حصوله على جائزة الدولة للتفوق لم يكن أمرا مدهشا على أستاذ وعالم كبير مثل دكتور سامح سعد له العديد من الأبحاث فى ابتكار طرق جديدة لعلاج السرطان وأمراض الشيخوخة .. وإن كان له دلالات تشير الى أنه يسير على خطى أستاذه دكتور أحمد زويل الذى أكد له أنه سيحصل يوما ما على جائزة نوبل بعدما وصل الى أعلى المناصب العلمية فى كبرى جامعات العالم ب أمريكاواليابان وكانت أمامه فرص كبيرة للبقاء بالخارج إلا أنه فضل العودة لمصر والعمل بمستشفى 57357 لكونها المؤسسة الوحيدة فى العالم التى توازى طموحه العلمى والبحثى بما يساعده على كشف الكثير من أسرار الإصابة بالسرطان وسبل علاجه .. عن أسباب العودة وأخر ما توصل له من أبحاث فى مجال علاج السرطان كان لنا هذا الحوار مع دكتور سامح سعد رئيس وحدة بيولوجيا الأورام بمستشفى سرطان الأطفال. دعنا نبدأ من أولى خطوات شغفك بمجال علوم الفيزياء .. متى بدأ هذا الاهتمام؟ منذ طفولتى وأنا أهتم بالقراءة بشكل عام وعندما وصلت الى مرحلة إعدادى بمدرسة إبن خلدون وجدت بالصدفة مجموعة كتب فى مكتبة المدرسة إسمها "كل شىء عن" وهى عبارة عن سلسلة كتب مترجمة تتحدث عن كل شىء فى والحياة فأستهوتنى جدا فكرتها وبدأت أتعلم منها حقائق خاصة بأسرار الكون والكائنات الحية ومن هنا بدأت أنجذب لفكرة البحث العلمى لذا بعد حصولى على الثانوية العامة قررت الإلتحاق بكلية العلوم جامعة عين شمس بالرغم من أن مجموعى كان يؤهلنى للإلتحاق بكلية هندسة مجموعى فى الثانوية العامة كان يؤهلنى للإلتحاق بكلية الهندسة وأخترت قسم الكيمياء لشغفى بهذا النوع من العلوم ولأضمن لنفسى فرصة عمل بمجال الصناعة إذا لم يتم تعيينى فى الجامعة خاصة أننى من أسرة متوسطة والعمل الجاد بالنسبة لنا هو مصدر الدخل الوحيد وبالفعل تم تعيينى بالجامعة فور تخرجى نظرا لتفوقى طوال سنوات الدراسة حتى سافرت الى اليابان لدراسة الدكتوراه . ولماذا اخترت اليابان تحديدا ؟ أنا لم أخطط أو حتى أتخيل فكرة السفر الى اليابان بالعكس فأنا كنت أراسل أحد الجامعات الكندية لدراسة الدكتوراه هناك الى أن إلتقيت بالصدفة فى أحد المؤتمرات بالجامعة بأستاذ يابانى كان يقوم بعمل أبحاث تشبه تلك التى كان يعمل بها دكتور أحمد زويل وقدم لى فرصة دراسة الدكتوراه بواحدة من أكبر جامعات اليابان فوافقت على الفور وفى خلال شهور قليلة سافرت وطبعا وجدت فى البداية صعوبة شديدة فى اللغة والعادات والتقاليد نظرا لأن الناس هناك لهم طبيعة خاصة جدا ويعملون بشكل مخيف مما سبب لى معاناة كبيرة حتى إعتدت على الحياة هناك وتعلمت اللغة الى أن ناقشت رسالة الدكتوراه سنة 1997 باللغة اليابانية ونظرا لأن تقديراتى كلها كانت ممتازة طلبوا منى الإستمرار هناك وتعهدوا بأنهم سيوفروا لى كافة الإمكانيات الخاصة بأبحاثى ولكنى قررت العودة الى مصر وعملت أستاذ بكلية العلوم جامعة عين شمس لمدة سنة وكنت أركز كل مجهودى فى بناء معمل خاص ب البحث العلمى إلا أن الفرصة لم تكن متاحة فسافرت للعمل بواحدة من أكبر جامعات النمسا لمدة سنة ثم ذهبت الى كلية الطب بجامعة واشنطن ونقلت كل خبراتى فى الكيمياء والفيزياء للعمل فى مجال أبحاث طب الشيخوخة . وما علاقة الكيمياء بطب الشيخوخة ؟ أنا تخصصى فى مجال شديد الدقة إسمه " الشقوق الطليقة " وعى عبارة عن مركبات كيميائية شديدة التفاعلية بتظهر فى الجسم نتيجة أننا بنتنفس أكسجين وهو مادة نشطة وبالتالى يمكنه أن يولد مركبات نشطة يمكنها أن تهاجم معظم مكونات الخلية وتسبب لها أعطاب أو مشاكل .. هذه المشاكل هى المسئولة عن حدوث الشيخوخة خاصة أننا كلما نتقدم فى العمر نفقد جزء من قدرتنا على توليد الطاقة وبالتالى كمية الشقوق الطليقة بتزيد بما يساعد على ضعف الخلية أكثر وأنا كان تخصصى هو دراسة سلوك هذه الشقوق الطليقة فى الكيمياء وكيفية تطبيقها على جسم الإنسان مما أبهر الأساتذة والعلماء بكلية طب جامعة واشنطن وقمت بعمل أبحاث هامة جدا فى مجال محاربة أمراض الشلل الرعاش والزاهيمر وفى عام 2005 إنتقلت الى جامعة كاليفورنيا وأنشئت