كل عام وإخوتنا المسلمون فرحون في أعيادهم، كل عام ونحن جميعاً فرحون معاً. فالسعادة شق من الحضارة الإنسانية، فكل ما هو حضاري يعطي سعادة وفرحا، فالفن والبناء والعلم والإنجازات الإنسانية هي أسباب للسعادة. كما أن الاقتراب من الله ينشئ داخل النفس راحة وسعادة فيخرج الإنسان ليملأ الكون حباً وسلاماً. وقد اعتدنا في مصر أن تكون أعيادنا مشتركة وقد ورثنا عن أجدادنا الفراعنة طريقة الاحتفال بالأعياد، ففي مصر الأعياد لها سمات تشع بهجة وسعادة ويشترك فيها كل المصريين، كما اعتدنا أيضاً أن نتشارك مسلمين وأقباطا في أعيادنا فنتبادل أطباق الكعك والحلوى ونتبادل الزيارات والمعايدات ويشعر الجميع بحالة الفرح. وقد يكون مناسبة العيد دينية إسلامية أو مسيحية، ولكننا نشعر بأن العيد هو عيد الجميع كما يقول المفكر إيمرسل: «السعادة كالعطر لا يمكن سكبه على الآخرين دون أن تنال بعضاً منه». ففي الأعياد شوارعنا تفرح، وبيوتنا تفرح، الشعب كله يفرح. ففي أعيادنا الفرح يعم مختلف أرجاء بلادنا. والسعادة حالة لا تسكن إلا في نفوس لديها استعداد للحياة فقد يأتي العيد وقد تطرق السعادة على الأبواب ولكن لا يفتح لها إلا من لديه استعداد للفرح، فيوجد أشخاص الكآبة ترسم ملامحهم الخارجية والكراهية تشكل ملامحهم الداخلية فيأتي العيد ولا تدخل إلى نفوسهم الفرح. فالسعادة حالة إنسانية سمحة مفرحة تنشر البهجة في كل الأماكن التي فيها هؤلاء السعداء. فتخيل معي هؤلاء الإرهابيين في داعش، والذين على شاكلتهم حين يأتي العيد ترى هل يمكنهم أن يقولوا لبعض كل سنة وأنت طيب؟ كل سنة ونحن ننشر الفرح؟ كل سنة والعالم بخير؟ أم سيقولون كل سنة وأنت إرهابي؟!!، وأنت دموي؟!! كل سنة وأنت تنشر الكراهية والموت في كل البيوت؟!! ويقول الفيلسوف جون لوك: »الوجه البشوش هو شمس ثانية« لذلك فهؤلاء الإرهابيون يعيشون في ظلام دائم. والفرح دائماً يكون على مستويين: أولاً: داخلي: وهو نتيجة مصالحة الإنسان مع الله ومع نفسه ومع الآخرين فالنفس التي تسعى دائماً إلى استرضاء ربها تعيش في سعادة. والمصالحة الذاتية هي الخروج من حالة الصراع وهذا يأتي بالرضا. فالنفس المتمردة لا تشعر بالسعادة. والرضا هو الاستعداد الدائم لقبول الحال وهذا لا يعني عدم الطموح فقبول الواقع والتصالح معه هو الخطوة الأولى للنمو والطموح. فيقول الفيلسوف العظيم أرسطو: «أن تكون سعيداً فهذا أحد وجوه الحكمة». وقد تجد حولك أسبابا كثيرة كي تعيش في ضيق ونكد، ولكن تأتي الأعياد لتغير هذا الحال. لذلك الحكماء هم الذين يبحثون عن أسباب للسعادة رغم كل شيء. وقد تجد الحكمة في حياة فلاح بسيط يستمتع مع عائلته بأبسط الأشياء فتجد في قلبه الصافي ونفسه المستنيرة حكمة السعادة والشكر. ثانياً: مشاركة الآخرين: فالسعادة والفرح لا تأتي إلا بالمشاركة فيقول بوذا: «يمكن إضاءة آلاف الشموع