د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات توجد غالبًا مصابيح صغيرة تُعطى أضواء متفاوتة حين يشتد الظلام أو يكاد. نجد مثل هذه المصابيح الآن فى أنشطة ثقافية متنوعة تضىء على القضية الفلسطينية، فى لحظة تُعد الأكثر ظُلمة فى تاريخها. رأى متابعو مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، الذى اختتم مساء الجمعة الماضى، شعاع ضوء فى الاحتفاء بالفيلم الفلسطينى 200 متر، والتأثير الذى أحدثه فى مشاهديه. فقد صُنع الفيلم بطريقة مهنية، ولم يقدم رسالة مباشرة تأخذه من مساحة الفن إلى السياسة. ولكن موضوعه ينطوى بطابعه على ما يجعله مؤثرا فى مشاعر مشاهديه، لأنه ينطق برسالة قوية عن شعب مسلوب وطنه ويتعرض لظلم فادح. فالمقصود بال 200متر المسافة التى أصبحت تفصل بعض الفلسطينيين عن ذويهم بعد إقامة جدار الفصل العنصرى. ويقدم الفيلم رؤية درامية لحياة عائلة فرَّقها هذا الجدار، فصار الأب فى جانب، وأبناؤه فى الجانب الآخر, وصار لقاؤه معهم بالغ الصعوبة رغم أن المسافة بينه وبينهم 200 متر فقط. لكن الضوء الذى ينبعث من التفاعل الإيجابى الواسع مع هذا الفيلم يخفت حين نعرف أن صانعيه واجهوا صعوبات مالية كبيرة كادت تُنهى حلم صانعيه أكثر من مرة. وتثير هذه التجربة قلقاً بشأن مدى قدرة مثقفين فلسطينيين على مواصلة تقديم أعمال متقنة ومؤثرة تتطلب تمويلاً لا يجدونه، أو يواجهون صعوبات ضخمة لإكمال النفقات اللازمة, على نحو ما حدث مع مخرج 200 متر أمين نايفة ومنتجته مى عودة، الأمر الذى يفرض وضع علامة استفهام كبيرة أمام موقف أثرياء فلسطينيين، أو من أصل فلسطينى يعيشون ويعملون فى أوروبا وأمريكا اللاتينية، ودعم بعضهم مشاريع ثقافية من أجل قضية شعبهم فى مراحل سابقة. فهل أوقفوا الدعم، وكفوا عن الاهتمام بمشاريع تعبر عن القوة الناعمة الفلسطينية، التى صارت أداة المقاومة الأولى فى الوقت الراهن، وما دلالة تغير موقفهم، وهل تمكن اليأس منهم؟ أم أن صانعى الفيلم لم يتوجهوا إلى أحد منهم، أو لم يعرفوا طريقاً إليهم، وحاولوا الحصول على تمويل من مؤسسات أوروبية تدعم النشاط الثقافى؟ سؤال يحتاج جوابا صريحا من صانعى الفيلم.