تحية لأصحاب الضمائر الوطنية الذين أدركوا وقدروا غضب الغاضبين من أجل كرامة مدينتهم وبلدهم كلها وعرفوا التاريخ الأسود لاستغلال الاستعمار لها ونهب ثرواتها وإهانة أبنائها واستجابوا لإرادة قاعدة عريضة من أبناء مدينة النضال والمقاومة بورسعيد حتى لا يعود ويقف على مدخل قناتهم رمز من رموز هذا التاريخ متحديا كرامتهم وأرواح ودماء أكثر من 120 ألف ماتوا بالجوع والعطش والمرض والضرب والضياع فى الصحراء أثناء حفر القناة والتى أراد ديليسبس بحفرها خدمة مصالح بلاده فى صراعها الاستعمارى مع الانجليز وشاء الله لها وعلى غير كل ما أرادوا أن تكون من شرايين الخير والحياة لبلدها ... ومات ديليسبس الذى يريد البعض إعادة تمثاله إلى مدخل قناتنا محكوما عليه وعلى ابنه شارل فى قضية فساد ونصب واحتيال فى قناة بنما ووجهت إليهما اتهامات خيانة لشراء الأسهم وسوء إدارة وانفاق الأموال التى حصلوا عليها بصفة الوكالة أو الوديعة لذلك حكمت المحكمة على ديليسبس وابنه بالسجن خمس سنوات وبثلاثة آلاف فرانك غرامة . هذه واحدة من الوقائع المهمة التى قدمها ا.د السيد حسين جلال فى رسالته للدكتوراه عن قناة السويس من جامعة الإسكندرية وأعادت طبعها الهيئة المصرية للكتاب بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح القناة وأعاد طبعها أيضا كما يقول الباحث والاستاذ الكبير بهدف آخر لا يقل أهمية وهو مواجهة جماعة غريبة أطلقت على نفسها جمعية أصدقاء ديليسبس وقناة السويس ؟! وانشئت الجمعية بمبادرة من جاك جورج بيكو آخر مدير لشركة قناة السويس والذى حذر أثناء رئاسته للشركة من تنامى الحركات الوطنية المصرية حتى لا تدعو للاستيلاء على القناة والتى فعلها الرئيس عبدالناصر بتأميمها 1956 ويؤكد. د.حسين جلال فى رسالته عن القناة أن المهمة الاساسية لهذه الجمعية هى صناعة بطولات وانجازات مزيفة لديليسبس وطمس تاريخه الاسود فى حفر وادارة ونهب أموال القناة وأيضا تأكيد الكذبة الكبرى فى تاريخ القناة أنه صاحب فكرة حفرها ومحو التاريخ الطويل للتفكير فى حفرها منذ عهد المصريين القدماء والتغلغل بأفكار واهداف الجمعية فى الاوساط الثقافية المصرية وتسجيلها فى سجل اليونسكو ونفى هويتها المصرية وما انفقته مصر عليها حتى استدانت لأول مرة فى تاريخها! وإخفاء أن الشركة لم تتحمل سوى 7.1 % من جملة تكاليف حفر القناة بينما تحملت الحكومة المصرية 92.9% من هذه التكاليف وبسبب المبالغ الضخمة التى تحملتها مصر استدان سعيد وإسماعيل بفوائد ضخمة وبيعت اسهم مصر فى القناة ورهنت حصتها من ارباح الشركة وكانت لا تتجاوز 10% وبما يعنى حرمان المصريين من ايرادات قناتهم ما يقرب من قرن من الزمان علاوة على فقد مصر لاستقلالها بينما اكدت باحثة فرنسية فى جامعة السوربون متخصصة فى التاريخ الاقتصادى والاجتماعى ان شركة قناة السويس جسدت جميع تناقضات نظام الامتياز ودمرت امكانات الاقتصاد المصرى وأدت إلى ركود التنمية وامنت لنفسها احتكارات طويلة المدى خاصة فى منطقة برزخ السويس وأصبحت الشركة دولة داخل الدولة . أعرف أن