اقترب مسار انتخابات 2020 فى أمريكا من خط النهاية، وأصبحت الصورة واضحة، ويبدو لنا أن كوفيد-19 كان هو الكارت الأكثر إثارة فى هذه الانتخابات المثيرة، فقد حافظ الحزبان الكبيران هناك (الجمهورى والديمقراطى) على حد الإثارة القصوى فى هذه الانتخابات، رغم ظروفها الخاصة، التى كانت تشير فى البداية إلى معركة حامية، ولأنها تجىء فى ظروف دقيقة، حيث الوباء العالمى الذى أغلق المدن، وأخاف الملايين، وترك وراءه رقما قياسيا من الضحايا (موتى ومصابين)، وأزمة اقتصاد تطرق الأبواب، ليس فى أمريكا وحدها، ولكن فى العالم كله. لقد كانت بداية الانتخابات تشير إلى قوة الرئيس الجمهورى ترامب المثير للجدل، وأغنى رؤساء أمريكا عبر تاريخها العريض، وذى الشخصية الصلبة، التى خرجت على المألوف، والتى جاءت خارج السياق، وجديدة على العاصمة واشنطن، وأنها مليئة بالحيوية، ولا تهاب أحدا، حيث واجه الجميع بلغة لم تعرف احترافية السياسة على الإطلاق، فقد واجه الشارع الأمريكى بقسوة، وهزه بعنف، وواجه حلفاء أمريكا الأوروبيين وأخافهم على مستقبل التحالف، وهز الصين، وواجهها لتغيير المعادلة التجارية والاقتصادية، ونجح، إلى حد كبير، فى احتوائها، ونجح الصينيون فى التقليل من آثاره السلبية عليهم، وعلى النظام الاقتصادى العالمى، وكان فى طريقه إلى إحداث ثورة اقتصادية داخلية وخارجية معا، وأسلوب جديد للتعامل مع القوة العظمى من كل شركاء العالم. لكن يبدو لنا أن فيروس كورونا تربص به، ولم يعطه الفرصة الكافية، رغم أنه نجا منه عندما أصابه وتعافى بسرعة، حيث كان له كلام آخر فى حملته الانتخابية الثانية، وكان الكارت الأحمر الذى أوقف زحف ترامب على أمريكا والعالم، ورغم أنه من المبكر جدا أن نقول إن الفيروس فاز عليه، أو نال منه، أو أخرجه من البيت الأبيض، فإنه استطاع أن يجعل من حملة بايدن، نائب الرئيس السابق، أو الرئيس المرتقب، أقرب للبيت الأبيض من الرئيس الجمهورى، وجعل الانتخابات جاذبة، ومثيرة جدا، بل مباراة حامية تقطع أنفاس المتابعين، أو المراقبين لها. أما بالنسبة لنا فى الشرق الأوسط، فقد استطاع الرئيس ترامب أن تبدو صورته الأخيرة مهتما بهذه المنطقة على طريقته، فقد أرسل للمصريين رسالة تضامن ودعم فى ملف سد النهضة ، عندما أوقف مساعداته لإثيوبيا، وعندما تكلم علانية عن حقهم فى حماية حقوقهم، أو حدودهم المائية، وأنهم أصبح لهم حق فى حماية نهر النيل من أى اعتداء، فهو شريان الحياة. ولا شك أن هذه الرسالة تشكل لدى المصريين امتنانا كبيرا للرئيس الأمريكى الحالى، ويجب أن تبنى عليها الإدارة المصرية سياستها المستقبلية، سواء مع هذه الإدارة الراهنة، أو الإدارة الجديدة، لأن تعاقب الإدارات فى واشنطن لا يُخرج السياسات العادلة عن مسارها الصحيح، خاصة أن مصر، فى وقتها الراهن، قد استردت كل مكانتها السياسية داخليًا وخارجيًا، وقادرة على التأثير فى أى إدارة أمريكية مقبلة، وإقناعها بسياستها، لأنها عادلة، وتحترم المجتمع الدولى، كما أن هذه الرسالة يجب أن تصل