د. مجدي العفيفي إلَّا.. الطابق السادس في «الأهرام» .. (8) و.. لا أزال في الطابق السادس ب «الأهرام». كانت العاصفة التي أثارها المعارضون ل"أحاديث توفيق الحكيم الأربعة" مع الله، التي نشرها في الأهرام أول شهر مارس من العام 1983 بمثابة زوبعة في فنجان مقلوب، تلاشت هباء منثورًا، وبقيت الأحاديث الأربعة كتلة سردية من سرديات الحكيم ذات النسقي الصافي، تستمتع الأرواح والنفوس بجمالياتها الروحية والوجدانية، وهي تعبق من مكتب الحكيم رقم ( 606). في هذا الطابق الذي تحول أيامها إلى صفحة من صفحات النيل، سطح هادئ ينساب رويدًا، وباطن يمور مورًا ..!. عاتية كانت تلك العاصفة الهوجاء، فمن قائل: إن هذا الشكل من الحديث جرأة على الله وإهدار للمقدسات واعتداء على شرف الكلمة، وضياع لمعالم الحق وتدليس شنيع، يجب التوقف عنه وإيقافه حتى لا يسقط القلم من يدي الحكيم، ويكون هذا آخر ما كتب». ومن قائل: «لقد فتحت النار على هذه الحوارات، لأنها دعوة للفكر والتطاول على الذات العلية، ولو أن الدولة كانت تحتضن الدين كما احتضنت نظامًا، وفرضته لما استطاع واحد مثل هذا الكاتب أن ينال من الدين الحنيف».. ويستطرد: «إن الدين ليس له صاحب في مجتمعنا، بدليل أن المنسوبين إلى الدين حينما تعرضوا لنظام الحكم سجنوا»، وأضاف: «لقد شاء الله ألا يفارق هذا الكاتب «الحكيم» الدنيا إلا بعد أن يكشف للناس ما يخفيه من أفكار وعقائد كان يهمس بها ولا يجرؤ على نشرها.. وشاء الله ألا تنتهي حياته إلا بعد أن يضيع كل خير عمله في الدنيا فيلقى الله بلا رصيد إيماني». ومن قائل: تحت عنوان"أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم؟" هل نسي هذا المتحدث مع الله أن العليم الخبير قد قال بالقول القطعي الثبوت القطعي الدلالة: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}. فإذا كان هذا هو كلام الذات العلية التي يقول الأستاذ إنها ردت عليه فأيهما نصدق كلام الله وقرآنه أم كلام الكاتب الضليع الفيلسوف الحكيم؟! ومن قائل: إن تاريخ الأستاذ توفيق الحكيم حافل بمعارضته للفكرة الإسلامية منذ اليوم الأول لظهور مسرحيته "أهل الكهف" 1932، وحتى اليوم.. في خلال نصف قرن لم يختلف عن مواقفه التي تجري مع أهواء التغريب، وليس موقفه اليوم في التهجم على أدب الحديث مع الحق تبارك وتعالى إلا ذروة هذه المحاولة المستمرة الخطيرة التي واجهها كثير من الباحثين الإسلاميين في وقتها كاشفين عن الهدف الدفين من استغلال منبر من منابر الصحافة ك"الأهرام" لإذاعة هذه الأخبار. و...و... غير ذلك مما وصل إلى حد السب والقذف والتشهير، بما لا يليق بشيخ المفكرين العرب، ولا حتى بأي شخص. و.. لا أزال في الطابق السادس ب «الأهرام». أما الذي كان أشرس المهاجمين للحكيم في هذه المعركة فهو الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي أقيمت له ندوة في جريدة «اللواء الإسلامي» حول مقالات الحكيم، وكان مما قاله (وأثار غبارًا ناريًا ضده من اثنين من كبار المفكرين شكلًا مع الحكيم معسكرًا للمواجهة وهما زكي نجيب محمود ويوسف إدريس): - الأستاذ توفيق الحكيم لم يقل لنا كيف كلمه الله.. هكذا مواجهة أم أرسل إليه ملكًا أم ماذا حدث؟ وما هي الكيفية التي تم بها الحديث، فإن كان الحديث من الله تخيلًا أن الله يقول فكأن الأستاذ توفيق الحكيم قد قيد مرادات الله بمراداته، أي أنه قد قيد إرادة الله بإرادته هو؛ فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته وما لا يريده لا يقوله. 