كلما حلت بنا مشكلة أو كارثة أو أزمة من تلك النوعية التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فإننا وللأسف الشديد نفاجأ بالغالبية من الشعب وقد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى محللين سياسيين و نقاد رياضيين وخبراء فى العلاقات الخارجية ، بل ويصبح بعضهم بقدرة قادر "ضليع" فى الشأن العام. واللافت للنظر فى هذا الأمر أن أى مواطن "يسير فى الشارع" أصبح يتحدث فى كل شيء وعن أى شيء وهو فى الحقيقة ربما يكون لا يعرف الفرق بين "الألف" من "كوز الذرة"، والغريب فى الأمر أنك حينما تستمع إليه فإنه يعطيك انطباعًًا بأنه يمتلك ملفات ووثائق مهمة وفى غاية السرية أيضًا ولديه "أخبار طازه" سيتم الإعلان عنها خلال ساعات. أما الكارثة الحقيقية التى ترتبت عن تلك الفوضى التى صنعها بعض الإعلاميين الذين يعطون آذانهم لكل "من هب ودب" ويشاركون فى جريمة ظهور أنصاف وأرباع الموهوبين معهم فى الشاشة فإنها تتمثل فى أن الخبير الحقيقى الذى يكون بالفعل يمتلك العلم والخبرة ولديه دراية كاملة بمجريات الأمور قد أصبح ليس له مكان على "الشاشة" وحتى إذا ظهر بالصدفه فإنه لا أحد يصدقه خاصة بعد أن تاهت الحقيقة وانحرفت عن الطريق الصحيح وبعد أن تعرضت المصداقية للاغتيال على يد حفنة من المرتزقة والمأجورين الذين للأسف الشديد يحتلون مكان الصدارة عبر الفضائيات وهم يروجون لمعلومات مغلوطة وغالبيتها قصص وهمية لاوجود لها إلا فى أذهانهم ونفوسهم المريضة التى تسعى وراء الشهرة والنجومية حتى ولو كان ذلك على حساب الحقيقة. إن ما يحدث ونعيشه الآن من فوضى "معلوماتية" يذكرنى بقصة تعود إلى قديم الزمان حول تاجر كان يبيع البقوليات مثل العدس والفول، وذات يوم هجم عليه لص وسرق نقوده وجرى، فتعقبه التاجر وجرى خلفه وفي اثناء جرى اللص واستعجاله تعثر في "شوال" عدس فتبعثر كل ما فيه .. وما إن رأى الناس حبوب العدس وهى تملأ الأرض حتى تعجبوا من جري التاجر خلف اللص، وظنوا أن اللص سرق العدس والتاجر يجري خلفه، فوجهوا له اللوم وقالوا له: كل هذا الجرى من أجل "حفنة عدس" واتهموه بأنه ليس في قلبه رحمة ولا تسامح .. فرد عليهم التاجر قائلًا "إللي ميعرفش يقول عدس" وكانت هذه هى الجملة الشهيرة التي ظلت تتناقلها الأجيال حتى اليوم، وصارت مثلًا نردده حينما نرى هؤلاء الأفاقين الذين يملأون ساحات الإعلام الآن وهم يتحدثون فى أشياء لا يعلمون عنها أي شيء. [email protected]