د. نصر محمد غباشي تعتبر القرارات الصادرة من البرلمان الأوروبي عن حقوق الإنسان وطبيعتها في مصر، ما هي إلا تحدٍ سافر وتدخل خارجي بالتعالي والغطرسة والغرور في مؤسسات الدولة المصرية، وهذه القرارات ترسم سياسة التوجه الخطير في تسييس حقوق الإنسان لصالح دول لها أطماع تاريخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومصر هي العقبة الوحيدة ضد هذا الزحف والتوسع الدولي الإقليمي لهذه الدول في المنطقة، وهذه الدول هي من تحمل تبعية هذه القرارات التي رسمتها وأعدتها لجنوح البرلمان الأوروبي في التعالي والطغيان وعبثه بالتدخل في سيادة الدولة المصرية. هل تناسى أعضاء البرلمان الأوروبي أن دولهم هم أول من استعبدوا الإنسان لأخيه الإنسان من خلال تجارة الرقيق التي ازدهرت في أوروبا أواخر القرن السادس والتاسع عشر، وكان يتم ذلك بتصدير الشاحنات البشرية من الأفارقة السود مقيدين بالسلاسل والأطواق الحديدية والتعامل معهم بوحشية مفرطة واستعباد وإذلال مدى الحياة، هل هذا لم يعتبر تحدًا كبيرًا لحقوق الإنسان كما يدل تاريخهم على ذلك في عصور الظلام التي عاشتها أوروبا. ألم يتبصر أعضاء البرلمان الأوروبي أن مواد الدستور المصري قد كرست الحقوق السياسية والمدنية وحرية الاعتقاد مطلقة وعلى حرية الفكر والرأي مكفولة، وأن النظام السياسي في الدولة قائم على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة، وأن الدولة أوجبت تخفيف الأعباء عن غير القادرين وتكفلهم بالعلاج والسكن المناسب والتعليم المجاني، من خلال الحق في رعاية صحية جيدة بالقضاء على الأمراض الوبائية والمعدية ولعل أشهر مبادرة لاقت نجاحًا عظيمًا شهد بها العالم ومنظمة الصحة العالمية هي مبادرة الرئيس السيسي في حملة "100 مليون صحة"، بالقضاء على الوحش الشرس فيروس سي الذي فتك بأكباد المصريين، والقضاء على العشوائيات التي هي مفرخة للبلطجة وتجار السموم ومدى خطورتها على الأمن القومي والسلام الاجتماعي، واستبدالها بسكن آمن لضمان معنى حقوق الإنسان وكرامته الإنسانية، لكي تتحقق كل مطالبه لدفع الضرر والخطر عنه لتحقيق المصلحة العامة للجماعة الإنسانية والمصلحة العامة للدولة، ألم يكترث البرلمان الأوروبي عن الحقوق والحريات العامة الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته على الوجه المبين في الدستور من حقوق كفلها للمواطن وتشمل حقه في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والمؤسسات الأهلية وحق الانتخاب وحق العضوية في المجالس النيابية والنقابات المهنية والعمالية وكلها حقوق على أسس ديمقراطية سليمة. وإن إصرار البرلمان الأوروبي على الاستفزاز بمشاعر المصريين بتسييسه لقضية الإيطالي الجنسية جوليو ريجيني الباحث في جامعة كامبريدج، والتدخل في التحقيقات المنظورة أمام سلطات التحقيق القضائي لمعرفة سبب وفاته، ليس من المقبول هذا التدخل في الشأن القضائي باسم حقوق الإنسان؛ لأن الطبيعة القانونية لسلطات التحقيق هي الملزمة وحدها بتحديد ووصف الحالة التي توفي بسببها الباحث الإيطالي دون تدخل يؤثر على سير وطبيعة التحقيقات الجارية بخصوص هذه الحالة، وهذا ما يقتضي به المنطق القانوني، دون الذهاب إلى عكس ذلك، وهو الجنوح على مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها للفقيه الفرنسي جان جاك روسو فيلسوف الثورة الفرنسية، وقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تكريس هذا المبدأ وميثاق الأممالمتحدة، ونصت عليها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية في صلب دساتيرها حتى لا تتغول سلطة على الأخرى. أين حقوق الإنسان الذي ينادي بها البرلمان الأوروبي لمن ينادون بحقوق الإنسان