من شمعة واحدة ولن يقصر ذلك من عمر الشمعة، كذلك السعادة لا يمكن أن تقل إن تشاركتها مع الآخرين». ويقول شكسبير: «تبلغ ابتسامتك ما يعجز عنه السيف». هذا يعني أن نشر الفرح والسعادة يمكن أن يغير أمورا كثيرة. ويقول أيضاً جون ستيوارت ميل المفكر العظيم: «ما تريد بلوغه بإرهاب الآخرين يسهل عليك الوصول إليه بابتسامتك». ونشر الفرح والسعادة هو سلوك الأسوياء، بينما نشر الكراهية والكآبة هو سلوك المرضى. فيحكى عن غاندي أنه يوماً جرى لكي يلحق بقطار وبينما هو يركب القطار سقطت إحدى فردتي حذائه على الرصيف، فخلع الفردة الأخرى من قدمه وألقاها من القطار على الرصيف. فاستغرب جداً من كانوا معه، وقالوا له: «لماذا فعلت هذا؟» فقال: «حتى من يجدها يستطيع أن يستفاد بالحذاء فماذا ينفعني أن احتفظت بتلك؟». إنه كان يفكر في سعادة الآخر. لذلك في يوم العيد فلنخرج من ذواتنا وسجن نفوسنا، لنقدم الحب والسعادة للآخرين، لنفتح نوافذ النور لتملأ نفوسنا وتشع في محيط وجودنا الإنساني فالحياة بهذه الصورة تعود عليك أنت أيضاً بالفرح. تحكي أسطورة صينية أن سيدة فقدت ابنها الوحيد وعاشت حالة الكآبة واليأس من الحياة ذهبت إلى حكيم القرية تسأله هل يمكن أن يعطيها شيئاً يجعلها تستعيد الفرح. فقال لها الحكيم أستطيع أن أعيد لك فرحتك إن أحضرتي حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن. فقامت المرأة بكل نشاط تبحث عن سر فرحتها. وبدأت تطرق الأبواب والبيوت تسأل عن بيت لم يعرف الحزن. فوجدت أول بيت لأسرة من أم وأربعة أولاد مات الزوج ولم تجد هذه الأم ما يسد جوع الأطفال فجلست معها وأخرجت بعضا من النقود وساعدتها وصارت صديقة للأم. وذهبت إلى بيت آخر فوجدت أسرة الأب فيها مريض والأم خرجت للعمل ورجعت الأم لتعمل طعاما للأطفال وتجلس بجوار زوجها المريض فدخلت المرأة وساعدت الأم وقضت معها ساعات تخدمها. وذهبت من بيت إلى بيت تشارك الآخرين أحزانهم، وفي آخر الليل نسيت الأم أحزانها وشعرت بسعادة في داخلها لا أنها استعادت ابنها، ولكنها رأت أحزان الآخرين وشاركتهم فيها. عزيزي لن تجد حياة بلا حزن ولا ألم، ولكن من يستطيع أن يرفع عينيه إلى السماء ويشعر بوجود الله في الحياة يمكنه أن يفرح، قيل عن سليمان الحكيم أنه كان عنده عبد يحبه جداً، وذات يوم أراد أن يختبر هل العبد يبادله هذا الحب، فنادى عليه وأعطاه ثمرة غير ناضجة وقال له: «كُل هذه من يدي». فأكل العبد الثمرة وهو سعيد. فقال له الحكيم: «هل الثمرة حلوة؟». فقال له: «بل مُرة جداً». فقال له: «وما الذي يجعلك سعيداً إذن». فقال له: «لقد تذكرت كم من مرة أخذت الشهد من يد سيدي فزالت عني مرارة هذه الثمرة من يدك». عزيزي لنفرح رغم كل شيء فاليوم هو يوم للفرح. كاهن كنيسة المغارة الشهيرة بأبى سرجة الأثرية لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس