسول مع هذه النوعية من القضايا، والأهم من هذا انتقاد بعض من رجال الدين سواء المسلمين أو المسيحيين، سيطرة الحاخامات وكبار المتشددين اليهود من أعضاء الجماعات الدينية أو حتى الأحزاب السياسية على نشاط هذه المنظمة، مؤكدين أن القضايا الاجتماعية مثل الزواج أو الطلاق بين العرب واليهود لا يجب أن تحل بهذا العنف، خاصة وأنه كان الزواج في الأساس معقدا بدرجة كبيرة بسبب ديانة الأب واختلافها عن الأم. وقد عرضت أخيرا بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مآسي لعدد من الآباء ممن تم اختطاف أبنائهم على يد هذه المنظمة، مثل صحيفة كل العرب الإسرائيلية الصادرة باللغة العربية، وهي الصحيفة التي ألقت الضوء على مأساة الأب أحمد لوباني الذي يعيش في مدينة أشدود بعد قيام عدد من الحاخامات ورجال الدين من المنظمة المذكورة باختطاف أبنائه الاثنين، وذلك بعد شكوى زوجته ضده، ووقوع خلافات كبيرة بينهما بسبب إصرار الزوجة على اعتناق الأبناء لليهودية، وهو ما رفضه لوباني. ويقول لوباني: إن إصرار الأم على اعتناق الأبناء لليهودية يخالف تعاليم الإسلام الذي يمنع تماما أي أب من القيام بهذا، ويفرض عليه التصدي وبقوة لهذا الأمر. ورغم تقدم الأب بشكوى إلى الجهات المعنية فإنه يؤكد أن أعضاء المنظمة معهم عدد كبير من أعضاء الأحزاب اليمينية والمتشددة هددوه بالقتل إن واصل المضي قدما في طريق القضاء والتقدم بشكوى ضدهم لدى الجهات المختصة. الغريب أن لوباني لم يحصل حتى الآن على أي حكم يجيز له استعادة أبنائه رغم اعتراف الأم صراحة في التليفزيون الإسرائيلي بأنها استطاعت اختطاف أبنائها من بين أحضان أبيهم لحمايتهم مما أسمته بالتطرف والإرهاب الذين ينتشران في الأراضي الفلسطينية. الأهم من هذا كله أن القانون الإسرائيلي يفرض على الأم ضرورة استئذان الأب من أجل أخذ حضانة أولادها في حالة الانفصال أو اللجوء إلى القضاء عند عجزها عن القيام بهذا، إلا أن الأمر اختلف كلية مع الأب الفلسطيني، حيث تتعامل المؤسسات الإسرائيلية معه بعنصرية سافرة، وهي العنصرية التي لا يمكن وبأي حال من الأحوال السكوت أو الصمت عليها، خاصة وأن عمل هذه المنظمة يكتسب حماية غريبة واستفزازية من الجيش الإسرائيلي. وعند هذه النقطة تعترف إذاعة صوت إسرائيل في تقرير لها بأن الكثير من العسكريين الإسرائيليين يدافعون عن عمل منظمة "ياد لأحيم"، خاصة مع إيمانهم بأنها تنفذ أوامر إلهية لا يجوز الاعتراض عليها، الأمر الذي تسبب في الكثير من المشاكل خاصة إن وضعنا في الاعتبار أن غالبية العسكريين الذين يقدمون هذه الخدمة لأعضاء منظمة "ياد لأحيم" هم من المتشددين الدينيين أو الحاخامات العسكريين الذين يؤمنون بأن مساعدة الأم اليهودية على اختطاف نجلها من الأب الفلسطيني أو العربي هو واجب ديني يجب تنفيذه. وتوجه العديد من الفلسطينيين بشكوى إلى إسرائيل من أجل التصدي لهذه الظاهرة السلبية، إلا أن تل أبيب لم تحرك ساكنا أو تقوم بتقديم أي مساعدة، والغريب أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بالإضافة إلى بعض كبار الجنرالات الآخرين في الجيش أكدوا أن عمل المنظمة يأتي في إطار عائلي وبطلب من الأمهات، الأمر الذي لا يجيز لها التدخل فيه. ونظرا للطبيعة الإرهابية التي يتسم بها عمل هذه المنظمات فإن الكثير من الأحزاب والمنظمات الإسرائيلية تقدموا بطلبات لوقف نشاط هذه المنظمة والتصدي لها، خاصة وأن الأمر وصل إلى حد تناول الكثير من وسائل الإعلام العالمية لنشاط "ياد لأحيم"، وهو ما يسيء إلى صورة إسرائيل في العالم ويظهرها في صورة المنظمة الداعمة لمنظمات العنف والإرهاب، إلا أن جميع الطلبات التي تقدمت بها هذه المنظمات أو الأحزاب لم يستجب لها أي فرد أو مؤسسة. وتعترف صحيفة يديعوت أحرونوت بأن هذا التجاهل الحكومي متعمد، خاصة وأن أحزاب شاس أو إسرائيل بيتنا وهي الأحزاب التي تمثل لاعبا أساسيا في الائتلاف الحكومي الحاكم حاليا، تدعم عمل "ياد لأحيم" والأهم من هذا أنها تدعو إلى توفير الخدمات والمساعدات له. ويشير عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحزب شاس، إلى أهمية هذه النقطة، زاعما في واحدة من خطبه الدينية الأخيرة، أن إجبار الأبناء على القدوم إلى إسرائيل في حالة زواج اليهودية من عربي يعتبر "أمرا دينيا" طالبت به التوراة والشرائع السماوية اليهودية، مباركا أعضاء منظمة "ياد لأحيم" ومطالبا في الوقت ذاته بتوفير المساعدات المالية والإنسانية لهم على مختلف المستويات. وبالتالي يعكس عمل هذه المنظمة واحدا من أخطر أوجه العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، الذي يمنح الإرهاب والتطرف دعما لا نهاية له، الأمر الذي يفرض على جميع الدول العربية والإسلامية التدخل لإنقاذ الأطفال المسلمين ممن تختطفهم تل أبيب لتهويدهم.