" الجحيم هو الآخرون " قالها الفيلسوف والأديب الفرنسي " جان بول سارتر "؛ ويعتقد بها البعض ويتجاهلها آخرون ويؤمن بها غيرهم.. ينبهنا "سارتر" للحذر من علاقاتنا؛ فلا نلقي بأنفسنا في الجحيم بأيدينا في إشارة للتعاملات المؤذية للنفس.. في مسرحيته "خلف الأبواب المغلقة" يدخل بطل المسرحية حجرة تبدو كجهنم، وبعدها تدخل سيدتان ويغلق الباب، وينتظرون بدء العذاب ولا يحدث شيء؛ فيفهمون أنهم سيتبادلون تعذيب بعضهم بعضًا، ويبدأون بتبادل المحاسبة عن ذنوبهم وخطاياهم في الدنيا.. يرى سارتر أن البشر يمارسون التعذيب في تعاملاتهم كمن يغلق عليه أبواب الجحيم .. وربما ذلك دفع العقاد للقول: أصبحت لا أعبأ بخير الناس وهم أخيار ولا بشرهم وهم أشرار.. ولذا "يختار" البعض الوحدة - أحيانًا - حماية للعمر من ضياعه وبعثرته بصراعات ومناكفات لا مبرر لها.. ويختلف آخرون "ويخافون" الوحدة ويتشبثون بعلاقات "باهتة" لا حياة فيها ويرون الوحدة إحساسًا قاسيًا لا يرحم ويقبلون بأقل مما يستحقون من التقدير والاهتمام تجنبًا للوحدة.. أخبرني البعض - من الجنسين - بتورطهم عاطفيًا بسبب الوحدة؛ فعند شعورهم بها سعوا للحديث مع الجنس الآخر ؛ طلبًا للونس، ومن تصادف وجوده "أون لاين" أو رد على الهاتف تكلم معه باستفاضة؛ لأنه بأشد حالات ضعفه الإنساني، ومنحه ثقته وبدأت مشاعره تنمو بعيدًا عن سيطرته.. وقد أرسل رسالة للطرف الآخر مضمونها أنا وحيد "واحتاجك" وكثيرًا ما يستغله أو لا يكون مناسبًا له ويدفع هو الثمن مؤلمًا في الحالتين.. ونوصي بتجنب الجنس الآخر عند الشعور بالوحدة حماية للقلب وللعمر، ولنتكلم مع نفس الجنس حتى لو لم يكن مقربًا. وننبه لخطأ انتظار بعض النساء للخطيب، أو للزوج، أو للأبناء لمنع شعورها بالوحدة؛ والأفضل اعتياد ملء حياتها بما يسعدها ويفيدها وسيحسن ذلك من نجاحها بكل العلاقات، ولن تتعامل بحساسية زائدة أو بتحفز وبحدة مع أي انشغال للآخرين والعكس صحيح.. ويتنازل البعض عن قناعاته للاستمرار بعلاقات لمنع الوحدة ويرونها كفشل اجتماعي، بينما هي "نعمة" وضرورية - من وقت لآخر - لبناء وتطوير الذات ولفلترة الأفكار والمواقف وللانفراد بالنفس بعيدًا عن الضجيج ولصنع النضج؛ ومن علاماته التوقف عن العلاقات التي تخصم أو وضع مسافات تبعدهم نفسيًا، والاكتفاء والفرح بالتي تفيد وتضيف وأهمها العلاقة الناجحة مع النفس، وإعادة ترتيب العقل وتهدئة المشاعر والتخلص من الإجهاد الذهني والفوز باستراحة جسدية ونفسية - نحتاجها جميعًا - وممارسة الهوايات لننتزع أنفسنا من "دوامات" الحياة التي تحاصرنا. ومن لا يستطيع قضاء وقتٍ "جيدٍ" مع نفسه، لديه مشكلة أو مشكلات يهرب منها بالاحتماء بالآخرين؛ والحل مواجهة النفس بها ووضع خطة للتغلب عليها أو لتخفيف حدتها مؤقتًا تمهيدًا للانتصار عليها. ونحذر من توابع انتهاء علاقة عاطفية، أو خطبة، أو زواج و الإحساس بالوحدة ووجود "حفرة" بحياة صاحبها، ويجب المسارعة بملئها بأي شيء؛ وأحيانا ما يتم وضع نفايات أو أشياء لا قيمة لها لملء الحفر؛ بينما حياتنا جديرة بألا نضع بها أي شيء يقلل من نقائها واتساعها وجمالها ولا يتسبب بإطفاء نورها الداخلي أبدًا؛ وهو ما تفعله العلاقات التي نتسرع بصنعها بعد الأزمات العاطفية؛ وكأننا نريد إثبات للأنفسنا أننا ما زلنا قادرين على اجتذاب الآخرين؛ بينما البعض مستعدون دومًا لبدء علاقات مع من - يفتحون - لهم أبواب قلوبهم ليستنزفوهم عاطفيًا وعندما يأتي وقت الحساب يقولون: لم نجبركم وقد أتيتم لنا بملء إرادتكم.. ولمن يعاني من الوحدة ومن جحيم الآخرين نهمس بكل الود والتقدير لمعاناته: احتضن نفسك بحب واحترام واصنع لك أهدافًا بالحياة؛ ومن أهمها ألا تتعامل أبدًا مع أي إنسان مهما كان مهمًا لديك من باب الاحتياج؛ ولو كان للونس الإنساني، وتذكر الوصية الرائعة للإمام علي كرم الله وجهه: "استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره"، ووسع حياتك ولا تجعلها تنحصر بالعمل، ولا برعاية الأبناء، واهتم بنفسك نفسيًا وصحيًا، وتذكر كلما زادت اهتماماتك بالحياة وأنشطتك قل شعورك بالاحتياج واتقنت اختيار من "يستحقون" صحبتك لبعض الوقت وملأت عمرك بما يرضيك ويسعدك وتمكنت من الابتعاد عن جحيم الآخرين واستطعت التخلص بأسرع ما يمكنك ممن أدخلتهم إلى حياتك اولًا بأول. ونجوت من جحيم الآخرين بالواقع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولات البعض التلصص على الخصوصيات وفرض أنفسهم والاستدراج للحديث معهم "وسرقة" الأوقات فضلًا عما يحاولون إلقاءه من أكاذيب ممجوجة وأحيانًا مفضوحة وجدالات عقيمة وسفسطة مملة بمحاولات لإثبات أنهم رائعون ومميزون ووووو.. ولا تعتمد نفسيًا ولا عاطفيًا على مصدر واحد للإشباع الاجتماعي؛ حتى لا تنهار إذا حدثت مشكلة أو مات أو اختلفتما لأي سبب، ونوع علاقاتك، وكن كالدولة العظمى التي تعتمد على نفسها ولا تحيا على فتات الآخرين ولا على معوناتهم، وستربح نفسك وتنعم بأفضل ما يمكنك بالزهوة والسلام الداخلي وتنجح بتفاصيل حياتك والعكس صحيح، وعندئذ لن تقبل بأي جحيم وستسارع بالفرار منه ولن تؤذي نفسك وتتذكره أو تحكي عنه بعد مغادرتك له وستركز على الامتنان لنجاتك منه.