د. مراد وهبة الرأي عندي أن هذا البرلمان يلزم أن يقال عنه إنه نسيج وحده، أي مغاير عن كل البرلمانات السابقة في أنه يأتي في سياق عبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي في الشهر الماضي: نحن نبني دولة جديدة، أي دولة مغايرة ومتميزة. وحيث إن البرلمان القائم يقع في الصدارة فيلزم من ذلك أن يكون أول مؤسسة يجري عليها ما سيجري على المؤسسات الأخرى من تغيير جذري يتسق مع المنشود، فالشائع والمألوف أن وظيفة البرلمان محصورة في توجيه سؤال أو استجواب إلى أي مسئول في السلطة التنفيذية، وذلك من أجل تقييمه إما سلبًا أو ايجابًا. وإذا كان هذا هو الشائع والمألوف فما هو هذا الذى ليس كذلك؟ للجواب عن هذا السؤال يلزم إثارة سؤال سابق عليه وهو على النحو الآتي: ما هى هذه الدولة الجديدة التى ستضم البرلمان وغيره من المؤسسات؟ إن هذه الدولة يلزم أن تتسم بما تتسم به رباعية القرن الحادى والعشرين وهى على النحو الآتي: الكونية والكوكبية والاعتماد المتبادل والإبداع. الكونية تعنى إمكان تكوين رؤية علمية عن الكون استنادا إلى الثورة العلمية والتكنولوجية، إذ أصبح الانسان يرى الكون من خلال الكون وذلك بفضل غزو الفضاء، وكان قبل ذلك يرى الكون من خلال الأرض. كما أصبح من الممكن أن يرى الأرض من خلال الكون فتبدو له وكأنها وحدة بلا تقسيمات، الأمر الذى لزم منه الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب. ولهذا لم يعد التفكير التقليدى صالحا لفهم هذه الظواهر الثلاث. ومن هنا يكون الإبداع أمرا لازما ومطلوبا. وإذا أضيف الابداع إلى الظواهر الثلاث يكون لدينا ما أسميه رباعية القرن الحادى والعشرين. وفى سياق هذه الرباعية يلزم أن تكون الدولة الجديدة حيث تكون المسئولية مشتركة بين سلطات الدولة الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية لأن الاعتماد المتبادل يعنى أن تكون المسئولية مشتركة بمعنى أن يكون الكل سائلا ومسئولا، أى أن الكل يسائل ذاته ويطور ذاته من غير انفصال جزء عن آخر. وأمثل لما أقول بظاهرة فكر الإرهاب المهددة للرباعية. فهذه الظاهرة كوكبية فى المقام الأول بمعنى أنها لا تخص دولة دون أخري، ولاتخص مؤسسة دون أخرى من مؤسسات الدولة إنما تخص الكل، ومن ثم يصبح الكل هو المسئول. ومن ثم تكون سلطة الدولة هى المسئولة. وحيث إن الدول فى حالة اعتماد متبادل، أى فى حالة تداخل بحسب الرباعية فيلزم أن تكون كل دولة فى حالة تداخل، وبالتالى يكون برلمان كل دولة على هذا النحو. ويترتب على ذلك كله القول إنه فى حالة فكر الإرهاب فإن مواجهته تكون من مسئولية الكل. ولا أدل على صحة ما أقول من استقبال رئيس مجلس النواب المستشار حنفى جبالى الدكتورة غادة والى وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذى لمنظمة الأممالمتحدة للجريمة والمخدرات والمدير العام للأمم المتحدة فى فيينا. وكانت برفقتها الممثلة الإقليمية لمكتب الأممالمتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومغزى هذا الاستقبال الذى تم فى أوائل الشهر الماضى يكمن فى رؤية مغايرة لكل من البرلمان المصرى والأممالمتحدة تتجاوز الرؤية التقليدية التى تشى بأن كلا من رئيس مجلس النواب ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة على وعى بضرورة التواصل فى سياق الظاهرة الثالثة من رباعية القرن الحادى والعشرين وهى ظاهرة الاعتماد المتبادل لمواجهة فكر الارهاب. ولا أدل على صحة ما أقول أيضا من المقال الذى حرره الدكتور عبد المنعم سعيد عضو مجلس الشيوخ فى صحيفة الأهرام بتاريخ 3/2/2021 تحت عنوان «الثورة القادمة» جاء فيه أن ما يحدث فى مصر إنما هو تحول جذرى يشى بفكر ثورى يستلزم إعمال العقل للتعامل الإيجابى مع لحظة ثورية، وهو الأمر الذى يستلزم إعادة النظر فى مسألة فصل السلطات الثلاث. فإذا كان المقصود من هذا الفصل تحقيق سيادة القانون فإن هذه السيادة لا تكفى لتحقيق كمال القانون، لأن ثمة منازعات لا يوجد بشأنها حكم فى التشريع الصادر عن السلطة التشريعية. ومن هنا يحق للسلطة القضائية استكمال هذا النقض بالرغم من أنها مكلفة فقط بتطبيق القانون. وما ينطبق على السلطة القضائية ينطبق أيضا على السلطة التنفيذية. ويترتب على ذلك أن الفصل بين السلطات الثلاث مسألة نسبية وليست مطلقة. ومن هنا يمكن القول إن اللحظة الثورية التى يشير إليها الدكتور عبد المنعم سعيد هى اللحظة التى تتداخل فيها السلطات الثلاث، ويكون البرلمان القائم هو الممارس لذلك التداخل، ومن ثم يكون الكل مسئولا، ومن ثم تكون المسئولية مشتركة ومبدعة على النحو المتضمن فى الرباعية من اعتماد متبادل وإبداع. إلا أن هذه الممارسة لن تكون مشروعة إلا فى حالات المشروعات القومية التى تكون تحت رعاية الدولة الجديدة التى أعلن عن بنائها رئيس الدولة والخالية من تمييز بين هوية دينية وهوية دينية أخري، والخالية أيضا من بيع الأوهام. وإذا كان القضاء على الفكر الإرهابى من المشروعات القومية فيلزم من ذلك أن يكون البرلمان القائم فى الصدارة. وإذا كان هذا الفكر يتسم بأنه كوكبى فيلزم أن تكون رؤية ذلك البرلمان هى الأخرى كوكبية، وبالتالى تكون من مسئوليته الانفتاح على برلمانات كوكب الأرض ولكن بشرط أن تكون هذه البرلمانات معادية لذلك الفكر ومعادية لمؤسساته بلا مواربة أو مناورة، وهو الأمر الذى يمتنع معه الحوار لأن الحوار فى هذه الحالة يكون مدخلا إلى التغلغل فى مؤسسات الدولة ومحاولة تفكيكها على نحو ما هو حادث فى سوريا ولبنان على سبيل المثال من قبل نظام الملالى وحزب الله.