د. طه عبدالعليم فى تبرير تعنت إثيوبيا فى تفاوض مصر من أجل توقيع اتفاقية قانونية وفنية ملزمة حول سد النهضة تصاعد لغو جهول يردد فرية أن النيل الأزرق بحيرة أو ملكية إثيوبية!! لكن مياه النيل الأزرق شأن غيرها من إيرادات منابع النيل الإثيوبية والاستوائية المتدفقة إلى مصر والسودان ليست منحة أو منة من أحد، وليست موارد مغتصبة، كما زعم وروج دعاة منع مياه النيل عن مصر أوبيع مياه النيل لمصر! وإنما هى حقوق طبيعية مكتسبة؛ حيث تتجه مياه منابع النيل الإستوائية والإثيوبية عبر السودان الى مصر كظاهرة طبيعية؛ تجعلنا المصب الطبيعى للنيل. وحتى تتفهم إفريقيا موقف مصر من سد النهضة علينا توصيل حقيقة سد النهضة للرأى العام والقادة السياسيين فى الدول الإفريقية الشقيقة ودول العالم المؤثرة. وأسجل، أولا، أن مصر طوال مفاوضات مباشرة عقيمة استغرقت عقدا من السنوات، وأمام مجلس الأمن وخلال المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقى وبمشاركة أطراف دولية أوضحت أن موقفها التفاوضى لا يرتكز فقط الى الحقوق الطبيعية لمصر والسودان ، وإنما يستند أيضا الى الحقوق القانونية واتفاقية الأممالمتحدة للمجارى الدولية بشأن مبادئ إدارة استخدامات الأنهار الدولية المشتركة. وبينت مصر أن إثيوبيا بقرارها المنفرد ببناء سد النهضة تجاهلت مبادئ الإخطار المسبق والاتفاق مع دول المصب، كما لم تقدم مستندات استشارى المشروع التى تثبت سلامته الإنشائية لتجنب كوارث مدمرة يبدو معها فيضان السودان الحالى أمرا هينا. وثانيا، أن إثيوبيا بالحجم الذى ضاعفته لسد النهضة يجعل منه سلاحا سياسيا للهيمنة والابتزاز، ويحمل أضرارا جسيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية لدول المصب. وأن احترامها لحق أثيوبيا فى إقامة سد لتوليد الكهرباء، لا ينفصل عن رفض مصر فرض أمر واقع يحمل تهديدا لحقنا فى الحياة، حيث يمثل النيل نحو 97% من مواردها من المياه العذبة المتجددة. وأن توقيع اتفاقية قانونية وملزمة بين إثيوبيا ومصر والسودان، والتوافق على آلية لفض النزاعات المحتملة بشأن تطبيقها، ضرورة للتوافق على الملء والتشغيل خاصة في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، وعدم الانتقاص من حصة مصر المائية، لأنها تعانى بالفعل عجزا مائيا كبيرا يقدر بنحو 23 مليار م3 سنويا. وثالثا، أن النيل الأزرق هو أكبر الفروع المغذية لنهر النيل؛ حيث يمثل متوسط التصرف الطبيعي له نحو 50 مليار متر مكعب سنويا، اي نحو 68% من حصتى مصر والسودان السنوية، التى تمثل معا 74 مليار متر مكعب، وهو الحجم نفسه الذي اختارته اثيوبيا ان يكون حجما لسد النهضة الاثيوبى، الذى تقيمه على النيل الازرق، أهم روافد النيل بالنسبة لمصر. وأما اجمالى ما يرد إلى مصر والسودان من منابع النيل الاثيوبية فتصل نسبته الى 85% بإضافة إيرادات نهر عطبرة ونهر السوباط النابعين أيضا من الهضبة الإثيوبية. ولدحض فرية إثيوبيا بأن مصر تستحوذ على مياه النيل، تكفى الإشارة الى أن1660 مليار متر مكعب من مياه الأمطار تسقط سنويا داخل حوض نهر النيل، وأن 450 مليار متر مكعب من هذه الأمطار تسقط بإثيوبيا، ولا يصل إلى مصر من مياه حوض النيل إلا 55.5 مليار متر مكعب. ورابعا، أن متوسط نصيب الفرد من المياه العذبة المستغلة فى مصر هو الأدنى مقارنة بغيرها من دول حوض النيل، وعلى سبيل المثال، فان متوسط نصيب الفرد من المياه المتجددة في إثيوبيا يبلغ 8100 متر مكعب سنويا أى 8 أضعاف حد الفقر المائى الذي يبلغ 1000 متر مكعب سنويا. بينما لا يتعدى نصيب الفرد من المياه المتجددة في مصر 570 مترا مكعبا، أى نحو نصف حد الفقر المائى، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه المتجددة في إثيوبيا نحو 14 مرة مقارنة بمتوسط نصيب الفرد من المياه المتجددة في إثيوبيا!! وخامسا، أن بناء سد النهضة قد جرى بالمخالفة لاتفاقية 1902، التى وقعتها إثيوبيا «المستقلة»، وأن بناء سد النهضة لم يتم فقط بالمخالفة مع مبادرة حوض النيل، بل ويتعارض مع اتفاقية عنتيبى التى وقعتها اثيوبيا منفردة مع خمس دول اخري من حوض النيل. وفى دحض فرية إثيوبيا بأن سد النهضة لن يكون له ضرر ذو شأن على مصر والسودان؛ ينبغي توضيح ان تعريف إثيوبيا لما تعتبره ضررا ذا شأن قد يختلف عما تعتبره مصر ضررا ذا شأن، وأن توقيع اتفاقية قانونية ملزمة لا مفر منه لأن الامور المتعلقة بحياة الشعوب لا يمكن ان تدار بالوعود الشفهية. وسادسا، إن التزام مصر بنهج التفاوض، كما أوضح الرئيس السيسي ، قولا وفعلا، لا ينطلق من ضعف بل من تفوق قوتها الشاملة، ولا يعنى التراجع عن رفض فرض الأمر الواقع؛ وإنما يسهم فى كسب الرأي العام الإفريقي، ويضع الاتحاد الإفريقى أمام مسئولياته، ويجسد حقيقة أن مصر لم تفقد الاتجاه فى إدارة بعدها الإستراتيجي النيلى والإفريقى. والأمر أن مصر هى النيل، وما من رباط لمصر بالعالم الخارجى أقوى وأعمق من النيل، وما من منطقة خارجية يمكن أن ترتبط بها مصر أكثر وأشد من تلك التى يربطها بها النيل. وأختم، فأقول إن مصر في إدارتها لأزمة سد النهضة وفى سعيها إلى تعريف الرأى العام والقادة السياسيين في إفريقيا بحقيقة سد النهضة، ومع حماية حقوقها الثابتة ورفضها سعى إثيوبيا العقيم لفرض الأمر الواقع، عليها أن تنطلق أيضا من أربع حقائق، هى: الأصل الإفريقي للمصريين، ورسالة مصر القديمة والوسيطة الحضارية فى إفريقيا، ودور مصر بقيادة ناصر فى تحرير إفريقيا، ثم توجهها بقيادة السيسي للتعاون التنموى والشامل مع إفريقيا. * نقلًا عن صحيفة الأهرام