بها أول قسم لأمراض الشيخوخة وتلقيت منحة كبيرة من وزارة الصحة الأمريكية تدعم راتبى ومصروفات أبحاثى لمدة خمس سنوات وكنت من أوائل العلماء الذين نشروا أبحاث خاصة بإبطاء عملية الشيخوخة وتم تعيينى أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة كاليفورنيا ولكنى طوال هذه السنوات وأنا فى ذهنى العودة الى مصر لتطبيق أبحاثى بها الى أن علمت بمشروع مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا فأرسلت لى إيميل قصير جدا عرفته فيه بنفسى ورغبتى فى تقديم اى مساعدة لمصر وفوجئت بإتصال منه فى اليوم التالى وطلب منى إرسال السيرة الذاتية الخاصة بى حتى إالتقيت به فى أمريكا وأتفقنا على تفاصيل العمل معه وبالفعل عدت الى مصر والحقيقة الرجل وفر لى كل الإمكانيات التى طلبتها للمساعدة فى أبحاثى . العلماء المصريون لهم نجاحات وأبحاث علمية كبيرة فى الخارج ومع ذلك مصر لم تحقق المكانة التى تستحقها فى البحث العلمى .. فما تفسيرك؟
الحقيقة أننا ليس لدينا أى مشكلة فى العقول أو المواهب العلمية ولكن القضية لاتتعلق فقط بالأشخاص وإنما بالبيئة والمنظومة المتكاملة التى تساعد العلماء على تنفيذ أفكارهم .. والحقيقة أن البحث العلمى يعد أحد أهم الفروع التى يعتمد الإقتصاد العالمى عليها بدليل أن أمريكا قائمة بشكل أساسى على البحث العلمى وعلى تمكينه فى حل المشكلات لذا فالحكومة هناك تدعم الأفكار العلمية حتى تلك التى تحتوى على مخاطرة كبيرة ونسبة نجاحها لاتتخطى ال1% والصين أدركت هذا الأمر مبكرا ومن ثم فهى تضخ إستثمارات وهمية فى البحث العلمى . أما فى مصر فالأمر مختلف لأن التعليم فى الأصل والذى يعد المسئول الأول عن إفرازالأفكارلايشجع على الإبتكار هذا بالإضافة الى ضعف الإمكانيات المادية واللوجيستية ورغم ذلك فأنا أرى أن الدولة فى السنوات الأخيرة ومنذ تولى الرئيس السيسى بدأت تدرك أهمية البحث العلمى وتتجه لدعمه بدليل زيادة الميزانية الخاصة به حتى أنها كادت تقترب من 1% من الدخل القومى وتلك هى النسبة المأخوذ بها فى معظم دول العالم بالإضافة الى إنشاء مجموعة مدارس وجامعات من شأنها تخريج دفعات ستحدث نقلة فى البحث العلمى . متى بدأت رحلتك مع مستشفى 57357 ؟
بعد وفاة دكتور زويل وإختلاف الإدارة شعرت أن وجودى هناك لم يعد متوازى مع طموحى العلمى فقررت العودة الى أمريكا ولكنى كنت سبق وألقيت عدة محاضرات فى مستشفى 57357 وعندما جائتنى فرصة للعمل به وافقت على الفور لأن هذا المكان به إدارة نادرة فى إسلوب تخطيطها للمستقبل وتجنب المشكلات قبل حدوثها فضلا عن إيمانهم الشديد بأهمية البحث العلمى والحقيقة أن دكتور شريف أبو النجا وفر لى إمكانيات صعب أن أجدها بالخارج لدرجة ان معملى بالمستشفى أكبر وأفضل من معملى فى أمريكا بالإضافة الى أن 57357 أكبر مستشفى فى العالم لعلاج سرطان الأطفال من حيث عدد الأسرة من ما وفر فرص عظيمة ونادرة للبحث العلمى وهذا ما شعرت به من أول يوم عمل فى المستشفى منذ 3 سنوات الى أن توليت رئاسة وحدة بيولوجيا الأورام وأسست معمل الدراسات الأيضية. وما المقصود ببيولوجيا الأورام والدراسات الأيضية ؟ دراسة سلوك الخلايا السرطانية ونقاط قوتها وضعفها مما يساعد فى فهم آليات حدوث الورم ومدى إستجابته للعلاج وهو ما يساعد فى النهاية على إكتشاف أساليب علاجية جديدة تنجح فى إستهداف هذه الخلايا كما أننا نقوم حاليا بعدة أبحاث فى أورام الدم والمخ للتوصل الى أسباب تحول الخلية الطبيعية الى سرطانية عن طريق فهم آلية التمثيل الغذائى للخلية بما يساعد فى السيطرة عليها ووقف نموها وإنتشارها ومن ثم زيادة فاعلية العلاج والحد من أعراضه الجانبية. وماذا عن نتائج أبحاثك فيما يتعلق بفيروس كورونا ؟ أشارك الأن فى بحث خاص بفيروس كورونا الهدف منه الوصول لأسباب حدوث جلطات الدم لمصابى الفيروس والتى تعد السبب الأساسى فى الوفاه. هل حصولك على جائزة الدولة للتفوق كانت عن هذه الأبحاث ؟ حصلت على الجائزة عن مجمل أعمالى وأبحاثى خلال الخمس سنوات الماضية. نقلا عن مجلة الشباب