التركيبة السكانية لأبناء بورسعيد تغيرت بعد الانفتاح السداح مداح كما أطلق عليه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين وجاء المدينة غرباء ومغامرون وباحثون عن استغلال ثروات البحر والقناة والسوق والمدينة الحرة وسائر ما تملكه المدينة الباسلة من فرص حياة لم تستغل جيدا حتى الآن ويدعى من يطلقون على أنفسهم أصدقاء ديليسبس والقناة ان إعادة التمثال ستجلب ل بورسعيد الرخاء الأمر الذى لو كان حقيقيا وهو محض كذب وافتراء فمن من أبناء المدينة الباسلة يبيع دماء شهدائه وكرامة وطنه بحفنة أموال ورغم كل ما حدث فى بورسعيد من تحولات وجاء من غرباء مازال التكوين الاصيل لسلالة النضال والشرف والمقاومة والاستشهاد لم تتغير . وشاءت العدالة الالهية أنه فى الليلة التى خرج فيها تمثال ديليسبس بلا رجعة من بورسعيد عاد إلى المدينة وإلى احضان زوجته وبناته الاربع ابنها هيثم طويله.. وهيثم هو صاحب القضية رقم 3134/7 قضايا مجلس الدولة ب بورسعيد والتى تناولتها فى سلسلة طويلة من المقالات 2019 مؤيدة لدعوته الوطنية بعدم إعادة التمثال المهين لتاريخ ونضال وشهداء بورسعيد . وفوجئت ان بين من ينادون بعودة التمثال من الإسماعيلية بل ويتقدم بطلب احاطة للبرلمان وكيله السيد سليمان وهدان ووفق ما نشرته الأهرام 12/10/2020 على لسان جورج صفوت المتحدث الرسمى باسم هيئة قناة السويس أن التمثال نقل إلى الإسماعيلية فى اطار الاعمال الانشائية الخاصة بالمتحف العالمى لقناة السويس. وسبق ودعونا إلى وضع التمثال فى أحد المتاحف مع اثبات موثق بتاريخه الحقيقى فنحن لا نريد تغيير التاريخ وأيضا لا نقبل بتزييفه وإخفاء جرائمه ومخازيه وما ارتكبه بحق بلادنا وعمالنا وفلاحينا وشهدائنا. وكنت أتمنى أن يقوم سيادة النائب وهدان بقراءة جزء من الكتب والوثائق والمراجع العربية والاجنبية التى وضعها ابن بورسعيد هيثم طويلة أمام القضاء وفى مقدمتها رسالة الدكتوراه التى سجلها .د.مصطفى الحفناوى فى أربعة أجزاء فى جامعة السوربون ورسالة. د.عبدالعزيز الشناوى عن السخرة فى حفر قناة السويس وكتاب أكبر فضيحة مالية فى القرن التاسع عشر. د.محمد صبرى كتاب ( خراب مصر ) للكاتب الروسى تيودور روذستين، و(مصر وكيف غدر بها) للقنصل الأمريكى فى مصر فى الفترة بين 1668 1875، و(التاريخ السرى لأحتلال الانجليز لمصر) للمؤلف الإنجليزى الفرد سكاون بلنت تعريب الشيخ محمد عبده! ولا تسمح مساحة المقال بمواصلة كتابة اسماء هذه المراجع والوثائق لو قرأ سيادة النائب واحدا منها ما قدم طلب الاحاطة الذى قدمه إلى مجلس النواب. لن أتوقف عن تقديم عظيم الشكر والامتنان والتقدير لكل من شارك فى حماية تاريخ ونضال مدينتى الباسلة وأرواح ودماء شهدائها فى حفر القناة وفى الانتصار على عدوان 1956 وشارك فى قرار نقل تمثال ديليسبس إلى متحف القناة ب الإسماعيلية وإبقاء مدخل قناتنا ينتظر من مبدعينا فى النحت تمثالا يحيا به إلى الأبد شهداؤنا وابطالنا ونضالنا ضد الاستعمار ورموزه وجرائمه ما خفى منها وما انكشف . نقلا عن صحيفة الأهرام