كل ما أريده هو فقط أن أجلس بالمنزل وأرتدي ملابس فضفاضة وأكل طيلة اليوم هل هذه جريمة؟ هذا ما قالته الممثلة الأمريكية الجميلة جينيفر إنيستون .. تجسد جينفر إينستون بقولها هذا ما يفعله الكثيرون من رؤية ما يستمتع به غيرهم وتجاهل ما لديهم؛ وزرع الشعور "بالحرمان" بأعمارهم بدلا من تذكر أهمية ما فازوا به من الحياة وتناسي حقيقة أن غيرهم "يحسدهم" عليه. نسيت جينفر إنيستون أنها تستمتع بالنجاح وبالشهرة وبالمال وربما كانت مثل مذيعة مشهورة وجميلة قابلتها منذ سنوات وأجرت معي لقاءً تليفزيونيًا كانت فيه مثالًا للبهجة وفوجئت بها بعد اللقاء وقد انسحبت البهجة من ملامح وجهها؛ وقالت لي أعيش فقط السعادة أمام الكاميرا. وصدق فرويد وهو القائل: لا يمكنك أن تجد السعادة وأنت غارق في حديثك عن الألم، والمشكلة ليست بحديثنا عن الألم مع الناس فقط؛ فالأسوأ هو تفكيرنا به كثيرًا وحديثنا الصامت مع أنفسنا به والغرق بالتفاصيل اليومية الصغيرة والمكررة من شركاء الحياة وممن نقابلهم بيومنا والتركيز على السخافات والمهاترات وأحيانا والمناكفات التي لا تخلو منها حياة بالكون وسرقة أنفسنا وعدم رؤية ما سعينا "وناضلنا" للفوز به لنسعد به ولنسعد من نحب أيضا؛ وإذا به يتحول بمرور الوقت "لشيء" نقتنيه؛ وكأننا كالطفل الذي يلح للحصول على لعبة يتمناها ويبكي ويتحايل ليفوز بها وبعد حصوله عليها يلهو بها لبعض الوقت ثم يلقيها بعيدًا وقد يحطمها.. ومن السهل انتقاد جينفر إينستون والرد: تستطيعين فعل ذلك؛ فلا أحد يهددك لتواصلين اتباع حمية غذائية صارمة للحفاظ على رشاقتك ولا لبذل المجهود المتواصل بالقيام بتمارين رياضية للتمتع ب اللياقة البدنية العالية والمظهر اللائق بنجمة مشهورة، ولا أحد يفرض عليك ارتداء ملابس ضيقة فأنت تختارينها بكامل إرادتك لتتابعين أحدث الموضات العالمية ، وتمتلكين أموالا تكفيك للعيش كما تتمنين وبإمكانك الاعتزال "والاكتفاء" بما حصلت عليه من الشهرة والأضواء وفعل ما يحلو لك من تناول طعام وغيره ومن يمنعك عن فعل ذلك هو أنت فقط؛ فأنت تريدين كل شيء النجومية وما يتبعها من أمور "ترينها" أعباءً وتتمنين التخلص منها والفوز بالمزايا "وحدها" وهو ما يتمناه غالبية البشر إن لم يكونوا جميعا. فمن منا لا يريد الشيء وضده؛ فنريد النجاح والمزيد منه ونشكو الجهد للوصول إليه؛ ونحب الرشاقة ويضايقنا ترشيد تناول الطعام ونتمنى شراء ما نرغب به ونتألم لتراجع مدخراتنا أو لاضطرارنا للإقتراض ونسعى للإنجاب ونضيق برعاية الأبناء ونراهم أحيانا قيودًا ترهقنا، ونبذل من "أعمارنا" وصحتنا الوقت والجهد لنحصل على ممتلكات ثم نتعامل معها بلا مبالاة ولا نكاد نراها في دوامة اللهاث للحصول على الأفضل؛ وكأننا مثل سيزيف في أسطورته الشهيرة التي تحكي عن لعنة أصابته وحكمت عليه لجشعه بحرمانه مما لديه وبأن يقوم بدفع حجر لأعلى الجبل؛ فقط ليراه يتدحرج إلى الوادي ثم يكرر ذلك إلى الأبد؛ ويتعب بلا جدوى وينهك نفسه وهو يثق بعدم وجود "جوائز" تعوضه عن التعب الذي يبذله "مضطرًا"؛ ونختلف مع الروائي ألبير كامي الذي قال: إننا جميعًا نعيش في هذه الحياة ونحارب فيها ونحن نعلم أن هذا كله زائل وأنه بلا جدوى.. إننا جميعًا سيزيف .. ولا أحد يولد " سيزيف " بل يختار البعض أن يكون سيزيف ، ولو أنصفنا أنفسنا لعرفنا أن لدينا الكثير والكثير من أسباب السعادة والتي نتجاهلها ونواصل دفع الحجر لأعلى ونراقب انحداره. ومعظمنا يتعامل مع السعادة وكأنها لابد أن ترتبط بالفوز بما ليس بأيدينا؛ ونتناسى أنها "مزيج" من ما حصلنا عليه بالفعل وما نسعى للفوز به.. ولنتذكر ما جاء بألف ليلة وليلة حيث طلب الحكيم من شاب أن يمسك بيده ملعقة عليها نقطتين من الزيت؛ وقال له تجول بحدائق القصر ولا تسكب النقطتين فذهب الشاب لجولة وعاد سعيدًا "بنجاحه" بالاحتفاظ بنقطتي الزيت.. سأله الحكيم ماذا رأيت من جمال بالحدائق؟ فرد لم أر شيئًا، ولكني احتفظت بالنقطتين، فطلب منه الرجوع وتكرار التجربة ففعل وعاد فسأله عما رأه فراح يحكي بانبهار وبفرح عما شاهده من أزهار وأشجار وووو.. فسأله الحكيم وأين النقطتين؛ فتنبه أنهما سقطتا منه لانشغاله بمشاهدة الجمال. وربما كانت السعادة بالتوازن بين ما نبغي امتلاكه وبين الفرح بما لدينا؛ فالفرح الناعم وليس الصاخب؛ يهدئ وينعش ويزيل الأتربة عن العقول والقلوب؛ ونقصد بها الاحتفاظ بالصغائر ولن نفوز بذلك إلا عندما ترتبط السعادة لدينا بهدف وليس بأشخاص أو أشياء؛ فالأشخاص قد تتراجع أهميتهم لدينا أو تنتهي علاقتنا بهم لأية أسباب وكذلك الأشياء تفقد أهميتها أو تتراجع ولو بحكم الاعتياد، وهذا ما قاله العبقري ألبرت أينشتاين فقال: إذا كنت تريد أن تعيش حياة سعيدة؛ اربطها بهدف وليس بالناس أو الأشياء.. فلنختر الهدف ليصبح كالنور "الناعم" ويأخذ بأيدينا بلطف ويهدهدنا بنعومة ويذكرنا بأن نسعد بما حققناه - وإن قل - ليكون الوقود للأفضل وألا نصبح أبدًا مثل جينفر ولا سيزيف ..