لم يكن عام 2020 الذى قارب على الانتهاء عاما عاديا أو طبيعيا فى العمل الدبلوماسي، فقد خاضت الدبلوماسية المصرية خلال هذا العام، معارك ومواجهات دبلوماسية غير مسبوقة، سواء فى ظل استمرار تعقد الموقف فيما يتعلق بقضية مياه النيل، وسد النهضة الإثيوبي، أو بسبب الظروف والتداعيات السلبية غير المسبوقة التى فرضتها جائحة كورونا على مصر والعالم، فضلا عن الملفات والتهديدات التقليدية، التى امتدت من القضية الفلسطينية، مرورا بالأوضاع فى سوريا واليمن وليبيا وشرق المتوسط، ونهاية بقضايا محاربة الإرهاب والتدخلات الإقليمية وتدفق المقاتلين الأجانب وملف الهجرة غير المشروعة. أبرز المواجهات كانت على صعيد القضية الأبرز هذا العام، وهى أزمة السد الإثيوبي، حيث خاض وزير الخارجية سامح شكرى سجالا دبلوماسيا «تاريخيا» فى جلسة مجلس الأمن الافتراضية حول القضية فى يونيو الماضي، تفوقت مصر خلاله بوضوح فى عرض موقفها تجاه هذه الأزمة التى تعاملت معها إثيوبيا باستعلاء وتعنت، بينما تؤكد مصر فى جميع المحافل والمناسبات التزامها بالمسار التفاوضى لحل الأزمة بصورة تحقق مصالح جميع الأطراف، وفضلا عن المشاركة المباشرة فى اجتماعات سد النهضة المتتالية التى لم تسفر عن أى اتفاق حتى نهاية العام الحالي، واتصالات ولقاءات وزير الخارجية مع قادة الدول المختلفة، ومن بينها لقاؤه فى جنوب إفريقيا مع الرئيس سيريل رامافوزا، فقد نظمت عدة سفارات مصرية فى العواصم الكبرى خلال الأسابيع القليلة الماضية ندوات ولقاءات افتراضية لشرح وجهة النظر المصرية تجاه القضية. وعلى صعيد العمل الإفريقى المشترك، وبجانب التنسيق المستمر مع الرئاسة الجنوب إفريقية الحالية للاتحاد الإفريقي، ومع الرئاسة الكونجولية المقبلة للاتحاد، شهد العام الحالى انتخاب المجلس التنفيذى لبرنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية فى يوليو الماضى مصر لتكون نائبا لرئيس مكتب المجلس عن المقعد الإفريقى لمدة عام. وفى هذا الإطار أيضا، رحبت مصر باعتماد المجلس التنفيذى لمنظمة «اليونسكو»، قراراً بعنوان «أولوية إفريقيا» يتضمن دعم اليونسكو لجهود الدول الإفريقية فى مجال استعادة ممتلكاتها الثقافية المسروقة، وتعزيز تطبيق اتفاقية 1970 الخاصة بمنع الاتجار غير المشروع فى الممتلكات الثقافية. واحتلت قضية حقوق الإنسان جانبا مهما من الاهتمام الدبلوماسى المصري، سواء عبر إصدار البيانات التى ترد على المغالطات المتكررة الواردة فى بعض البيانات والتصريحات، وبخاصة بسبب قضية الباحث الإيطالى جوليو ريجيني، أو عبر نقل وجهة النظر المصرية بشأن ضرورة الاهتمام بما حققته الدولة المصرية على صعيد حماية حقوق الإنسان، وبخاصة حقوقه الأساسية التى يتغافلها البعض، مثل الحق فى الحياة والأمن والتعليم والصحة والسكن. وعلى صعيد الأزمة مع قطر، ثمنت الدبلوماسية المصرية جهود الوساطة الكويتية فى سبيل تحقيق المصالحة بين الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب: مصر والسعودية والإمارات والبحرين، من جانب، والنظام القطرى من جانب آخر، غير أنها أكدت ضرورة التزام الجانب القطرى بالشروط التى حددها الرباعى العربى لتحقيق هذه المصالحة، وأهمها التوقف عن دعم الإرهاب، وتوفير منصات داعمة له. وإزاء الانتهاكات التركية فى منطقة شرق المتوسط، سواء فيما يتصل بثروات الغاز فى المنطقة، أو تحركاتها الاستفزازية فيما يتعلق بالشأن الليبي، خاضت الدبلوماسية المصرية معارك ضارية مع نظيرتها التركية، وقفت خلالها ثابتة صامدة أمام التصريحات الصادرة عن المسئولين الأتراك التى تنافى الواقع، ومن بين هذه المعارك، البيان الصادر عن الخارجية المصرية فى 2 يناير 2020 بشأن إدانة خطوة تمرير البرلمان التركى للمذكرة المقدمة من الرئيس رجب طيب أردوغان بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، والتحذير من مغبة أى تدخل عسكرى تركى فى ليبيا، وتأثير ذلك على استقرار منطقة البحر المتوسط، وهو البيان الذى أعقبه عام كامل من الجهود الدبلوماسية لحشد المواقف الإقليمية والدولية المعارضة للتدخل التركى فى ليبيا، وتحرشاتها بثروات الغاز فى المتوسط. وعلى الرغم من تفشى أزمة