من النشطاء أصحاب المصالح الذين لا يريدون خيرًا بالدولة المصرية، الذين يحضون على الكراهية ويدعون إلى نشر الفوضى وإشاعة الفتن والاضطرابات والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة للدولة، فليس من المقبول بالعقل والمنطق أن يتم الاعتراف بهذه الأعمال والكشف عن خطورتها الإجرامية لكل مرتكب لها باسم حرية الرأي كحق من حقوق الإنسان، إذا كانت الدولة المصرية تضمن الحماية للمواطن في ممارسة حقوقه في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهذا إرساء لدعائم حقوق الإنسان دون الجنوح بها للدعوة للتحريض والفوضى، فكلها أفعال تخل بالأمن والمصلحة العامة للدولة، فهؤلاء لا يحترمون حقوق الإنسان ولا يكرسونها عملًا، وكانت هذه الأفعال اجتازتها بعض الدول العربية تحت مسمى الربيع العربي، وهذا مسمى حق المراد به باطل. أين حقوق الإنسان في الدول العربية التي تعيش سنوات عجاف من تآمر الخونة والعملاء والمرتزقة من دول إقليمية ودولية على دول الخريف العربي في العراق وسوريا وليبيا واليمن، فقد تشردت شعوبهم وتفككت جيوشهم وأصبحوا دولًا فاشلة منقوصة السيادة فاحتلتهم جيوش الدول الأخرى لسرقة خيراتهم من الثروات المادية والتاريخية، كل ذلك حدث بفضل ما قام به الخونة في هذه الدول باللجوء إلى أعمال عدائية بالتخريب والعنف والفوضى، فكانت هذه الأفعال ليست في مصلحة الدول تحت مسمى حرية الرأي، ولكن أي نشاط مخالف للقانون وشديد الخطورة على الأمن القومي لابد من جزاء رادع لهذا العدوان حتى يلقى فاعله جزاء المحرض والخائن الذي يهدد أمن واستقرار البلاد السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي، وهذا ما يدعو له البرلمان الأوروبي بالسماح لهؤلاء الخونة بأن يلجأوا لهذه الأعمال شديدة الخطورة على مصر وشعبها. هل تسمح قوانين الدول الأعضاء في البرلمان الأوروبي بالتظاهر بقطع الطريق وتعطيل مصالح الشعب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإشاعة الفتن والاضطرابات في الدولة تحت مسمى حرية الرأي والديمقراطية كحق من حقوق الإنسان التي يكرسونها لشعوبهم بالطبع لا؛ لأن قوانينهم تتميز عقوباتها بالشدة والقسوة إذا تبنت الأشخاص هذه الأفعال والأفكار الهادمة حتى لا تؤدي إلى فوضى شاملة تعم جميع المرافق الحيوية في الدول. هكذا تقابل الدولة المصرية بقوانينها على كل يد تستهين بحقوق ومقدرات الشعب، إن الدولة المصرية ذات سيادة تحترم الدستور والقانون ولا تقبل توجيهات أو أوامر من أحد؛ لأن قرارات مجلس البرلمان الأوروبي كلها طغيان وغرور ودعوة للفوضى والعنف تحت مسمى حقوق الإنسان، وأنا أهيب بالشعب المصري العظيم من خلال مقالي هذا من رجال الصحافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، بالوقوف إلى جانب الدولة ومؤسساتها الوطنية من الجيش والشرطة وعدم النقد في خطط وتحركات هذه الجهات حماية لظروف الدولة ومقاومة الإرهاب فيجب على الجميع أن يتفق على هذا التوافق. ويأتي ذلك من منطلق تاريخ طويل للشعب المصري للدفاع عن الدولة المصرية ضد الأطماع الخارجية من الدول الإقليمية والدولية التي لا تريد الخير لمصر، وأيضًا تاريخ الصحفيين الطويل في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والرأي الآخر، ومن منطلق الحفاظ على حرية الرأي وإبدائه دون خوف أو رهبة وإيمانهم الشديد بحرية الصحافة وتقديرهم لوطنيتهم، وحفاظهم على كيان الدولة المصرية، وهذا الوقوف يأتي من واقع ومنطلق مسئولية الصحفيين التاريخية والوطنية، وتحقيق المواءمة بين مصلحة وأمن الوطن في هذه الفترة الفارقة من تاريخ مصر التي يتربص بها المتربصون؛ بكيان الدولة المصرية وأمن وسلامة واستقرار المواطن المصري.