2 - وتقييد إرادة الله بإرادة البشر هو خطأ ثان ارتكبه الأستاذ توفيق الحكيم، وأعتقد أنه خطأ جسيم لا بد أن يعتذر عنه ويستغفر الله؛ فما من بشر مهما بلغت عبقريته يستطيع أو يسمح له بتقييد إرادة الله؛ بحيث يجعل الله سبحانه وتعالى خاضعًا لإرادة بشر، يقول ما يقوله هؤلاء البشر ولو تخيلا، ذلك اجتراء على الله جسيم وكل من يجترئ على الله سبحانه وتعالى بأن ينقل عنه عز وجل ما لم يقله موعود بالويل؛ فما بالك بمن قيد إرادة الله بإرادته يجعل الله يتكلم متى شاء توفيق الحكيم ويجعل الله يسكت متى شاء توفيق الحكيم أن يسكت الله ويجعل الله يحكم عباراته وكلماته عقل توفيق الحكيم وفكره، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله وأحب خلقه إليه }وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ{ إذا كان هذا هو حديثه مع رسوله أيبيح الله سبحانه وتعالى لتوفيق الحكيم ما لم يبح لمحمد عليه الصلاة والسلام أعتقد أن هذا غير مقبول. 3 - الكلمة عند عباد الله محدودة بكمال المتكلم فجاء توفيق الحكيم ليخضع كمال الله الأزلي إلى كماله المحدود، ويجعل الله سبحانه وتعالى يتكلم بلسان توفيق الحكيم وفكره وعقله، وكأنه في هذه الحالة قد أخضع فكر خالق وقوله لفكر المخلوق فهل يصح هذا؟ وهل يمكن أن يضع فكر خالق لفكر مخلوق بحيث يتساوى الفكر بينهما؟ وهل من الممكن أن أخضع أنا المخلوق الضعيف فكر الله لفكري فأتحدث عنه وأتكلم عنه أليس هذا خطأ؟!. و.. لا أزال في الطابق السادس ب «الأهرام». كنت أحرص على زيارتك شيخنا الجليل توفيق الحكيم للمتابعة بشكل غير مباشر، كنت أجده هادئًا شكلًا، رافضًا “الفكر الذي يصدر بلا تفكر عن غير عقله الذي خلقه الله ليفكر، أو يرتدي بلا مناقشة ما خرج من قلب وعقل الآخرين دون تأمل أو تمحيص» ومقتنعًا بأن ما كتبه وسيكتبه مناجاة مع ربي وخالقي بلغتي الخاصة وثقافتي الخاصة» إن حديثي مع الله وإلى الله في مقالاتي الأربع التزمت فيه أدب الحديث مع ربي... كررت أكثر من مرة أنه لم يخاطبني، وإنما أن الذي أجيب مستلهمًا ما يمكن أن يكون رد الله على تساؤلاتي مستلهما من قرآنه الكريم وسنة نبيه صلوات الله عليه، الردود التي نسبت تخيلًا إلى الخالق راعيت فيها أن تكون مقتضبة مثل “أكمل”، “استمر وأنت المحاسب على ما تقول”.. أو آية مثل رده عليَّ بقوله “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”… إلخ.. سامح الله من أساء فهمي ومن أساء الظن بقصدي ومن افترى عليَّ ما لم أقله ومن أراد تنفيري من الإسلام دين السماحة واليسر. وكان يرفع حاجب الدهشة كثيرًا من أصحاب هذه العاصفة إذ كيف لم يلتفتوا إلى من كتابات السابقين من مفكري الإسلام ومتصوفيه زوّقوا الأحاديث ونسبوها إلى الله شعرًا ونثرًا في أساليب جريئة مما لا أتصور إقدامي على مثله، تأمل ديوان ابن الفارض رحمه الله وكتابات ابن عربي راجع كتاب «المواقف والمخاطبات للنفري» وكذلك كتب «النسبة والفتوحات المكية لابن عربي» و«الطبقات الكبرى للشعراني» و«كشف الظنون ولطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام ومكاشفة القلوب للغزالي». وطلب الشعراوي للرد طالبًا عمل مناظرة معه الثلاثة (الحكيم وزكي نجيب وإدريس) وقد رحب وزير الإعلام - وقتها - صفوت الشريف بعقد هذه المناظرة التليفزيونية باعتبارها «تساعد على تبصير المجتمع بالقضايا الدينية» إلا إن الشعراوي اشترط أن يتحدث وحده، وقد رفض الثلاثة هذا الشرط رفضًا قاطعًا، ونقلت هذا الرأي عبر ما كتبته من متابعة في (الأخبار). ثم حدث أن اشتد معسكر «الحكيم» وإذا بالمفكر العظيم الدكتور زكى نجيب محمود، يتهم الشعراوي علنا في مقاله الأسبوعي ب (الأهرام) بأنه «كهنوت ديني». وإلى لقاء الأسبوع القادم مع معركة الكهنوت الديني، إن كان في العمر بقية..!