ديليسبس لم يكن حبيبنا ماجدة موريس هل تصور الذين صمموا علي إعادة تمثال ديلسبس إلي مكانه في مدخل قناة السويس أنهم بذلك يحفظون للقناة قصتها، ويكرمون صاحب فكرتها، ويجلبون للمدينة سياحًا لأجل رؤية التمثال إذا كانت هذه وجهة نظرهم فإنني أرجو أن يرحبوا ايضا بإضافة تماثيل أخري بجانب تمثاله، تمثل عينة من المصريين الذين قاموا بالحفر في أسوأ الظروف، وبالسخرة! بحيث يري السواح صاحب الفكرة، والذي استفاد كثيرا منها «مائة عام من السيطرة وتدفق الإيرادات» ومعه العبيد الذي حفروها بدون أجر، في أجواء من العنف والشقاء والفقر، صحيح ان الحاكم وقتها الخديو سعيد، هو من اتفق معه، وهو من أخذت قواته العمال غصبا من كل مصر لموقع «الفرما» الذي اصبح بعد الحفر مدينة بورسعيد، ولكن هل علينا ان نمجد من صنع هذا بأبناء الوطن حتي لو كانت الفكرة فكرته؟ لقد ظللت أتلقي علي مدي شهور رسائل من أصدقاء علي الفيسبوك – بوسطجي أيامنا الان- تطالبني برفض عودة تمثال ديلسبس الي مدخل القناة والانضمام الي الرافضين، ويبدو ان هذه القضية تثار في بور سعيد منذ سنوات، وحيث تكونت جبهة الرافضين عام 2012، منذ ثماني سنوات كاملة، ولَم اكن أدري ان هناك جبهة أخري للموافقين، وانما تصورت انهافقط رغبة بعض المسئولين في المحافظة ولكني لم أتصور ان هناك من يدافع عن عودة التمثال الرمز لسنوات السخرة، «تذكروا مسلسل بوابة الحلواني لمحفوظ عبد الرحمن والمخرج إبراهيم الصحن»، وان عذاب الذين عملوا بالقهر، وماتوا به لا يضيرهم، «مائة وعشرين الفا ماتوا وهم يحفرون القناة»، نعم كسبنا حفر القناة عام 1869 من وراء قدرة الرجل علي إقناع صديقه الخديو اسماعيل بالمشروع الذي كان فكرة قديمة تعود لأيام ما قبل محمد علي باشا، لكننا خسرنا الكثير سواء بسبب حفر القناة، او في العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 والذي كان عقابا لمصر التي ردت علي سحب الدول الغربية تمويل السد العالي بإعلان تأميم القناة والبحث عن تمويل ذاتي، وقد أتيح لي قراءة مقال منشور في جريدة البيان، للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي نشره الكاتب محمد الروبي علي صفحته، عن رسالة الدكتوراه التي حصل عليها د.مصطفي الحفناوي من جامعة السوربون في عام 1951، والتي أثبت فيها جرائم ديلسبس في حق الشعوب، ومنها شعب بنما الذي عاني منه أثناء حفر قناة بنما، ولكنه- اي شعب بنما- اخذ حقه منه بعد وقت طويل من محكمة فرنسية رفع فيها قضية ضده، بالمستندات، فحكم عليه بالسجن خمسة سنوات، في بلده، «ولَم يوقف تنفيذ الحكم الا شيخوخته فقد كان قد تعدي الثمانين وقتها»، اما في مصر، بلدنا، فلم يكتفى الرجل بالفكرة، وبعقد المائة عام من السيطرة «وكان يريد مائة عام أخري»، وانما ضلل الزعيم احمد عرابي، وأبلغه كذبا بأنه لا داعي لإغلاق القناة لأن الإنجليز لن يأتون بجيوشهم من ناحيتها، وكان الإنجليز قد عزموا علي احتلال مصر فوجدوا مقاومة شرسة في الاسكندرية من جيش مصر بقيادة عرابي، ومن المصريين فتراجعوا، وتسببت خديعة ديليسبس في دخولهم مصر من منطقة القناة عام1882، ديليسبس تاريخ من الاستغلال، والعداء لنا،علي ارضنا، ومكان تمثاله الان هو المتحف، وسط متعلقات الماضي، اما الذين حفروا القناة الاولي فهم ابنائنا، «مثلهم مثل الذين حفروا الجزء الثاني منها منذ عامين»، ولكن بقدر شقاء الحفارين الأوائل، فلا بد من تقديرهم، بنفس الطريقة الفنية، وبطرق اخري في عالم الثقافة والفن الرحيب، وهذا ما اتمناه انا وغيري بعدما صدر قرار الدولة بعدم عودة تمثال ديليسبس الي الصدارة، في مدخل القناة لأنه ليس بطلا، ولا هو حبيبنا.