كورونا، والقيود المرتبطة بهذه الجائحة، لم تتوقف جولات وزيارات وزير الخارجية المتتالية إلى الدول المختلفة فى سبيل ضمان إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية. وتتبنى مصر بوضوح موقفا يدعو إلى ضرورة الحفاظ على سيادة ليبيا، ودعم الشعب الليبى فى مواجهة الإرهاب والتدخلات الخارجية والعسكرية، ودعم الحل السلمى التوافقى بين الليبيين، وتأييد مساعى المجتمع الدولى لحل الأزمة عبر مقررات مسار برلين. وعلى صعيد مكافحة الإرهاب، شاركت مصر فى الأسبوع الافتراضى لمكافحة الإرهاب التى نظَّمها مكتب الأمم المُتحدة لمُكافحة الإرهاب هذا العام تحت عنوان «التحديات الإستراتيجية والعملية لمُكافحة الإرهاب فى بيئة الجائحة العالمية»، حيث أكدت مصر خلاله أنه لن يتسنى القضاء على الإرهاب بدون مُواجهة شاملة لكافة التنظيمات الإرهابية دون استثناء، ومكافحة الخطاب الإرهابي، ومواصلة قطع خطوط تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة ضد أى دولة تدعم أو تستضيف منابر إعلامية مشبوهة تُعد بمثابة منصات دعائية للتنظيمات الإرهابية. ونظرا لأنها تبقى قضية العرب الأولي، واصلت مصر التأكيد على أن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وآخرها القرار 2334، ومبادرة السلام العربية، تمثل المرجعيات المعتمدة للتفاوض، باعتبار التفاوض هو السبيل الوحيد لإحلال السلام، كما شددت على أهمية حث اسرائيل على الجلوس والتفاوض من أجل التوصل لتسوية نهائية على أساس حل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والمتواصلة جغرافياً على حدود الرابع من يونيو 1967 والقدسالشرقية عاصمتها، بحيث تعيش الدولتان جنباً إلى جنب فى سلام وأمان وازدهار. وفى الوقت الذى اتخذت فيه دول شقيقة خطوات بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، بما يزيد من فرص إحلال السلام فى المنطقة، حرصت مصر فيه على مواصلة رفضها لأى من الممارسات الإسرائيلية التى تضر بعملية السلام فى المنطقة، ومن بينها سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وكان آخر هذه الممارسات إعلان سلطات الاحتلال خطة إنشاء نحو 8300 وحدة استيطانية جديدة فى مدينة القدس، حيث أدانت مصر هذه الخطوة باعتبارها خرقًا جديدًا لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وإزاء الأزمة السورية، أكدت مصر استمرار انخراطها فى هذا الملف بكل قوة، وبذلت كل الجهود الممكنة لتسوية هذه الأزمة استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث أكد شكرى أكثر من مرة دعم مصر لكافة الجهود الرامية للتوصل لتسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تُعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد الشقيق وتحفظ وحدة وسلامة أراضيه وتحقق تطلعات الشعب السورى وتحفظ مقدراته، وبما يُسهم فى اقتلاع جذور الإرهاب والتصدى للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة. وعلى صعيد المشاركة المصرية فى المنظمات الدولية، حققت الدبلوماسية المصرية سلسلة من النجاحات، أبرزها نجاح مصر فى اعتماد مشروع القرار المصرى «السنوي» فى الأممالمتحدة، والذى يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها للجولان السوري. وفى ظل جائحة كورونا، تحركت الدبلوماسية المصرية على أكثر من صعيد، فقد بذلت الخارجية وسفارات مصر وقنصلياتها بالخارج مجهودات مضنية لإعادة آلاف المصريين العالقين فى دول مختلفة، وقدمت لهم التيسيرات اللازمة، بالتعاون مع الجهات المحلية المختلفة. كما طالب وزير الخارجية سامح شكرى فى اجتماع دولى بضرورة توفير «حق النفاذ إلى اللقاح» لجميع الدول، وألا يقتصر الحصول على لقاح كورونا على دول بعينها. كما نجحت مصر فى اعتماد بيان دولى حظى بتأييد 175 دولة فى الأممالمتحدة ينص على أهمية استمرار تدفق البضائع الأساسية فى ظل جائحة كورونا. وقادت مصر أيضا تحركا قويا فى الأممالمتحدة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على المرأة والطفل. ومع انتهاء عام 2020، من المرجح أن تكون هذه القضايا هى نفسها على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية فى عام 2021.