بها مصر إلى إثيوبيا، ولكل دول القارة الإفريقية، بل كذلك القارة الأوروبية، فقد أصبح للحق المصرى ظهير قوى بعد رسالة ترامب العلنية، فهى اعتراف عالمى ب حقوق مصر المائية فى نهر النيل . لقد أضيف إلى ملف العلاقات العربية - الأمريكية فى المستقبل ملف جديد هو علاقة الإخوان المسلمين بالإدارة الأمريكية ، ومراكز الأبحاث والدراسات، والكونجرس الأمريكى، فقد تغلغل الإخوان فى هذا الملف، ليس فى الإدارة الديمقراطية وحدها، ولكن الجمهورية كذلك، ورغم أننا أخذنا من حيوية الرئيس ترامب فى دورته الأولى دفعة قوية فى كشف الألاعيب السياسية، والتدخلات المعيبة، التى استطاع من خلالها «الإخوان المسلمين» استخدام إدارة أوباما فى إثارة الاضطرابات بالمنطقة العربية، فإن هذا الملف أصبح مفتوحا الآن على مصراعيه، وتم كشفه أمام الرأى العام الأمريكى والعالمى، كما تم كشف الدور الذى لعبه الأتراك والقطريون فى السيطرة على مجال حيوى فى إدارة أوباما، وكشف الأضرار التى وقعت على شعوب المنطقة العربية نتيجة هذا الفهم الخاطئ لدور جماعات الإسلام السياسى فى المنطقة. وإذا شئنا الدقة، فإن الإخوان استطاعوا فى مرحلة ما قبل 2010 وحتى قيام الثورات والانتفاضات، تجنيد، الإدارة الأمريكية ليس وحدها، ولكن تعاملوا بالمقايضة مع الإدارات الإسرائيلية المختلفة، وسوف تكشف الأيام المقبلة عن أن الإخوان لعبوا أدوارا رخيصة فى كل البلدان العربية، ولعل سقوط الإخوان المتتابع فى بورصة السياسة العربية يعطى رسائل أكثر دقة ووضوحا للأمريكيين القادمين للبيت الأبيض، أن معالجة الإسلام الراديكالى ليس بالتحالف معه، ولكن بالمواجهة، وعدم التعامل معه، وفرض لغة القانون، واحترام سيادة الدول العربية، ومنع استخدام الدين كماركة سياسية، أو عملة للترويج السياسى، وضرورة حيوية لاستقرار المنطقة، وأن يكون الدور العالمى أكثر وضوحا، وأن يتم كشف العلاقات، أو الشبكات الإرهابية المرتبطة بهذا التنظيم، سواء مالى، أو أدواره المتعددة فى عمليات الإرهاب فى المنطقة العربية، كما أن الدورين القطرى والتركى أسهما فى عدم استقرار الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ولذلك لابد من تفكيك العمليات الإرهابية، والشبكات المتعاونة معها. إن معركتنا مع الجماعات المتأسلمة لن تكون فى المنطقة العربية وحدها، بل يجب أن تمتد إلى العواصمالأمريكية والأوروبية معا، والأهم إعادة السيطرة على المراكز الدينية فيها، فلن تكون معركتنا مع الإدارة الأمريكية، والوزارات، وداخل البيت الأبيض، وخارجه فقط، وننسى مراكز الأبحاث، وصناع السياسة فى العاصمة واشنطن، والعواصم الأوروبية، التى تمكن الإخوان من التخندق فيها، وأصبحت لهم كلمة عليا هناك، والسياسيون ورجال الكونجرس يستقون معلوماتهم من هؤلاء الخبراء، وتلك المراكز، ويجب ألا نترك لهم الساحة خالية يملأون فيها أفكار القادمين أو الحاليين فى عاصمة صنع القرار العالمى. (واشنطن)، فهذا خطأ جسيم يجب أن نعترف أننا بحاجة إلى تلافيه فى المستقبل.